الاثنين، 21 يونيو 2010

الخريطة المهملة (٣)

بعد مقالتى الأخيرة ، انهال علىّ سيل من الايميلات بين مؤيد و معارض ، و لعل جميعها كانت مشتركة فى شئ واحد و هو أن أعود الى رشدى و صوابى و أكف عن الحديث فى هذا الموضوع (الشائك) !!! . أعود لأسير مع السائرين ليس بجوار الجدار و لكن بداخله.

رسالة واحدة كانت من أجلى ، احتوت فقط على بعض النصائح التى جعلتنى أشعر أن هناك من ينقضنى ليرفع من شأنى و يجعلنى أكثر حمية و إقداما على توصيل أفكارى . كانت تلك الرسلة من أخى و أستاذى الشاعر الجميل / عبد الرحمن يوسف.
و كانت من ضمن نصائحه لى أن أوضح بعض الأشياء التى وردت بمقالتى السابقة ، و كما وعدته سأفعل الآن .

>>عندما تحدثت عن الأصوليين كنت أقصد السلفيين .

>> بالنسبة للإخوان أنا أتكلم عن تلك الصورة التى رسخت فى ذهن الألاف بل الملايين ، و هى أنه عندما يصل الإخوان للحكم ، ستعلق المشانق فى الشوارع و يعود زمن الخلافة و هكذا ، فأنا ألوم على الإخوان من الناحية السياسية لأنهم لم يأخذوا بفقه الواقع و لم يفعلوا كما فعل حزب العدالة و الكرامة مثلا ، لم يضعوا أجندة للوسائل المتاحة و أجندة للأهداف ، فى وجهة نظرى أنه ما دام اقترن اسم الإخوان بالإسلام فالغلطة مضاعفة لأن أى سمعة أو تصرف فإنها تقترن بالإسلام و ليس بأشخاص الإخوان (كما فعل أحمد عز فى حديثه على البي بي سي ، عندما شبههم بالحرس الثورى لدى إيران) هذا ما قصدته . ولكن الإخوان كعمل خيرى و اجتماعى لا غبار عليهم فهم حقا أغلبيتهم نماذج يحتذى بها.

>>أما بانسبة للملحدين ، لم أقصد أنهم يحرمون الزنى و لكن جرّب أن تسأل- (و قد فعلت) -أى ملحد هل تقبله على أمك أو ابنتك و استمع لإجابته !!

هذا ما يتعلق بالمقال السابق ، و أشكرك يا أخى العزيز على نصائحك الغالية .

فى مقال اليوم ، أريد أن أكمل سريعا تشريح المجتمع المصرى ليتضح لنا أفكار المحيطين بنا فنستطيع التعامل مع كل تلك الأفكار و دمجها و خلطها حتى نصل الى التغيير الذى نرجوه جميعا .

بعد أن تحدثت عن الإخوان المسلمين و السلفيين ، يتبقى فى المجتمع المصرى فئتين : العلمانيون و العازفون (عن الحياة السياسية) .

أما العلمانيون فكما نعلم جميعا هؤلاء الذين ينادون بفصل الدين عن الدولة . و هذا الفكر قد نشأ فى أوروبا فى أواسط القرن الخامس عشر بعد أن مرت أوروبا بفترة حالكة من الجهل و التخلف فى ظل حكم الكنيسة للشعوب ، و التى عرفت بعصر الظلمات . تم استيراد هذا الفكر من هناك لسببين :

الأول كان للتقليد الأعمى ، بعد أن نجحت أوروبا فى الخروج من عباءة التخلف و الجهل و بدأت الثورة العلمية تجوب معظم بقاعها وعرفت أوروبا مظاهر التقدم والرقى اللذان طالما حُسدت عليهما الدولة الإسلامية . و بعد أن أشرفت الدولة العثمانية على الانهيار بسبب استكانتها و اعتمادها على ما تركه الأجداد من علم فى العصر الأموى و العباسى فكان لا بد من تغيير الفكر السائد أو المسبب للانهيار و الرجوع ، فكان محمد كمال أتاتورك من أول المتبنيين و المطبقين لهذا الفكر .

السبب الثانى للمناداة بالفكر العلمانى ، هم تلك الجماعات التى اشتهرت بالتطرف و الجمود ، فخشى الكثير أن يصل أولئك للحكم ، فكان من الأدعى أن يسوقّوا للفكر العلمانى الذى جعل من أوروبا و أمريكا قبلتين للديمقراطية و المواطنة و التقدم ، حتى لا نعود فى يوم الى عصر الظلمات .

و كان كل يوم يتقدم فيه الغرب خطوة و نعود نحن للوراء أميال ، كانت الأجيال تنشئ منذ نعومة أظافرها مقلدة للغرب فى كل عاداته، و يكون أول الكلام ينطلق من أفواههم حينما ينضجون "العلمانية" ، هؤلاء الأجيال معذورون تماما . لقد ترعروا فى ظل دويلات هزيلة لا تستطيع حتى الاكتفاء الذاتى فى مآكلها، و على الصعيد الأخر يشاهدون الغرب يسيطرون على كل شئ حتى قرارات حكامنا، هذا من جانب . و من الجانب الأخر لم يجد هؤلاء الفتية فى يوم من يعلمهم تاريخهم و يغرس فيهم الفخر بأصولهم و دينهم . و ما هى الا أيام حتى صار الفتية رجالا ثم شيوخا ، و أصبح جل المجتمع السياسى ينادى بالعلمانية .

و أما العازفون عن الحياة السياسية ، أولئك من تعاملوا مع الاستبداد كأنه عيب خلقى، فلا اعتراض على حكم الله !!!
أولئك الذين أُرهبوا بمناظر التعذيب ، و القصص التى تُروى من حين الى آخر عن زبانية جهنم الذين فى المعتقلات و ما يفعلونه بالمعتقلين . أولئك زرعوا فى نفوسهم الخوف حتى يكون هناك مبرر على سكوتهم و ضعفهم . أولئك الذين اشتروا بحريتهم و حرية أبنائهم مفهوم تربية العيال من مأكل و ملبس و بعض التعليم المتخلف ، ففقدوا حريتهم و فقدوا تربية عيالهم . هؤلاء لا يدركون أن صمتهم هو الذى جعل هناك أزمة فى أنابيب البوتاجاز كل شتاء، و صمتهم هو الذى جعل الأسعار تطير الى الأعلى مع كل نهار جديد ، و صمتهم هو الذى جعل أموال ضرائبنا حِلٌّ للمسئولين ، فأصبح علينا الدفع و ليس علينا المطالبة بحقوقنا.

هذه هى فئات المجتمع المصرى من وجهة نظرى ، فكان علىّ تشريحها حتى يتسنى لى بسهولة التفكير فى كيفية دمج أفكارها، لبناء جسد واحد أستطيع أن أطلق عليه "عاصفة التغيير" ....



كيفية دمج الأفكار و بناء الجسد فى المقال القادم و الأخير (لهذه السلسلة) إن شاء الله .....

الأربعاء، 16 يونيو 2010

الخريطة المهملة (٢)

بدأت أكتب و أرصد أحوال هذا الشعب و كيف نبدأ أول طريق التغيير ، تغيير يلد نظاما ناجحا ، نظام يكون نموذجا للعالم أجمع ، نظام لا يشوبه خطأ واحد لأنه ليس من صنع البشر و لكنه أقيم بجهد البشر ....

و كانت أولى تلك الخطوات :

إن الدين الإسلامى يُستخدم الآن ليلعب دور (البعبع) الذى يخشاه الكثيرون ، بل و يُخَوف به الكثيرين ، و قد دأبت القوة الغربية و الصهيونية لدعم ذلك الفكر بكل ما لديها من وسائل و سبل ، و ما حقيقة تفجير برجى التجارة عنكم ببعيد (كتاب ألغاز ٩ /١١ - - إيان هالشيل) ، و تلك القوة الوهمية التى أطلقت من عدم حاملة اسم القاعدة و ما هى الا قاعدة من قواعد الأمريكان فى بلداننا الإسلامية ، و الحقيقة مكشوفة لكل متعقل فمن أين يأتوا بكل هذا الدعم المادى لشراء أحدث الأسلحة ، و لماذا لا يستهدفون الا المدنيين الذين دائما يكونوا مسلمون . و تلك الأكذوبة الواهية التى صُرف عليها الملايين لترسخ صورة الرجل الملتحى و المرأة المتحجبة فى أذهاننا بصورة الإرهاب.

ثانيا نحن نعانى فى داخل بلداننا الإسلامية - وأخص بالذكر مصر - من فئتين خطيرتين على الإسلام و المسلمين ، ألا و هما الأصوليون و الإخوان المسلمون.

لنبدأ بالأصوليون : لقد شاء الله و جمعنى بكثير ممن يطلقوا على أنفسهم أصوليون ، و الحق أن السلف أبرياء من أولئك جميعا . حتى لا أطيل عليكم سأوضح لكم بعض الأفكار الذين يتمتعون باعتناقها :

١ - هم يقولون أنه لا خروج على الحاكم ما دام مسلما ، و إن كان ظالما فلندعوا له بالهداية !!!
(وهذا يبين الاختلاف الواضح بينهم و بين السلف متمثلون فى خطبة تولية أبى بكر الصديق حين قال فيما معناه : إن أصبت أطيعونى و إن أخطأت فقومونى ، و لم يقل فادعوا لى)

٢- يقولون إن الأحكام الشرعية انتهت بإتمام القرآن الكريم و بموت الرسول (صلي الله عليه و سلم) فلا حرام الا ما حرموه و لا حلال الا ما فعلوه .!!!
(الدين لم ينزل الا لتيسير الحياة (إن الله يريد بكم اليسر) ، فكل شئ حلال الا ما حرم الله و رسوله ، و كل شئ مباح الا ما نهى عنه الله و رسوله، و سنجد دائما أن الحرام هو ما لا يتقبله العقل كشرب الخمر أو الزنى .... إلخ ، و لو أنك سألت أى ملحد (وقد فعلت) عن رأيه فى الزنى فسيرفضه لأنها فطرة الله التى فطرنا جميعا عليها . فهم بذلك الإعتقاد غلقوا باب الاجتهاد فى الدين و باب القياس و حرموا كل شئ جديد مع إضافته لقائمة البدع ، لذا فمن الأفضل لهم ألا يركبوا السيارة لأنها بدعة و يستخدموا الحمام الزاجل فى المراسلات لأن الإنترنت بدعة و كل شئ من حولهم الآن بدعة حتى الأسفلت الذى يمشون عليه)

ثم نأتى للفئة الثانية و هم الإخوان المسلمون :

١- هذه الفئة حقيقة تضم العديد من الشخصيات التى تنال الإحترام ، فمنهم كثير من المفكرين و العقلاء و الحكماء ، و لكن أيضا منهم المتاجرون بالدين ففى انتخابت مجلس الشعب وجدتهم يقولون أمام لجنة الانتخاب "اعطى صوتك لنائب الإخوان ، و اضمن مقعدك فى الجنة " ، بنفس معني (قعدنى فى البرلمان ، اقعدك فى الجنة ) و كأننا عدنا الى عصر الظلمات نبيع للشعب صكوك الغفران و بالتالى نبيع لهم الجنة !!

٢- لم نجد يوما على مر التاريخ تفاعل و مشاركة من جانب جماعة الإخوان المسلمون لحدث ما يهتم به الشارع المصرى حتى فى قيام ثورة يوليو (راجع : صفحات مجهولة -- محمد أنور السادات) ، اللهم الا انضمامهم للجمعية الوطنية للتغيير فى الوقت الحالى ، و لم نرى الى الآن نتائج انضمامهم !!

٣- لم نرى من جماعة الإخوان أى من أفكارهم تجاه حكم الدولة بالشريعة الاسلامية كما يرددون ، لا هم أقاموا حكومة ظل و لا أقاموا حزبا و لا صرحوا أبدا بأفكار ، اللهم الا إن كانوا يريدون أن يعودوا بنا الى عصر الخلافة و يكون نسل المرشد هو المنوط له بالحكم أبد الدهر !!

يجتمع بعض من الإخوان مع الأصوليون على فكرة أن الدين نقل و ليس عقل ، و لكن الدين نقل و عقل فإذا كنت تصلى و لا تعرف لماذا فلن تذوق يوما طعم الصلاة و ستتحول الى عادة دون المرور على مرحلة العبادة و كذلك فى الصوم و الحج و الجهاد و كل نواحى الدين . و إذا كان الدين يقتصر على النقل فأين نصيب أيات التفكر و التعقل التى نزلها الله فى كتابه من فكرهم ؟

٤- يدعوا دائما القطبين أن نحكم بالقرآن بلادنا ، و لكن القرآن لا يضع الدساتير و الفصول و البنود، و لكنه أسمى من ذلك بكثير ، فهو يضع الخطوط العريضة التى نتحرك من خلالها و لا نخالفها و لكن يترك الله و رسوله لنا وضع الفرعيات و الخطط و النقاط و كما قال الرسول صلى الله عليه و سلم (أنتم أعلم بأمور دنياكم) ، فنحن نفتقد الى العلماء الذين يجتهدون و يساعدوننا فى اقتباس العلوم من القرآن لتكون منهجا لنا و حجة بين أيدينا.

سيتحد ذلك القطبين و سيبذلوا قصارى جهدهم لإجهاض أى محاولة من فريق آخر للتسلح بعلوم القرآن و محاولة إحياء الشريعة الإسلامية و منهجيتها و وضع الإسلام فى قالب علمى يخاطب العقل و يكون قادر لمحاجاة أى علمانى أو ملحد، على أساس أنهم أولى بها ، و أن الدين نقل و ليس عقل .

و لذلك دائما أخشى أن تكون أولى النيران تُفتح فى وجه تلك النهضة و الفكرة نيران صديقة .


و للحديث بقية فى العدد القادم إن شاء الله


الاثنين، 14 يونيو 2010

الخريطة المهملة (١)

أرهقت .....
نعم ، أرهقت جدا من التفكير ، وجدتنى حزين و مهموم حتى بدأت أشعر أن قضية التغيير و زوال هذا الحكم الفاشل مسألة شخصية. أوراق كثيرة ملأت المكتب أمامى ، خطط ، خطوات ، بيانات ، شعارات ، تحيط بى حتى شعرت أن عقلى غير مستعد للتفكير أكثر من ذلك.

ارتميت فى أحضان كتبى المفضلة ثانية ، المسموع منها و المقروء ، كنت أحاول أن أريح عقلى من التفكير و أحاول أن أقنع نفسى أنها قضية شعب بأسره . ولكنه بكل حماس و حمية رفض و عاد يفكر من جديد و يبحث بين الكلمات التى أقرأها عن حل نبدأ منه.

كنت حينها أقرأ عن أحوال الجزيرة العربية قبل الإسلام، و يا لها من جاهلية و قبلية و مع ذلك كان هناك سمو و رقى فى الأخلاق لم يتوافر فى شعب سواهم . ثم انتقلت الى أحوال العرب بعد دخول الإسلام و كيف زادت أخلاقهم و معاملاتهم رقيا على رقيهم .

عجبت حقا من أمة تخرج من بين طيات الصحارى لتقود العالم بأسره ، بل و يعلو شأنهم على ملوك كانوا يفعلون لهم ألف حساب ، و مَن هؤلاء البشر الذين يفتحون الحصون و يراق دمهم فى أحيان أخرى فقط لينشروا حكم الله فى الأرض ؟، و ليس كما يدعى البعض أن الإسلام نشر بحد السيف . أناس كان شعارهم " إن الله ابتعثنا لنخرج العباد من عبادة العباد ، الى عبادة رب العباد ، و من جور الأديان الى عدل الإسلام " . أناس لم يفرضوا دينهم على أحد ، و لكن فرضوا العدل على كل أحد .

غلقت الكتاب ، و عدت لأجلس بين خططى و أوراقى و أرائى ، ثم أخذت ورقة بيضاء و جلست أفكر ، كيف نحن تائهون هكذا و بين أيدينا دستور خالق الأرض ؟ ، لماذا نبحث عن نظام شيوعى أو علمانى أو ديمقراطى من صنع البشر و لا نبحث فى كلام الله حتى نحكم بما هو أصلح لنا ؟ لماذا لا نؤمن بالآية الكريمة " إن الله يريد بكم اليسر و لا يريد بكم العسر " ، و نشعر أن أكبر مشكلة فى حياتنا هى كيف نعيش حياتنا ، الى متى سنظل ننظر الى ماضينا و نحن نأسى على حالنا ، و نتنهد و فى أحوال أخرى ينسدل الدمع من أعيننا .

شعرت حقا أننا مجموعة من التائهين فى الصحراء و معنا الخريطة ، و لكننا مُصّرين على أن نستعمل عقولنا فى الرجوع الى الطريق !!!!

حقا لقد ظلمنا الإسلام بأننا مسلمون ، لأن معنا أنجح و أسهل دليل لإنجاح و تثبيت عملية التغيير و لكن يحملها محاميون فاشلون ، يصرون على استخدام براعتهم و خبراتهم السابقة مع عدم قراءة حيثيات القضية التى بين أيديهم ، لذلك فى كل مرة نفشل .

لماذا نسينا مقولة عمر بن الخطاب الخالدة " كنا نحن العرب أذل الناس حتى أعزنا الله بالإسلام ، فمهما ابتغينا العز فى غيره أذلنا الله" .

بدأت أكتب و أرصد أحوال هذا الشعب و كيف نبدأ أول طريق التغيير ، تغيير يلد نظاما ناجحا ، نظام يكون نموذجا للعالم أجمع ، نظام لا يشوبه خطأ واحد لأنه ليس من صنع البشر و لكنه أقيم بجهد البشر ....

و كانت أولى تلك الخطوات :





البقية فى العدد القادم ان شاء الله