الثلاثاء، 30 مارس 2010

الجهل و التسويق

آصبحت لا أعلم حقا هل أنا الذى أبحث عن الهموم ؟ ، أم هى التى تبحث عنّى . و لكن أصبح بيننا علاقة وطيدة فى الفترة الأخيرة ، أزداد حبا لها كلما استطعت حلها .
كنت جالسا أشاهد فيلما أمريكيا ، كان فى بدايته مشوقا ، و لكن ما طال هذا التشويق حتى انقلب الى هموم تتكاثر كلما توالت المشاهد . لقد أخذ الفيلم مسارا آخر ، أخذ يعرض المسلمين كأنهم "دراكولات" تمشى على الأرض، عطشى للدماء ، لا يفقهون فى شئ الا التهليل و التكبير ثم بعد ذلك التدمير ، لا يعلمون شيئا عن الانسانية ، يخيل لهم أنهم امتلكوا الجنة مهما فعلوا ، و أرخص شئ عندهم هى أرواحهم .

أما عن ملامحهم ، فهى كئيبة مرعبة ، عبوسي الوجه ، فظى الطباع ، خشنى المعاملة ، عديمى القلب ، لا يعلمون معنى الرحمة و لا الشفقة ، و أما عن أخلاقهم فحدث و لا حرج .

انتهى الفيلم ، و انتصر الأمريكان على أولئك "الدراكولات" و طهروا البلاتوه من جنسهم الى الآبد . كان الغضب قد وصل الى أوجه لدىّ . و حاولت أن أستجمع أعصابى قليلا ، و جلست على مكتبى متظاهرا الهدوء ثم سحبت ورقة ، وبدأت أكتب و أفكر .

لماذا يصوروننا فى هذا المنظر؟ ، أما فينا علماء مثلهم ؟، أما فينا حكماء و أدباء؟ ، أما يجرى فى عروقنا مثلهم دماء ؟
ثم وجدتنى أجيب تحتها : "نحن من فعلنا بأنفسنا هكذا". نعم ، كل هذه الأحداث لم يكن لها وجود قبل أحداث ١١ سبتمبر ، حينها وقفنا جميعا مهللين نشفى غليلنا بدماء أولئك الأبرياء ، و قد قال معظمنا فى نفسه و أنا أولكم "ذوقوا ما نذوق و لو لمرة". و لم ننزل الى الشوارع متظاهرين ، منددين بما حدث . و أتذكر حينها قامت القنوات الفضائية الاسلامية باطلاق مشايخها ليزايدوا بعضهم على بعض فى الحديث عن نتيجة ظلم الأمريكان و قضاء الله و قدره ، و أن الله يمهل ولا يهمل . و كأن الحادثة ناتجة عن عوامل طبيعية . و فريق آخر بدأ الحديث عن النصر المبين و كأن الجيش الاسلامى عاد من جديد ليفتح أمريكا .

و نسى الفريقان أساس الدين الاسلامى ، و أن قتل النفس بغير حق من الكبائر التى لا تغتفر . و إن كان جنديا محاربا أعزل من السلاح .

لننحى جانبا أحداث سبتمبر ، مع أنها هى الأساس .

اذا نظرنا الى أحوالنا عن كثب فسنجد أن عندما يأتى الينا السياح من كل بقاع الأرض و يروا التخلف الذى ما زلنا نعيش فيه ، فلهم الحق أن يصورونا بهمج ، فنحن نعيش فى وسط مقلب كبير من القمامة ولا أحد يبالى . عندما يأتى كل عام أسماء الدول الإسلامية على رأس قائمة الدول الأكثر جهلا و أمية ، فلما أحزن . عندما أجد الرجل طالقا للحيته متظاهرا بالإسلام و يطلب الرشوة ( إكرامية) فعلى ماذا أحزن ، و عندما أجد شباب أمتى ليل نهار على المقاهى جالسين بلا هدف و لا أمل ، فكيف أحزن. و عندما أجد أنه من النادر جدا بل و أصبحت أسطورة أن تجد واحدا يقرأ كتابا و نحن أمة "اقرأ" فكيف أحزن. و عندما يستشرى الانحطاط الأخلاقى فى كل مكان ، هنا أرجوك دعنى أبكى و ليس فقط أحزن .

و نسينا أن الدين الاسلامى كان أساس تسويقه و نشره هى أخلاق الصحابة و المسلمين الفاهمين لدينهم . فاذا رجعت لكتب التاريخ ستجد أن معظم يهود يثرب أسلموا لحسن معاملة الصحابة و أخلاقهم، حيث كان الصحابة كلما فعلوا شيئا محمودا ، سألهم اليهود "أيأمركم دينكم بهذا" فيقولوا بلى . و كذلك أهالى بلاد الفتوحات كانوا يدخلون فى الاسلام بسبب أخلاق الفاتحين و فهمهم لدينهم حق الفهم .

نحن كل ما ينقصنا الآن هو فهم ديننا ، و فهم كيف نسوق له بأخلاقنا و أدابنا و معاملتنا ، نحن نريد أن نفيق من غفلتنا ، نريد أن نعلم ما هو الهدف حقا من خلقنا ، لماذا نصلى ، لماذا نصوم ، نريد أن نفهم حقا كيفية التعامل التى نص عليها الإسلام ، و أفكار المواطنة التى انعدمت ، نريد أن نفهم الفرق بين طاعة أولى الأمر و التسليم السلبى لمن يخفق بنا و يقودنا نحو التأخر و الذى يجب الخروج عليه ، نريد أن نتعلم الأداب العامة كالنظافة و خفض الصوت أثناء الحديث و احترام حق الطريق . نعم نحن نريد أن نُبنى و نُربى من جديد .

لذا فعلينا أن نعود و نقرأ تاريخنا لنتعلم و نعلم من كنا ، حتى نستطيع أن نعى الى أين وصلنا و كيف صرنا ، عودوا معى أرجوكم و أنا أولكم لنبدأ معا رحلة كفاح من جديد ، رحلة بناء أمة ، رحلة استعادة ، أقسم لكم أن الطريق سهل و معروف و لكن أإنعدمت الهمم ؟ أإنقطعت الأمال ؟ أضاقت الصدور ؟ أعمت القلوب ؟

و لكن لا ، أعلم و كلى يقين أننا أمة ولادة و سيأتى منكم من يحمل معى على عاتقه مهمة إفاقة هذه الأمة ، و أعلم أيضا أن الله لن يخذلنا أبدا .....

عبدالله شلبى
٢٠١٠/٤/١
١:٣٢ ص

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق