الجمعة، 2 ديسمبر 2011

فاصل مع التفاؤل

"الثورة مستمرة، مغيرة و فاعلة". هكذا جاءت نتيجة المرحلة الأولي للانتخابات البرلمانية، التى باتت أروع و أقوي انتخابات تعرفها مصر منذ أن عرفنا الانتخابات أصلا.

جاءت الانتخابات لأول مرة في التاريخ الحديث تبشر أننا سنرى تمثيلا حقيقيا و واقعيا للشارع المصرى فى البرلمان. و هذا إن دل على شئ يدل على أننا فى غضون عقد من الزمان سنصبح مجتمعا حقيقيا متناغما مما يؤهله للتقدم.
سأوضح كلامى: لقد كانت المشكلة الأصعب فى مصر، أننا كنا نعيش مثل الجزر المتفرقة فى النهر الواحد؛ و كل جزيرة تحوي على سكان ذو مرجعية فكرية معينة، و توحدهم طريقة التفكير و آلية التنفيذ؛ و لكن كل جزيرة تخشى و ترتعد من أهل الجزيرة المجاورة. فالإخوان يخشون الليبراليين و العكس صحيح، و الاثنان يخشون السلفيين و العكس أيضا صحيح و هكذا مع كل جزيرة لها معتقدات معينة حتي تلك الجزيرة التي تسمي ب جزيرة "عشاق الاستقرار". و كان ذلك هو مخطط مبارك ليستحوذ على الحكم لوحده، فصرنا فزاعات لبعضنا البعض، حتى عندما ثورنا عليه و خلعناه من الحكم ارتمينا في أحضان مجلسه العسكري خشية أن يحكمنا أي من سكان الجزر الأخرى.

هذا العرس الديمقراطى الذى تشهده مصر حاليا، سيخلق لنا المساحة التى تتصارع فيها كل تلك التيارات الفكرية المختلفة و حينها نطبق تطوير نظرية داروين "البقاء للأصلح". و سيتاح لنا الفرصة أن نفهم و نستوعب أفكارنا المختلفة التى لا نعلم عنها غير قشرة القشور. فكثير لا يعرف عن فكر السلفيين الا تشددهم بالمظاهر و تعنتهم في مسائل النقاب و الجلباب، و آخرون لا يعرفون عن الليبراليين شئ غير أنهم دعاة للتتحرر من كل قيد حتي الملابس و الأخلاق، و كثيرون لا يعرفون عن الاخوان شئ الا أنهم سيحولون مصر لإيران جديدة. و لكن هذا التصارع و التصادم الفكرى سينتج عنه مجتمع يعي و يستوعب جميع طوائفه، و سيفرز أيضا أفكار جديدة توحدنا و تجمعنا و تعطينا الفرصة لتجديد و تعديل أفكارنا، و بذلك سيزيد التوافق و يزول الخوف من الاختلاف.

ما يسعدنى أيضا أننا الآن، بدأنا فى تضييق الخناق على المجلس العسكرى، فشرعنا نلاعبه سياسة و ثورة في آن واحد، و إن أتممنا خطواتنا هكذا لن يجد أمامه مفر ليسلم السلطة و يصبح كأى دولة حرة ديمقراطية متقدمة، ما هو الا شريك في القرارات الاستراتيجية و ليس برقيب أو بحاكم خلف الأستار. و لكن علينا ألا نفقد أى ذراع لنا و على الثورة أن تستمر فى الشارع و السياسة فى البرلمان، و تذكروا دوما أن يد واحدة لا تصفق !!!

عبدالله شلبى
الجمعة ٢ ديسمبر ٢٠١١
٦:٥٤ مساءا

الخميس، 10 نوفمبر 2011

غثيان من الهذيان

أولا أبدى اعتذارى لنفسى أولا ثم لقارئي العزيز، لانقطاعى المفاجئ عن الكتابة رغم ذلك السيل من الرسائل التي وصلتني. لكن كانت الأحداث متعاقبة و الحمدلله كانت معظمها -ان لم تكن جميعها- تثير القلق و الحزن. و لأنك ان كنت لا تعلم فتلك مصيبة، و ان كنت نعلم فالمصيبة أكبر، فكانت دوما مصائب سوء ادارة المجلس العسكرى تهطل على لتلكمني و تقيدنى حتى عن الصراخ بينى و بين نفسى. اليوم سستكون تلك التدوينة هي تجميعة لتدوينات قصيرة، مواضيع تشغلنى و تحتل جزء كبير من تفكيرى، فاعذرنى ان أطلت عليك :) ..

١- الحمل الكاذب:
مر على ما أسموها الثورة المصرية ١٠ أشهر الآن، نعم فما وجه الغرابة ؟ هم أسموها بالثورة ، و لكنها في حقيقة الأمر انتفاضة شعبية أو فورة، لقد وضحت تلك الكلمات فى أكثر من لقاء، و قلت أن الثورة تقوم بأهداف واضحة المعالم تغير كل شئ بخطوات ثابتة و قيادة ناجحة، لكن الانتفاضات تقوم متأججة بغضب الجماهير لتسقط طاغية ما ثم تهدأ و تعود لبيوتها مقتنعة بانجازها.
لذلك لم و لن تولد لنا مصر جديدة لأن الشعب حتي هذه اللحظة لم يقم بثورة و لكنه فقط نفّسَ عن غضبه و انتفض.

٢- العدالة و الندالة:
"ان الله يقيم الدولة العادلة و لو كانت كافرة، و يهدم الدولة الظالمة و لو كانت مؤمنة". جملة حفظناها من يوم أن ولدنا، و لكننا نصر أن نطبق الشطر الثاني من الجملة. فإن من رواسخ العدل هى سرعة نصرة المظلوم و الاقتصاص من الجانى، و تلك هى أهم خطوة لدرء المفسدة عن المجتمع . و عندما و صف الله نفسه بالعدل اقترن ذلك الوصف بقوله فى الآية الكريمة "ان الله سريع الحساب". لكننا هنا فى مصر يموت الجانى و المجنى عليه و مازالت القضية أمام المحكمة لذا لا تجد أحد يعبأ حقا و لا يهتم بكلمة القانون، بل عندما تريد أن تظلم أحدا و تفلت بفعلتك تقول له بكل بجاحة "خلينا نخش قدام بعض فى المحاكم و وريني هتطول مني ايه؟!". و ذلك ما حدث فعلا عندما طالب الشعب أن يحاكم رؤوس النظام و قتلة الشهداء أمام المحكمة، فتم تأجيل القضية الي يوم القيامة ليحكم الله فيها و يعطى كل ذى حق حقه.
ثم طل علينا من جبعة العسكر ضيفة ثقيلة الظل لا تعرف المثل القائل "يا بخت من زار و غار"، ألا و هي المحاكم العسكرية.

الخميس، 6 أكتوبر 2011

ندوة فى النقل العام

قررت اليوم أن أترك سيارتى و أستقل أى وسيلة مواصلات، بعدما عانيت أمس من القيادة فى شوارع العاصمة و ظللت أقاتل أربع ساعات و ربع الساعة متوصلة لأصل الى وسط البلد و كان مكان اقلاعي السادس من أكتوبر.
كانت هذه المرة الأولي منذ شهور أن أستقل أي وسيلة مواصلات عامة، فغالبا حين أترك سيارتي أعتمد على قدماى كنوع من الرياضة و من السرعة أيضا.

بدأت رحلتي مقررا أن أستقل وسائل نقل جماعية، و يبدو أنني كنت مفتقد لهذا الشعب فعلا، فالشعب المصرى فى وسائل المواصلات من أكثر الشعوب اجتماعيا علي وجه الأرض، فلك أن تفتتح مع أى أحد حديث لا ينتهي الا بنزول أحد أطرافه.
صعدت الي أحد الأوتوبيسات العامة و لكن كان من نوع "المينى باص". كنت واضعا سماعات (الآى بود) فى أذناى و اكتفيت فقط بتفقد ملامح مَن حولى فى محاولة لقراءة وجوههم. كنت متأخرا جدا عن موعدى و كان الطريق لا يتحرك أصلا، فنزلت و استقللت قدماى من جديد حتى وصلت لمحطة المترو و لحقت بموعدى.
فى طريق العودة عاتبت نفسى قليلا كيف لم أستغل فرصة الزحام فى فتح حوارات و أحاديث و معرفة الى أين وصل التفكير فى الشارع المصرى، بدأت أعد نفسى لحوار مطول سأفتحه مع أول واحد سأقابله فى الأوتوبيس.

بالفعل صعدت لأول أوتوبيس قرأت عليه منطقتى و كان موديله جديد يحما رقم خط ٩٧٧، ثم ابتسمت لكل الركاب، فبدأت نظرات الاستغراب و الاستهجان تعلو وجوههم بعض الشئ، فما الذي يدعوك للابتسام ؟! طرق مقتظة ، جو ملئ بالعوادم، أوتوبيس مزدحم !!!
تمركزت فى منتصف الأوتوبيس بالضبط، ممسكا بالعمود، ثم قلت فى ثقة و صوت عالى بعض الشئ: "هانت هانت ، بكرة توحشنا الزحمة دى و تبقى ذكريات"، فوجدت حالة غريبة من الانتباه نحوى، و علامات الاستغراب و الاستهجان أضيف لهما ملامح أمل و تمنى؛ فأتبعتها بجملة أكثر وضوحا فى الصوت ناظرا فى أعين معظم من انتبهوا الىّ: "الصعب خلاص و شيلناه، و احنا حالفين لنخلى العالم كله يتمنى هو اللى يجى مصر و يتفرج على جمالها، مش احنا اللى يكون كل حلمنا نهاجرلهم". فأتى صوت من آخر الأوتوبيس يقول: "مالك واثق أوى كده من اللى بتقوله، قلتولنا اعملوا ثورة و عملنا و مفيش حاجة اتغيرت، ما ترحمونا بقى!!". عادت عيون تنظر نحوى منتظرة الرد و أخرى يئست فانطلقت تتفرج من الشبابيك. فقلت بصوت أعلى: "اللى مخليني واثق أوى كده اني واثق فيكم انتم، قلنالكم اعملوا ثورة و شيلوا الديكتاتور، عملتوها و قدرتوا مع ان زمان كان ده من رابع المستحيلات، و لما هنيجي نقولكم يلا نبنيها برضه هتبنوها مع انكم فاكرين انه من رابع المستحيلات ان احنا نقدر" .

رأيت الابتسامات تعلو بعض الوجوه، و أخرى لمحت الأعين تلمع، فضمنت أنني أسير على الدرب الصحيح، ثم أتت سيدة فى العقد الرابع من عمرها، تزاحم الوقوف حتى وصلت الى، و قالت "حلو، ما عشان نبنيها، الشباب بقى لازم تهدى عشان البلد تستقر" فنظرت لها مبتسما و قلت" لو البلد استقرت يبقى مفيش بناء خلاص عشان احنا يدوب هدمناها، فهنستقر فى مرحلة الهدم" فسألنى شيخ بجوارى "و انت فاكر المجلس هيسيبك تبنيها على كيفك" فجاوبته "طبعا لأ، عشان دى بلدنا كلنا مش بلدى أنا لوحدى، لكن المجلس ميقدرش يمنعنا ان احنا نبنيها على مزاجنا كلنا". فقام شاب و قال "مجلس ايه يا اخواننا اللي بتتكلموا عنه، هو مبارك كان هيسلمه السلطة، غير لو عارف انه هيمسك البلد زي ما هو كان عايز بالظبط، و بعدين طنطاوى ده مش صاحبه من أربعين سنة، يعني كربونة منه فى كل حاجة".

قال موظف التذاكر: "بص يا دكتور - لا تسألني من أين يعلمون مهنتي!!! - أنا مش هخبى عليك أنا أول ما قالوا فيه ثورة يوم ٢٥ قلت الشباب اتهبل، و لما سمعت عن يوم ٢٨ قلت لأ ده وباء هبل و ماشى فى الشعب، لكن لما لقيت الموضوع قالب بجد و ان الناس حالفة تاخد حقها اتشجعت و نزلت. فقاطعته "و ايه اللى نزلك" فقال " لما يبقى مرتبى ٦٨٦ جنيه و مرتب مراتي ٦٠٠ جنيه و عندى عيلين، و مضطر أخش جمعيات بتلت المرتب عشان أكمل الشهر و منشحتش، و عايشين يدوب على قد الحال جدا و أسمع ان فلوسنا العصابة نهباها كلها، يبقي لازم أنزل عشان رزق ولادى، يا دكتور لو احنا دلوقتي عايشين، عيالنا مش هيلاقوا اللي يعيشوا بيه أصلا. سَكتُ قليلا أتأمل وجوه الركاب، فوجدتها سابحة سارحة في كلام الرجل. ثم قام رجل عجوز من مقعده، و جذبني فى آخر الأوتوبيس و حاول تنظيم الناس ليقفوا جميعا فى مواجهتي.

لم أكن أفهم ماذا يريد أو ما الذى يقدم عليه بالضبط، و لكن وجدت نفسى في موقف لا أحسد عليه، عيون الركاب جميعا مصوبة نحوى حتي السائق ينظر الىّ فى المرآة، و كلهم ينتظرون أن أفتح فمي بالكلام. مررت على وجوههم لأتفحصهم سريعا من جديد، ثم انطلقت صارخا فيهم فجأة: "انتوا واثقين ان احنا نقدر نكون أحسن دولة ولا لأ ؟؟ " فوجدت الصمت يخيم عليهم و تخشبوا كأن على رؤوسهم الطير. فزعقت مرة أخرى "عايز اجابة واثقين ولا أنزل ؟!" فبدأت أسمع تمتمات "ان شاء الله ، أملنا فى ربنا كبير، آه واثقين ، يا معين .... الخ" ثم صاح واحد من أول الأوتوبيس "يا باشا قولنا نعمل ايه، احنا عاوزين حلول احنا شبعنا كلام" فقلت له في حزم "أنتم الحلول، لو فضلنا مستنين زعيم أو نبى أو واحد يأخد بايدينا هنفضل طول عمرنا زى ما احنا، ايه المشكلة ان احنا اللى نحل كل مشاكلنا و هنروح بعيد ليه احنا بقالنا تلت ساعة واقفين مكاننا متحركناش، مين فينا منفسوش تتحل أزمة المرور اللى مطلعة عينينا كل يوم، قولولى نحلها ازاى؟"

وجدت حالة غريبة و هالة أغرب على وجوههم الكل كان ينظر لبعضه البعض و يفكر في استغراب ثم نطقت بنت قائلة "أنا ممكن أخد من بيتنا لغاية الجامعة مشي و معظم مشاويري ممكن أروحها مشى، بس مفيش رصيف أمشي عليه"
و قال شاب آخر "أنا كان طول عمرى نفسى ألف شوارع مصر بالعجلة و لكن زى ما انتوا شايفين مفيش مكان أصلا أعرف أمشى فيه بيها". قالت سيدة "يعني ايه عربية الاسعاف اللي ورانا دي كل ده بتحاول توصل للعيان ده زمانه شبع موت". و قال رجل عجوز "ولاد ال *** بتوع الميكروباص لو يأخدولهم بس جنب و هم بيركّبوا أو بينزّلوا حد مكناش وقفنا لكن دول ماشيين كأنه شارع أبوهم". قال موظف التذاكر "دلوقتي حضرتك مبسوط عشان الأوتوبيس لسه جديد بس و الكراسى نضيفة، لكن تعالي شوف كمان شهرين تلاتة لما يُستخدم شوية الجلد بيتقطع من كتر الاستخدام، ليه متبقاش الكراسى كلها بلاستيك متين و خلاص ؟!" . قالت سيدة أخرى "أنا و جوزى عشنا فى السعودية فترة، الجو هناك قريب من هنا لكن كل الأوتوبيسات مكيفة، هنا الأوتوبيس بنركبه بالعافية و بيكون زحمة و حر، عذاب كل يوم لازم ندوقه، يرضي مين بس ده". تدخلت فى الحديث قائل "أنا كنت فى تركيا من شهرين، و علي فكرة هى مش فارقة كتير عن القاهرة نفس الشوارع الضيقة و العدد الكبير، لكن هناك فى ترماي واصل فى كل حتة ، و المواصلات هناك غالية شوية بس نضيفة جدا فمعظم الناس بتستغنى عن عربياتها و تركب المواصلات ، و كمان المترو و الترماى مفيش زحمة قدامهم فالوصول سريع".

اقترب مكان نزولى ، فقلت "شفتوا بقى احنا بنطلع كام حل واحنا مع بعض". فصاح أحدهم "لكن مين بيسمعنا من البهوات اللى فوق" فقلت له "معادش فيه بهوات فوق، و أى واحد فيهم مش عارف يحل مشاكلنا لازم نمشيه، احنا اللي فوق، دول مكانوش هيبقوا فوق لولانا، زى ما طلعناهم زى ما نقدر نشيلهم، دول بيشتغلوا عندنا و احنا اللي دافعين مرتباتهم من جيوبنا" فقال شاب "و الله احنا نقدر نكمل طول ما احنا بنشغل دماغنا كده، مجلس مين اللي يقدر علينا ده احنا نشيله لآخر لواء مش كفاية اللي عملينه فى جيشنا و ساكتينلهم ، فابتسمت و سألته " وانت عرفت منين" فضحك ساخرا و قال " أنا أخويا ضابط فى الجيش !!" . قام الرجل العجوز من مكانه ثانية و قال "يا ابني احنا بس محتاجين حد يعرفنا راسنا من رجلينا، حد يحسسنا ان دم الشباب دول مبيروحش هدر، فللأسف دمعت عيني و قلت له "أقسملك دمهم فى رقبتي" فزعقت السيدة بجوارى "لأ رقبتنا كلنا".

و نزلت بعدها في محطتى، بعد أن تعلمت أن أمتع شئ في الدنيا هو الالتحام مع الشعب، و أن هذا الشعب من المستحيل ان شاء الله أن تضييع ثورته.

عبدالله شلبى
الأربعاء ٥ أكتوبر ٢٠١١
٩:٣٠ مساءا













الجمعة، 30 سبتمبر 2011

الزعيموفيليا

أربعة مرات، تم تأجيل كتابة هذا المقال، فى كل مرة كنت حين أستجمع نقاط ما سأكتب عنه أصاب بارتفاع شديد فى ضغط الدم؛ لدرجة أننى فى المحاولة الأولى للكتابة و من شدة ارتفاع ضغط دمى، انطلقت الدماء من أنفى تتساقط علي لوحة المفاتيح فى مشهد غريب أوضح لى شدة تأثرى بالحدث.

جاء أردوغان الى مصر الثورة، و كان يعلم أن مصر الثورة تختلف كثيرا عن مصر التى عرفها العالم لعقود طويلة. فالشعب صنع ثورته، و قاتل و اقتنص كرامته و ها هو يوما بعد يوم يعلى و يثبت كلمته. أتى أردوغان مستشعرا رهبة و قدسية الميدان التى غيرت حتى رائحة الجو فى مصر الثورة. كنت فرحا لمجيئ واحد من صناع الحضارات الحديثة لمصرنا و هو يشعر بكبر هذا البلد و شعبه، و جعلنى أستشعر العزة رغم تأخرنا لسنوات عن تركيا.

جاء اليوم التى وطأت فيه قدمى أردوغان القاهرة، و بدأت الأنباء تأتينى صادمة كل ساعتين تقريبا. أولا اتصال من احدى الصديقات تسألنى هل مررت من على كوبرى أكتوبر اليوم؟ فتساءلت مستنكرا: و لماذا؟ فقالت لى أن هناك اعلانات ضخمة موضوعة عليه مرحبة بقدوم "الزعيم" رجب أردوغان !!، فقلت لها يمكن أن يكون ترحيب ديبلوماسى و لكن فرط العقد منهم بعض الشئ. ثم ما لبثت الا بضع ساعات حتى تناقلت الأخبار أن وفدا من جماعة الاخوان يستقبلون أردوغان فى المطار بالأعلام التركية و المصرية !!!! . بدأت أقول فى نفسى يبدو أن المازوخية فى هذه الجماعة أصبحت عقيدة أكثر من أنها مرض، فما الذى يجعلهم يتشدقون الى أن يكونوا أتباع و يبحثون عن زعيم فى وقت الشعب فيه هو الزعيم أصلا.
ساعات قليلة و كان موعد خطابه فى دار الأوبرا المصرية، و فى خطابه غلقت شوارع القاهرة من شدة الازدحام بسبب أشخاص يقفون أمام الأوبرا يهتفون بحياة أردوغان، و يتراقصون تحت الأعلام التركية. ثم جاءنى اتصال من أحد الحضور يسخر مما حدث عند دخول أردوغان القاعة، فقام فريق يكبر "الله أكبر و لله الحمد" و فريق آخر يهتف" بالروح و الدم نفديك يا أردوغان".

كل تلك الأنباء تتوالى على و شريط يوم ٢٨ يناير يمر أمام عينى، لقد نزلت و شاركت في هذه الثورة لأن لم يكن لها زعيم، نزلت لأؤكد أن الشعب هو الزعيم و هو السيد. هل كنت سأموت فى تلك اليوم من أجل شعب يتلذذ بالعبودية ؟!! ، هل تلك الرصاصة التى مرت بجوارى أمام قسم الأزبكية كادت أن تستقر فى جسدى من أجل أناس أسقطوا ديكتاتورا فذهبوا ليستعيروا زعيما من دولة أخرى؟! . ما أشبه اليوم بالبارحة؟ ، عندما ثار الشعب المصرى على خورشيد باشا ذلك الديكتاتور المتعجرف، ثم ذهب الأعيان و على رأسهم على مبارك ليبايعوا الألبانى محمد على باشا ليحكم مصر !!! فهل جينات العبودية نتوارثها هى الأخرى ؟!!

أرسل لى بعض الأصدقاء فى نفس اليوم - المصائب لا تأتى فرادي - أغنية تدعى "مطلوب زعيم" فاستمعت اليها أول مرة  فأعجبتنى الكلمات، ثم عدتها مرة أخرى فجن جنونى، و عندما رأيت عدد من شاهدوها و شاركوها لم أصدق تماما ... فكيف لشاب لم يبلغ من العمر ثلاثون عاما يخرج علينا ليغني طالبا زعيم!! ثم شباب من محتلف الأعمار يؤيدون الرأى و يشاركونه مطلبه !!!

أيها الشعب، عليك أن تعلم أنك الآن فى موقع يحسدك عليه كل الشعوب، أنت الآن أعلنت و تؤكد كل يوم أنك أنت الزعيم، نحن الآن أول دولة فى العالم بها ٨٠ مليون زعيم، لقد أبهرت العالم بدرجة وعيك و قوة ادراكك أن الشعب هو السيد و هو الحكم، و أن الشعب هو الفاعل و لن يكون مفعول به، فإياك أن ترتكن للراحة و الاستسهال و تُنصّب بيدك من يتحكم فى مصيرك و قوت يومك، اياك أن تطالب فى يوم بزعيم يستأسرك ليُصيّر مصالحك على هواه، و يغتر في نفسه و يعتقد أنه ملهم. كن أنت دوما فى الريادة و اجعل كل من فى الحكم يعملون وفق مخططاتك أنت و توجيهاتك لهم، فانهم فقط يديرون هذا الوطن الذي تملكه أنت، و أنهم جميعا يعملون من أجل راحتك و اسعادك، و إن لم يؤدوا واجبهم فاطردهم شر طردة غير أسفا على أى منهم.

أيها الشعب نحن الآن لا نحتاج الا لأن نرسم النظام الذى سنعيش به فى مصرنا الجديدة و لذلك مع كل احترامى لمؤلف أغنية "مطلوب زعيم" لقد أعدت كتابة الأغنية و لكن جعلت اسمها "مطلوب نظام"


مطلوب نظاملشعب طول عمره عظيم
لشعب كان فاعل زمان لكنه هانحتي إنه ثار
بإيدين كبار وإيدين صغار
مفعول بيه بيقسموه ويفرقوه
ويقطعو في عين اللي جابه واللي جاب أبوه
عشان يموتأو ينتهي
مطلوب نظاملشعب حكامه خانوه
وتوهوه وغيبوه واللي انتبه منه وفاق غموله عينه وكمموه
وسلموه في المعتقللكلاب جعانة يقطعوه
لكنه رغم القهر قام زأر وزام
وفي أسبوعين زلزل حصون الجلادين هد السجون
فوق راس جميع المفسدين
مطلوب نظاميحمي الحقوق
يعدل ما بين الناس تمام زي الفاروق
ويكون حنين علي الفقير
وعلي اللي فاسد يفتري
يهدم علي دماغه الشقوق
ويعلقوه في المشنقةأو يرفعوه علي راس خازوق
مطلوب نظامميقولش علي الخواف حكيم
ويكون كمان سمعه سليم يسمع لنبضة قلبنا
ويكون مكانه في وسطنا
ميكونش على قد القصور
والبعض منا للأسف ساكنين قبور
نشرب وناكل كلنا
و نقدر نحقق حلمنا
و ميضعش أبدا حقنا
يسمعلنا ويشور وياخد رأينا
وقت الخطر نتلم نحميه كلنا
ونضحي عشانه بعمرنا
مطلوب نظامعلي كرامتنا يكون أمين
ويكون جرئ ويكون شجاع مش إمعة وحتة بتاع
يعرف يقول للظلم لأ
 ولا يفرط يوم في حق
مطلوب نظام نقدر نحاسبه بالقانون
للاختصارمطلوب وطن
عبدالله شلبى 
٣٠ سبتمبر ٢٠١١
٩:١٢ صباحا

الجمعة، 23 سبتمبر 2011

الشعب يريد الفنكوش

قررت أن أخرج الى الشرفة؛ فالضوضاء صاخبة، و لا أحد يطيق أن يتمهل ليستمع الآخر، الكل له أفكار بديعة و لكن دون أي استعداد أن تتكامل أفكاره و تندمج مع أفكار أى أحد. أصبحنا جميعنا كالماريونيت فى يدى المجلس، الذي أثبت أنه يجهل أصلا معني كلمة السياسة و أصبح يتمرس دور الجاهل فيصيح بعلو صوته يصدر قوانين هنا و فرمانات هناك، و الشعب ينظر اليه في ضجر و لكن يلعنه فى سره (صفات ما قبل ٢٥ يناير)، و أقلية يلعنونه فى وجهه جهارا نهارا بيانا (صفات ما قبل ٢٥ يناير)، و لكن نؤمن جميعا أن القطار غادر الحطة بالفعل و هذا فى حد ذاته بشرة خير، و لكن وجد فى طريقه تفريعة طرق فتوقف حتى ينتهي الركاب من شجارهم و يوحدون قرارهم أي طريق يسلكون.

بدأت في تلك الأجواء أن أستعيد الذكريات و التحضيرات الآخيرة التى نتج عنها تلك الشحنة الهائلة. فوجدت أننا فعلا قد خونّا هذا الشعب العظيم و نستاهل الآن ما نلقاه منه. لقد بتنا منذ ٢٠٠٨ فى شحن الشعب عبر وسائل الاعلام البديلة نحو احتياجاته الشخصية فكنا فى كل فيديو جديد يُرفع على موقع اليوتيوب يتم عرض كل ما نعاني منه من (زبالة، أزمة الخبز، أزمة الأنابيب، العشوائيات، وظلم الشرطة، و فقر الصعيد، و الفساد الادارى، و التوريث، البطالة، حادثى العبارة و قطار الصعيد، و البحث العلمى، .....الخ).

ثم ابتدينا الدعاية للحشد ليوم ٢٥ يناير بنفس تلك اللقطات و لكن انتهت الفيديوهات بشعار (عيش، حرية، عدالة اجتماعية) فوصلت الرسالة بأن كل متطلبات الشعب تتمثل في تلك الثلاث كلمات. فنزل من نزل من الشباب  مرددين جميعنا تلك الكلمات. ثم بعد الاعتداء على المتظاهرين فى منتصف الليل، تسارعت انتاج الفيديوهات بشكل ملحوظ و لكن كانت تنتهى بشعار جديد (الشعب يريد اسقاط النظام)؛ فربط الناس احتياجاتهم بهذا الشعار الجديد. فتدافع مئات الآلاف يهزون الجدران بذلك الهتاف يوم ٢٨ يناير. فاستمر مؤمن أن هذا الطلب يخفى وراء تحقيقه كل أماله و أحلامه فظل متمسكا بهذا الشعار - و لو أننى أكاد أن أجزم أن معنى كلمة "نظام" ظلت و تظل مطموسة على كثير منا مثلها مثل كلمة "الفنكوش" - و بعد أحداث يوم الأربعاء الدامى تم تطوير الشعار الى (الشعب يريد اسقاط الرئيس) فنقل الحالمون أحلامهم و أمالهم الى تلك البوابة الجديدة، و كانت لكثير أوضح و أسهل، و لذلك توالت المليونيات بعد هذا اليوم بأعداد أضخم بكثير، لأن فكرة اسقاط شخص واحد جالس على صندوق الكنوز زادتنا عزيمة و اصرارا. و قام الشعب فى الجمعة المباركة عليه ليخلع اللامبارك، وفعلها.

و انتظر بعدها تحقيق أحلامه و أماله بعد أن فعل كل ما طُلب منه بحذافيره. فأدخلنا المجلس المباركى في صراع الاستفتاء، فالتفتت النخبة الي الشعب ممتعضة تقول له في حزم، لا وقت لدينا لهذه المطالب الفئوية و الدنيوية، و لا صوت يعلو فوق صوت السياسيين !! ، و بدأ تسويق متطلبات الشعب من جديد وراء كلمة نعم أو كلمة لا. فربحت كلمة نعم ، و انتظر الشعب مجددا تحقق مطالبه، و لكن بلا جدوي !!!

توالت الأيام حتى كفر الشعب بكل متحدث بلفظ يدعى "الثورة"، لأنه فعل ما عليه و لم تخدمه تلك التى تدعى "ثورة" بأى شئ اللهم الا أنها أزادت على بلوانا بلوة الانفلات الأمنى. و يحدثنا هنا المحارب العبقرى "سون تزو" في كتابه "فن الحرب" قائلا: "اذا أردت أن تكسب جيشا كبيرا فعليك أن تجره الى المعارك الصغيرة التى تستطيع أن تربحها، لأن في ذلك تحفيزا لجنودك فترتفع عزيمتهم و اصرارهم، و انهاك لأعدائك فتحطم نفيستهم".

و هذا ما كان علينا فعله بالضبط؛ يجب أن نعيد حساباتنا، لقد أخرجنا الثورة من عقولنا الى الشوارع، علينا الآن أن ندخلها فى كل البيوت حتى ينزل من فيها اذا احتجنا اليهم، يجب أن يحصل هذا الشعب الآن على أى من مطالبه التى نزل من أجلها حتي يتذوق حلاوة ما صنع، يجب أن يرى كل مصري أن للثورة مغانم ليست فقط سياسية و لكن شخصية بحتة، لقد لعبنا علي مبدأ (الأنا) طوال ٤ سنوات يجب أن نبدأ في اشباع تلك (الأنا) الآن، و لو حتى بمطلب رفع القمامة من كل شبر على أرض مصر.

إن كلمة "النظام" معناها في المعجم اللغوي الشعبي مثلها مثل كلمة "الفنكوش"، و لسوء جهل النخبة السفسطائية السياسية، ظلوا يتعاركون أمام الكاميرات و يرددون، "نحن نريده فنكوشا اسلاميا" ، لا و كلا " الفنكوش سيكون قوميا عربيا"، "الفنكوش سيكون ليبراليا و نقسم على ذلك"،   "ألم يكفيكم فقر ٦٠ ٪ من الشعب؟؟!! اشتراكية الفنكوش واجبة و ثورتنا بنيت على ذلك". و الشعب ينظر لهم و يسأل، " هو الفنكوش ده لزمته ايه يا دكتور ؟؟، هو فيه فنكوش اسلامى يا شيخنا؟ ".

من وجهة نظرى البسيطة أن أمامنا الآن هدفان أساسيان:
١- أن نعمل جميعا على مطلب واحد يأخذه الشعب الآن من تلك المطالب التى ظللنا نرددها علي مسامعه، حتى نشعر جميعا بأن للثورة مغانم و مكتسبات فنظل جميعنا نحارب صفا واحدا و لا يحيد أحد عن الصف.
٢- يجب أن يُرسم هذا النظام الذى نود أن نعيش فيه من الألف الى الياء بكل تفصيلة فيه، و يتم شرحه و التسويق له سريعا حتى يترسخ فى أذهاننا جميعا، و يكون هذا هو طريقنا مهما تغيرت الحكومات و استولت علي المجالس الأحزاب، و يصبح الشعار الجديد (الشعب يريد هذا النظام)، فاذا وضح لنا الطريق فلن يَفرق زيد عن عبيد عن نطاط الحيط،  حينها سينزل المجلس صاغرا على رغبة الشعب، لأنه لن يستطيع أن يوقف جماح هذا الشعب و يعرقل طموحاته .

دعونا نجر الفنكوش القديم الي معارك صغيرة نربحها و نعيد شعبنا الينا و نعيد ثقتنا فى أنفسنا، فنحن مازلنا و سنظل بإذن الله قادرون على ذلك ......


لن يعيد لمصر شبابها الا شبابها

عبدالله شلبى
الجمعة ٢٣ سبتمبر ٢٠١١
٥:٥٨ مساءا

السبت، 10 سبتمبر 2011

٩/٩ بين النجاح و الاجتياح

٩ سبتمبر يوم جديد سيسجل فى تاريخ الثورة رغم أنف الحاقدين و المتآمرين ، يوم كلله الله بالنجاح و لكن به بعض الوعكات التى أراها من وجهة نظرى تعسير من الله حتى يفتح لنا بعدها يسرا و خيرا كثيرا، فهو الصادق حين قال "ان مع العسر يسرا..ان مع العسر يسرا" .

بدأ الحمدلله اليوم كما تم التنسيق له بالضبط، مسيرات تحشد الناس و توقظهم من سكونهم و لنوصل الثورة بهتافنا داخل بيوت الشعب بالغصب، و حتى لا نغلق كعادتنا على أنفسنا الميدان و نصبح كسرب من الغربان ينعق و لا نسمع الا أنفسنا. انطلقت المسيرات من كل حدب و صوب حاشدة للناس و مفعمة بالأمل، حتي شعرنا أن الأسفلت تحت أقدامنا يرقص فرحانا مستعيدا ذكريات أحداث يناير العظيمة، لقد عدنا للشوارع التى أوصلتنا للميدان و عادت الشوارع لنا.

بدى الميدان فى أول اليوم كخدعة لكل الناظرين اليه، لا يوجد فيه سوى العشرات، بينما الآلاف قادمون عليه يزأرون معلنون عودة الثورة فى شرايين الأحرار، ثم بدأت المسيرات تتوافد على الميدان فى منظر مهيب جعل الميكروفونات تصمت و الكاميرات تثبت ، حتى تخيل الناس أن أرض الميدان تخفى الثوار تحتها و هاهى تنشق عنهم ليظهروا للنور و يملأوا الدنيا بالأمل.

كان اليوم من أحشد الأيام التى شهدتها الثورة، بينما غاب عن اليوم التيار السياسى المتأسلم رافضا المشاركة.
كانت المطالب واضحة و هى :
- استقلال القضاء و الغاء وزارة العدل.
- وقف المحاكمات العسكرية للمدنيين فورا و اعادة النظر فى قضايا المحكوم عليهم عسكريا أمام قاضيهم الطبيعى.
- تطهير الداخلية من جميع قيادات وزيرها السابق حبيب العادلى.

توجهنا في تمام الساعة الخامسة، فى مسيرة ضخمة الى دار القضاء العالى لنهتف طالبين باستقلال القضاء، ثم توجهنا الى السفارة الاسرائيلية فى تمام الساعة السادسة و الربع بعد أن علمنا أن هناك مسيرة أخري توجهت الى هناك بالفعل و أطلقوا عليها "مسيرة الشواكيش".
عندما وصلنا وجدنا أن المسيرة الرمزية تحولت لفعل على أرض الواقع، و قرر الثوار هدم الجدار العازل الذي أقامه المجلس العسكري لتحتمى به سفارة الصهاينة. بدأ التهليل و التكبير بعد سماع أول طرقة للشواكيش علي الجدار ثم بدأت تتحول الأحلام الى حقيقة و النفوس تمتلئ بالعزيمة عند سقوط أول جدار، كنا غير آهبين أى شئ لا عساكر الأمن المركزى و لا مدرعات الجيش و لا حتى عصى الشرطة العسكرية الكهربائية.
بعد أن تساقط معظم الجدار، رأينا ٤ شباب يحاولون التسلق على جدار السفارة الاسرائيلية علي غرار" أحمد الشحات" لينزلوا العلم الاسرائيلى من عليها.. بدأت الأنفاس تُحبس شيئا فشيئا كلما أصبحت أجسادهم معلقة فى الهواء، أثبتوا أن فى مصر وحدها المعجزات تتكرر، و أن مصر ليس بها "رجل عنكبوت" واحد و لكن بها الكثيرون منه.
وصل أحدهم الى سرية العلم، و أنزله من عليها. و رفع علم مصر مكانه ليرفرف فى سماء القاهرة،


الى هنا و كان اليوم مقدوا له بأن يكون أسطوريا بجميع المقاييس، فالمسيرات أتت بثمارها و حشدت أعداد مهولة في تنظيم لم يحدث منذ الأيام الأولى للثورة، وصلت الرسالة عالية و محددة بأوامر الشعب الثائر، أسقطنا جدار الخزى و العار، و تم انزال العلم الصهيوني فى رسالة شديدة اللهجة أننا نرفض كليا و جذريا هذا الكيان السرطانى.

بعد هذا بحوالي ثلاث ساعات و بالتحديد على الساعة العاشرة بدأت تأتى أنباء بمحاولات لاقتحام السفارة الصهيونية، و أنباء عن مناوشات خفيفة أمام سفارة "السعودية" لأن بعض الثوار قد ذهبوا يهتفون أمامها منددين بما لقاه المصريون فى رحلة عمرة رمضان الآخيرة.
ثم جاءت الأخبار بالفعل تم اقتحام مبنى السفارة الصهيونية بل و القاء الأوراق من الشباك!!! توجهت الى هناك مسرعا، لأجد أن الساحة تحولت الي ساحة قتال بالفعل، عشرات المدرعات و ناقلات الجنود تصف فى الطريق، و آلاف العساكر منتشرة في تشكيلات في كل مكان، ثم نظرت الي السماء وجدتها محجوبة بألالف الأوراق التي تتطاير كالعصافير من شباك السفارة!!
بدأ الشك ينتابني بشدة، مَن هؤلاء؟؟؟ و كيف سمح لهم بهذه السذاجة و البساطة الوصول الى داخل السفارة؟ لمصلحة من يفسد هذا اليوم الجميل الأسطورى ؟!!!
أمام عمارة السفارة الصهيونية كوبري يحدها و بينهما ممر، هذا الممر في المعتاد كان به ناقلة جنود و مجنزرة و دوريات ثابتة لتأمين السفارة، فتوجهت الي هناك، فلم أجد منهم نفر !!!! بل وجدت آلاف المواطنون يقفون بدلا منهم فى الممر !!!

لقد وصلتنى الأنباء ليلة التاسع من سبتمبر أن بالفعل تم عقد اتفاق بين أفراد من الداخلية و الشرطة العسكرية و بعض رؤوس البلطجية، و لكن ما فهمته من الكلام أن هؤلاء البلطجية سيهاجموننا نحن، و لما مر أول اليوم بسلام حمدنا الله أن خيب ظنوننا و لم يتجرأ أحد علي المساس بنا.
و لكن بعد قليل بدأت عمليات التراشق بالحجارة بين مجموعة من الأشخاص و جنود الأمن المركزى، و هؤلاء الأشخاص لم يجدى معهم أى حديث أو رجاء، فبدأ بعدها الرد على الحجارة بقنابل الغاز المسيل للدموع، ثم وجدنا حريقا قد نشب فى حديقة الأورمان، اصطحبت صديقى "عمر نصرت" بعد أن وصف الوضع بنظرة ثاقبة قائلا "أهلا بكم فى مدينة البهائم" و انصرفنا لنعود من حيث أتينا.

في الطريق الي السيارة، وجدنا أنفسنا فى صفوف الأمن المركزي نقف بينهم و بجوارهم، فكانت تلك المرة الأولى أن تقف فى هذا الموضع نرى ما يحدث في الجبهة الأخرى، الجدير بالذكر أننا اكتشفنا أن الشرطة كلها لها نظام واحد فى اعطاء الأوامر و هو يمتاز بتتخين الصوت مع الشخط في آن واحد!!! نعم ، بدأت أعطى الأوامر للعساكر بعدم القاء الحجارة علي المتمردين حتى لا يعاودوا قذفهم بها و أن يحتموا وراء دروعهم فقط ، فوجدهم يلبون التعليمات دون أن يسألوا مَن أنا !!!! ثم وجدت ضابط برتبة نقيب يوجه القنابل المسيلة للدموع كقذيفة ليصيب بها أحدهم، و بنفس الأسلوب أعطته أمر بتوجيها لأعلى حتي لا يصيب أحد .. فوجدته أيضا ينفذ الأمر!!! أخذناها كلعبة لبضع الوقت نعطى الأوامر ، يتم تنفيذها بالحرف، نكب فى أنفسنا ضاحكين.

ثم وجدنا بجوارنا نقطة اطفاء الحريق، فتوجهنا لها مسرعين لنبلغهم عن حريق حديقة الأورمان، و لكنهم رفضوا الا فى وجود قوة تحميهم، بحثت بين صفوف أفراد الشرطة عن رتبة كبيرة فوجدت عميد، فقمت بإبلاغه فاستجاب لى و لكنه ذهب دون أن يتخذ أى فعل، لمحنا رقعة النار تزداد فى الحديقة، فلم أجد غير أسلوب المجنون طريق لانقاذ حديقة الخديوى اسماعيل، فصحت بأعلى صوتى أسب فى الشرطة و كل الواقفين بمن فيهم من لواءات و عمداء ثم توجهت للواء منهم و صحت فيه كالمجنون "سأحملك المسؤلية كامله ان لم تأمر حالا بإرسال عربة الاطفاء للحديقة"، وجدت بعض الضباط يلتفون حولي و يحاولون تهدأتى، و يقولون "كل اللى انت عايزه هيحصل بس بالهداوة" فأزيد من وتيرة الجنان حتى يسرعوا، و بالفعل تحركت سيارة الاطفاء و تحركت أنا و مجموعة من الشباب معها لنساعدهم و نؤمنهم اذا واجهوا أى مشاحنات من قبل المتمردون، كسرنا الجنزير الذى وصد به باب الحديقة و الحمدلله تم انقاذها .

أخيرا و ليس آخرا ما حدث ليل التاسع من سبتمبر هو ما تم تحذيرنا منه و هى مواجهة البلطجية، و لكن اليوم كانت مواجهة من نوع خاص بأن تراشقوا معنا فى الصفوف و بدأوا في استفزاز الشرطة، بالطوب و المولوتوف ، و تطور الأمر أن أطلق أحدهم - بينما أنا واقف فى جبهة الشرطة - علينا طلقة خرطوش فأصابتنى في خدى الأيسر و أصابت جندي بجوارى في كتفه.

هذه شهادتي علي هذا اليوم ، و أدعو الثوار الأحرار أن يكملوا مسيراتهم غدا و كل يوم فى أسبوع "سيادة الشعب" ، بنفس السلمية، مبتعدين عن الفخاخ التى تنصب لثورتنا كل يوم، للأسف من الأعداء و الأصدقاء، و نثبت على مطالبنا حتى نقتنصها.

عبدالله شلبى
١٠ سبتمبر ٢٠١١
٣:١٢ صباحا

الأربعاء، 31 أغسطس 2011

بنشيل الطين...و هنشيل الطين !!

ألم أترجاهم أن يغوروا حتى يرحمهم الله ؟
١١٠ كيلو مترا هي المسافة الفاصلة بين بيتى فى الجيزة و دارنا فى المنصورة، مسافة مشقوقة على أخصب و أندر بقعة من بقاع أرض مصر، من الصعب أن أحصر كم مرة قطعت تلك المسافة فى حياتى، و لكن من السهل أن ألاحظ أن معالم الطريق فى أخر ٥ سنوات تتغير كل يوم.

و فى آخر ٦ أشهر تتغير معالم الطريق كل ساعتين تحديدا، لن أسأل منوحا أين المسؤلون، لأن كل المسؤلون و الحمدلله من جيل "الفشل" الذى يتراوح عمره بين ٥٠ و ٧٠ عام. و لن تجد بين طيات السطور حلا، فالحل الوحيد قلته مرات عديدة فى نفس المدونة و هو أن نوقف مهزلة استبداد الأقلية بالأكثرية. فكيف بربك أن يُحكم (٦٥٪) من الشعب متوسط أعمارهم (٣٥ عام) بــ(٣٥٪) متوسط أعمارهم (٥٥ عام) ؟!!

أكتب لك اليوم لأطلعك على الغد القريب، الذى سنعيشه أنا و أنت (ان شاء الله) نعانى و نلعن سلسفيل هذا الجيل من على المنابر. لقد استلمنا من محمد على باشا الكبير- ألف رحمة و نور عليه- ٣،٥ ٪ من مساحة مصر مزروعة خضراء، على تعداد سكانى وقتها تراوح بين ٤،٥ مليون نسمة و ٦ مليون نسمة فى أعلى تقدير، أى ما يوازى فدان لكل مواطن . و تحولت مصر بفضل سياسة حكامنا- لعنهم الله حيث ثقفوا- الى ٢،٨٪ مساحة مزروعة لتطعم نحو ٨٤ مليون مواطن .... أكيد أنا حقا أحتج!!!

و بفضل سياسة -زق يا عم ده شوية و خالعين- التى انتهجها وزراء الثورة و المجلس العسكرى -لا بارك الله لهم و لا عليهم- فسنستلم مصرنا بأعلى تقدير مزروع منها ٢،٤٪ من مساحتها يقتات عليهم نحو ٨٥ مليون نسمة.و من الجدير بالذكر أن المساحة التى تتآكل هى المساحة الوحيدة الخصبة الآن فى مصر و هى القابلة للزراعة و الانتاج، و لكن انطلق كل فلاح فى ظل الهوجة الى تجريف أرضه سريعا حتى يدخل فدانه فى "كردون المبانى" و يكسب هو ملاليم مقابل أن تجوع الملايين!!

نحن الآن نشيل الطين بأيدينا، و لكننا قريبا جدا هنشيله على دماغنا لأننا مش هنلاقى فعلا اللى نأكله... و نعيد مرارا و تكرارا حتى ينطق حمارا: "من لا يملك قوته... لا يملك قراره"

عبدالله شلبى
٣١ أغسطس ٢٠١١
٢:٠٠ مساءا

الأربعاء، 24 أغسطس 2011

العبد الفقير

أسراب من الفقراء، كانت تتدفق علينا بين الحين و الآخر. كنت فى رحلة أو بالأحري مهمة مع مؤسسة "سارة لأعمال الخير" نوزع زكاة المال فى قرى محافظة سوهاج. لم تكن تلك المرة الأولى لأجوب فيها قرى و محافظات مصر الأفقر ، ست سنوات و أنا على هذا الحال.
و لكن كانت تلك المرة، بالطبع لها مذاق مختلف، فهى فى أثناء أحداث الثورة (اللهم أتممها على خير)، و كنت أتوق لمشاهدة تأثير النتائج الأولية على الناس هناك. طبعا قبل أن تسأل أو تتسائل، لم تصل الثورة الى سوهاج بتاتا، اللهم الا الإنفلات الأمنى الذي خيم على المشهد هناك، و أعداد السلاح التى انتشرت هناك حقا لا حصر لها، و تجرؤ الناس علي الأمن حتى أنهم يسيرون حاملين بنادقهم دون أى خشية من الشرطة.
كنا نوزع زكاة المال من احدى البيوت هناك أو من داخل مقار الجمعيات المتعاونون معها، الطريقة منظمة للغاية، فكل مستحقة للزكاة يصلها كارت قبل موعد مجيئنا بأربعة أيام و تأتى لتستلم به مظروفها.
دوما تحدث مشادات بين السيدات المستحقات لتدافعهن على البوابة، النابع من خوفهن أن تنفذ المظاريف قبل أن يأخذوا، و تستمر المحاوات المستميتة لتفهميهن أن المظاريف بعدد الكروت فمن المستحيل أن تنفذ المظاريف طالما كل واحدة تحافظ علي كارتها. و لكن هيهات، ما يلبثن الا دقائق حتى تعودن للمشاجرات، فيبدآ التلويح و التهديد بالانصراف ان لم يهدأن و يجلسن فى أماكنهن.
هنا بدأت رحلتى فى تأمل الموقف، كم التوسلات و الاحترام و طاعة الأمر بعد تهديد يعلمن جيدا أنه مجرد تهديد و لم يحدث أن دخل طور التنفيذ الا فى مرات قليلة جدا.
هل الفقر و الاحتياج يصنعان العبودية؟ هل على قدر حاجتك لشخص أو مادة تزداد نسبة عبوديتك له؟ نحن نعبد الله لأننا فقراء اليه و نحتاج اليه، و كلما زادت مصائبنا زادت حاجتنا اليه و ازددنا عبودية له (أى طاعة و ايمان).
ماذا سيحدث مع هولاء في الانتخابات ،اياك أن تتحفنى بنصائحك الغالية أننا سننطلق الى هناك و نعد مؤتمرات التوعية و الندوات العامة لنغير فكر الناس، و ننعش أذهانهم!!! الناس محتاجة و الحاجة تولد العبودية ، و من لا يملك قوته لا يملك قراره.
الناس هناك لا تحتاج لملئ العقول بل يحتاجون لملئ البطون أولا. مجلس الشعب قادم معروف ملامحه مهما حاولنا أن نداعب خيالنا و نتصوره متناغما متجانسا يضم من أقصى اليمين الى أقصى اليسار، هذا للأسف هراء. نعم المجلس القادم مؤتلف و لكن ائتلاف الأغنياء و القادرين من أباطرة الانتخابات المعروفين و سيكون بالفعل فى هذه الحالة في قمة التناجس (الخطأ مقصود) و التغانم (مقصود أيضا)

عبدالله شلبى
الأربعاء ٢٤ أغسطس ٢٠١١
٧:٣١ صباحا

الثلاثاء، 16 أغسطس 2011

كشف المستور

كنت قد أكاد يصيبنى الجنون، لأننى لم أجد اجابة واحدة شافية صريحة و لا مبرر لماذا يرفض الاخوان و السلفيون ورقة المبادئ الأساسية أو الفوق الدستورية . فعندما تقرأها تجدها من البديهيات جدا أن تكون تلك المواد بين طيات أى دستور ديمقراطى كان أو ديكتاتورى، فلنقرأها معا مجددا حتى تطلع لى ثغرة (يمكن) أننى لم أرها :

أولا: المبادئ الأساسية:

1- جمهورية مصر العربية دولة مدنية ديمقراطية تقوم على المواطنة وسيادة القانون، وتحترم التعددية، وتكفل الحرية والعدل والمساواة، وتكافؤ الفرص لجميع المواطنين دون أى تمييز أو تفرقة، والشعب المصرى جزء من الأمة العربية، يعمل على تحقيق وحدتها الشاملة.

2- الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع، ولغير المسلمين الاحتكام إلى شرائعهم فى أحوالهم الشخصية وشؤونهم الدينية.

3- السيادة للشعب وحده، وهو مصدر السلطات، يمارسها من خلال الاستفتاء والانتخابات النزيهة، تحت الإشراف القضائى، ووفقاً لنظام انتخابى يضمن عدالة التمثيل للمواطنين دون أى تمييز أو إقصاء.

4- النظام السياسى للدولة جمهورى ديمقراطى يقوم على التوازن بين السلطات، والتداول السلمى للسلطة، وتعدد الأحزاب السياسية وإنشائها بالإخطار، شريطة ألا تكون عضويتها على أساس دينى أو جغرافى أو عرقى أو طائفى أو فئوى أو أى مرجعية تتعارض مع الحقوق والحريات الأساسية الواردة فى هذا الإعلان.

5- سيادة القانون أساس الحكم فى الدولة، وتخضع السلطات العامة والأشخاص الاعتبارية العامة والخاصة والمواطنون جميعاً للقانون دون أى تفرقة، واستقلال القضاء ضمانة أساسية لمبدأ خضوع الدولة ومؤسساتها للقانون وتحقيق العدالة للمواطنين جميعاً.

6- يقوم الاقتصاد الوطنى على التنمية الشاملة والمستدامة التى تهدف إلى تحقيق الرفاه الاجتماعى، وتلبية الحاجات الأساسية للمواطنين، وتشجيع الاستثمار، وحماية المنافسة الحرة ومنع الممارسات الاحتكارية الضارة، وحماية المستهلك، وكفالة عدالة توزيع عوائد التنمية على المواطنين، وتلتزم الدولة بحماية الملكية العامة لمرافقها القومية وسائر ثرواتها ومواردها الطبيعية وأراضيها ومقومات تراثها الوطنى المادى والمعنوى.

7- نهر النيل شريان الحياة على أرض مصر الكنانة، وتلتزم الدولة بحسن إدارته وحمياته من التلوث والتعديات، وتعظيم الانتفاع به والحفاظ على حقوق مصر التاريخية فيه.

8- مصر جزء من القارة الأفريقية وتعمل على نهضتها وتحقيق التعاون بين شعوبها وتكامل مصالحها، وهى جزء من العالم الإسلامى تدافع عن قضاياه وتعمل على تعزيز المصالح المشتركة لشعوبه، وتعتز بدورها الأصيل فى الحضارة الإنسانية وتساهم بإيجابية فى تحقيق السلام العالمى وتعزيز مبادئ العدالة وحقوق الإنسان والتعاون بين الدول والشعوب.

9- الدولة وحدها هى التى تنشئ القوات المسلحة، وهى ملك للشعب، ومهمتها حماية أمن الوطن واستقلاله والحفاظ على وحدته وسيادته على كامل أراضيه، ولا يجوز لأى هيئة أو جماعة أو حزب إنشاء تشكيلات عسكرية أو شبه عسكرية.

ثانياً: الحقوق والحريات العامة

10- الكرامة الإنسانية حق أصيل لكل إنسان، وجميع المواطنين المصريين أحرار ومتساوون أمام القانون فى الحقوق والحريات والواجبات العامة، ويحظر التمييز بينهم بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة أو الثروة أو المكانة الاجتماعية أو الآراء السياسية أو الإعاقة أو غير ذلك، ويجوز تقرير بعض المزايا للفئات التى تستدعى الحماية.

11- تكفل الدولة حرية العقيدة، وتضمن حرية ممارسة العبادات والشعائر الدينية، وتحمى دور العبادة.

12- الجنسية المصرية حق أصيل لجميع المواطنين ولا يجوز إسقاط الجنسية أو إبعاد أى مواطن عن البلاد أو منعه من العودة إليها إلا بحكم قضائى مسبب.

13- حرية الرأى والتعبير وحرية الصحافة ووسائل الإعلام مكفولة، بما لا يمس حرمة الحياة الخاصة وحقوق الغير والمقومات الأساسية للمجتمع المصرى، ويحظر فرض الرقابة على وسائل الإعلام أو مصادرتها أو تعطيلها إلا بموجب حكم قضائى مسبب ولمدة محددة.

14- لكل إنسان الحق فى المعرفة وتداول المعلومات ونشرها وحق المشاركة فى الحياة الثقافية والفنية بمختلف أشكالها وتنوع أنشطتها، وتكفل الدولة الحريات الأكاديمية والبحث العلمى والإبداع والابتكار، وتضمن استقلال الجامعات ومراكز البحث العلمى.

15- لكل إنسان الحق فى التمتع بحرمة حياته الخاصة ومراسلاته ومحادثاته الهاتفية واتصالاته الإلكترونية والمعلوماتية وغيرها من وسائل الاتصال، ولا يجوز الاعتداء على حرمتها أو تقييدها أو مصادرتها إلا بأمر قضائى مسبب ولمدة محددة.

16- لكل مواطن حرية الإقامة والتنقل، ولا يجوز القبض عليه أو تفتيشه أو احتجازه أو حبسه أو تقييد حريته الشخصية إلا بأمر قضائى مسبق، ولا جريمة ولا عقوبة إلا بنص فى القانون والمتهم برىء حتى تثبت إدانته فى محاكمة عادلة أمام قاضيه الطبيعى، ولا يجوز محاكمة المدنيين أمام أى قضاء استثنائى أو القضاء العسكرى إلا فى الجرائم النظامية المتصلة بالقوات المسلحة.

17- الملكية الخاصة مصونة، ولا يجوز المساس بها إلا بحكم قضائى ومقابل تعويض عادل، وتساهم الملكية الخاصة مع الملكية العامة والتعاونية فى تنمية الاقتصاد الوطنى.

18- الحق فى العمل مكفول، وتعمل الدولة على توفير فرص العمل لكل مواطن بشروط عادلة دون تمييز، وتلتزم بوضع حد أدنى للأجور يكفل للمواطن مستوى من المعيشة يتناسب وكرامته الإنسانية، ولكل مواطن حق تولى الوظائف العامة، متى توافرت فيه شروط توليها.

19- لكل مواطن الحق فى حياة آمنة، وبيئة نظيفة خالية من التلوث، والحق فى الغذاء السليم والسكن والرعاية الصحية وممارسة الرياضة، والحق فى التأمين ضد البطالة والمرض والعجز والشيخوخة وفقاً لمقتضيات العدالة والتكافل الاجتماعى.

20- لكل مواطن الحق فى التعليم، وتلتزم الدولة بتوفير فرص التعليم فى مؤسساتها التعليمية بالمجان، وتعمل على ضمان جودته بهدف تعظيم الاستثمار فى الثورة البشرية، ويكون التعليم الأساسى على الأقل إلزامياً وتشرف الدولة على جميع المؤسسات التعليمية العامة والخاصة والأهلية، بما يضمن الحفاظ على الانتماء والهوية والثقافة والوطنية.

21- للمواطنين حق إنشاء النقابات والاتحادات والجمعيات والمؤسسات الأهلية، ولهم حق التجمع والتظاهر السلمى دون إخلال بحقوق الغير أو بالمبادئ والحقوق والحريات الأساسية الواردة فى هذا الإعلان.

أرأيت ؟؟!! كان حق علىّ أن ألف حول نفسى و أخبط كفا على كف، لأننى لم أجد أى مبرر على اعتراضهم. و لكن، جلست فى حالة سكون و تأمل أستعيد الذكريات من يوم أن تركنا الميدان، مرورا بالاستفتاء، و الجمعات المنقسمة، و المحاكمات العسكرية للنشطاء، حتى وجدت صوت يرن فى أذنى و يقول زاعقا : "الخضرة للمسلمين ، و السمرة للنصارى" . فانتفضت متسائلا : "أهى هى ؟!"

"الخضرة للمسلمين ، و السمرة للنصارى" كانت تلك الكلمات تخرج من فيه مندوب الاخوان الذى وقف على باب لجنة الاستفتاء، مختزلا جميع الشروحات السياسية و المجادلات الأيدولوجية ليوجه الجميع للاجابة التى أنتجت لنا القول الباهر - بعد اعلان النتيجة بفوز العلامة الخضراء "للمسلمين" ب ٧٧،٢٪ - "غزوة الصناديق" ، و الذى اعتمد فيها السلفيون علي حجة المادة الثانية للدستور ، التى لم تكن أصلا من ضمن المواد المستفتى عليها !!!

فتبين لى أن من يختزل الاستفتاء فى لونين و كل لون يعبر عن ديانة ! ، هو نفسه من يخشى أن يصدق المجلس العسكرى و رئاسة الوزراء على اقرار ورقة المبادئ الأساسية للدستور، لأن حين يحدث ذلك ستكون المادة الثانية و هوية مصر الاسلامية خارج دائرة النقاش، و ستكون تلك الورقة بمثابة آخر ورقة توت تسقط عن الاخوان و السلفيون و تكشف المستور و يضيع مخططهم فى اختزال الدعاية الانتخابية لأنفسهم، "أن رشحونا حتى لا يسيطر الليبراليون و العلمانيون و الكفرة علي المجلس و يتلاعبون فى المادة الثانية و يضيعون هوية مصر الاسلامية" و حينها سيكون المرشحون جميعا سواسية أمام الناخبين و الفارق بينهم فقط برامجهم الشخصية و الحزبية، و سيضطر الجميع لخوض معركة سياسية شريفة تلعب فيها الأيدولوجيات الدور الأساسى و سيكون فن التواصل هو السلاح الوحيد في يد كل مرشح .

السياسة كالحرب و الحرب خدعة، فاحذر أن تُكشف خدعك و تقف بعدها متلعثما مكشوف مستورك!!!

تمت

عبدالله شلبى

الثلاثاء ١٦ أغسطس ٢٠١١

٣:٥٣ مساءا

الجمعة، 5 أغسطس 2011

تصنيع الأعداء

جمعتنى الصدفة ليلة البارحة فى المقهى الايطالى المفضل الىّ، بصديق لم أره منذ شهور عديدة، هذا الصديق يتمتع بميزة فريدة و هى الحديث الحلو السهل ، فهو يستطيع أن يستأسرنى و يجعلنى منتبها مهما طال حديثه معى. هذا الصديق أيضا من أحد موظفي الدولة فى السلطة التشريعية و له من العلاقات و الاتصالات بأجهزة عديدة و حساسة في السلطتى التشريعية و التنفيذية.

كنا نتجاذب معا أطراف الحديث و استفضنا فى الكلام عن الثورة و عن مستقبل مصر و نتذكر الأيام التى قضيناها فى نفس المقهى، فى نحيب و لطيم على حال مصر قبل الثورة - فنحن لم نتقابل من حينها - رن هاتفى الجوال، فابتسمت و قلت له: أخيرا، هرد من غير ما عبدالسميع يراقبنى - و عبدالسميع هو الاسم الذى كنا نطلقه على أمن الدولة - فنظر الى ثم ضحك ضحكة صفراء لم تريحنى.

بعدما أنهيت المكالمة استطردت حديثى معه متعجلا سائلا عن سر تلك الضحكة الصفراء، فرد علىّ : "بلاش أكسر فرحتك" ، فضحكت و قلت له "ايه هتقوللى ان انت مش أبويا، و ان أنا ابن حرام؟!!" فضحك هو الآخر ثم سألنى: "مُصّر تعرف".. فهززت رأسى قالا: "أكيد" ، فقال فى صيغة رجاء و تحذير"بس متجبش اسمى خالص".

عدلت جلستى و بدأ الأدرينالين يُفرز و لكن بكمية قليلة، منتظرا ما سيشدو به على، ثم قال بعد تنهيدة: "أكثر هتاف أحزننى عندما سمعته كان الشعب أراد و أسقط النظام" .... فلمعت عيناى و تساءلت " أولم يسقط بعد مشاهدة حسنى فى القفص؟!!" فقال " و كيف يحق لك أيها السياسى أن تنطق مثل هذه الكلمة و لم تسقط بعد أى آلية من آليات النظام؟!! "
و أكمل قائلا " إن أمن الدولة يلعب الآن بقوة و ذكاء و دهاء و مكر غير مسبوقة فى تاريخه بالكامل" - حاولت أن أبقى على شكلى الهادئ و وجهى المبتسم و أن أتحكم فى تنفسى الذى يزداد تارة بعد الآخرى بفضل الأدرينالين الذى كثف من عمله حتى لا أربك صديقى و أستطيع أن أحصل على أكبر قدر من المعلومات - "أمن الدولة الآن يطبق نظرية الفيلم الأمريكى "Enemy of the State" بطولة ويل سميث، و الذى كانت تدور أحداثه عن أمن الدولة أيضا، فكان هذا الجهاز اذا أراد أن يلقى بالقبض على أحد المطلوبين لديه قام أولا بتشويه سمعته ثم تصويره فى أوضاع طبيعية و اذاعة تلك الصور على أنها جرائم تخل بالسمعة و الشرف، فيصبح هناك تأييدا شعبيا و ان كان نفسيا لالقاء القبض على هذا المطلوب أو حتى على الأقل عدم رفض.

و قال مكملا حديثه "لقد وجد قيادات أمن الدولة أنه من قمة الغباء أن يقبض علي أحد و يقوم بتعذيبه و هتك عرضه ...الخ، ثم يظهر دائما فى دور الشيطان الشرير، فقرر أن يلعب دور الشيطان الملاك فلن يقبض على أحد قبل أن يكون هناك عدم رفض شعبى بل و تأييد بسيط للقبض على ذلك المطلوبين لديه.
إن أمن الدولة الآن يحاول البقاء علي قيد الحياة بكل ما أوتي من عقل و امكانيات ، فبدأ عمله بتلك الخطة البديلة منذ قيام الثورة و تلك الطريقة في العمل تلقوها في تدريب أمريكى عام ٢٠٠٦ و لكن غطرستهم و نرجسيتهم بل و ساديتهم هى ما جعلتهم يغضون عنها أبصارهم و يمارسون فنون الاعتقالات الهمجية و بث الرعب فى نفوس الشعب. و وجد أمن الدولة التربة الخصبة و الفرصة السانحة فى عملية الاستفتاء التى أجريت فكانت بالنسبة له ثغرة يجب اغتنامها لشق الصف و اعادة نفسه رقما قائما في المعادلة؛ و نجح مع الأسف نجاحا مبهرا في جعل فريقين اسلاميين "مرعبين" و ليبراليين"كفرة و متحررين".
ثم أخذ ينفخ كل فترة في فريق منهم حتى يزيد من سخونة المباراة، ثم يدخل في الفريق الواحد و يقسمه الى فرق، حتى يخسر الاثنين أكبر عدد ممكن من اللاعبين و يعودوا الي أحجامهم الطبيعية فرق كثيرة و قلائل مبعثرة. (لاحظ ما يحدث كل يوم في حركة ٦ أبريل و انشقاقات جماعة الاخوان).
لم يتنازل أمن الدولة فى لحظة عن سلاحه الأهم "ماسبيرو" ، و الذى لا يعلمه الكثيرون أنه انتقل الى مبني ماسبيرو فى فترة من الفترات "جميع قيادات أمن الدولة " و كانت تعقد بداخل المبنى نفسه اجتماعاتهم، و هى كانت رسالة ذو شقين، الأولى للعاملين بالمبني و هي : "اياكم و الخروج عن طوعنا" و الثانية للشعب على لسان المذيعين"لم تسقطوا النظام و لكن خلعنا لكم رؤوسه" ان ذلك المبني هو الأخطر على مصر و ليس الثورة وحدها. فتبسمت قائلا "اذا علينا حرقه". فرد "لا المبنى ليس له أى ذنب، اذا أردت فعلا قم بهولوكوست (محرقة) لجميع قيادات أمن الدولة و جميع العاملين بماسبيرو، و لا تخف فالمظلومين فيهم لا يحصوا على الأصابع و لكن المنفعة الناتجة أشمل و تستاهل" . أحسست و هو يقول تلك الكلمات بين حالتين من السخرية و الجدية بمدى خطورة ما يفعله ذلك المبنى النووى.
أكمل حديثه قائلا" هذا بغض النظر عن تشويه النشطاء بأساميهم ، حتى اذا دعت الحاجة في يوم من الأيام لالقاء القبض عليهم ؛و الشهداء الذين يحاولون بكل ألاعيبهم الدنيئة أن يصدروا للشعب فكرة أن جميعهم بلطجية ماتوا أثناء محاولة الشرفاء من ضباط الشرطة الدفاع عن أقسامهم، و ناهيك عن فتح الباب على مصرعيه لشيوخ أمن الدولة لبث الرعب فى نفوس الشعب و أنهم الأقرب الى السلطة فى حالة وجود ديمقراطية حقيقية و أنهم سيحكمون بالحديد و النار" . "و كل ما أحكى لك عليه الآن، ما هو الا مبادرات بسيطة جدا و استعدادات لما سيحدث قبل الانتخابات القادمة...ربنا يستر"

أطلقت تنهيدة طويلة بثثت فيها ذلك الهم و الغم اللذان ملئت بهما، ثم تساءلت " و ما العمل؟؟!!" ...

قال" يجب أولا أن تتأكد و تيقن أنك تتعامل مع جهاز فى الغالب كفار قريش أقرب منه رحمة علي هذا الشعب، و هو يقاتل من أجل بقاءه، لأن اذا استمر الشعب فى فهم ممارساته و أيدولوجياته سيتم اعادة هيكلته و تسريح أغلب موظفوه فى أول تغيير وزارى مدنى قادم، و لاحظ أنه مازال يتحكم فى الموانئ البحرية يعنى أنه يتحكم فى التجار و حركة التجارة و أسعار السلع الغذائية، فكل همه أن يستطيع أن يجعل الناس يكفرون بالثورة و يلعنون الثوار من علي المنابر قبل الانتخابات القادمة بأى ثمن كان" .
و أجيب علي سؤالك" العمل الآن هو مبادرة سياسية محترمة متعقلة من جميع القوي لقلب الموازين من جديد، و هى تجميع لجميع القوى الديمقراطية، لا أريد أن يرى الشعب أمامه فى الفترة المقبلة حتى الانتخابات الا فريقين فقط، فريق القوى الديمقراطية، و فريق القوى الديكتاتورية ، و اياكم أن تنبذوا أى فريق ينادى الآن بالديمقراطية حتى و لو كان عضوا من أعضاء الحزب الوطنى " قاطعته ممتعضا "أعضاء الحزب الوطنى؟؟!!! دول هدوا البلد" فرد على فى حزم "لقد ثرت علي الظلم و الديكتاتورية فاياك الآن أن تظلم أحد. ارسى العدل بين جموع الشعب مهما كانت كلفته حتى لا تخلق فريق كل شغله الشاغل هو احاكة المصائب و العراقيل فى وجهك و يشغلك عن مواصلة سيرك بتفادى المطبات و ازاحة العراقيل. فالشعب الآن يحتاج أن يرى البلد تسير بسرعة ١٠٠٠ ميل / الدقيقة و ليس الساعة حتى يؤمنون ثانية بالثورة و يعملون لأجلها.

لا تنسى قصة الرجل العجوز و صبيانه الأربعة "الاتحاد قوة ، و الفُرقة ضعف".

تمت


عبدالله شلبى
الجمعة ٥ أغسطس ٢٠١١
٣:١٩ مساءا

الخميس، 21 يوليو 2011

لمصلحة مَنْ؟

أكتب اليكم تلك الكلمات، بعدما أغلقت حقيبة سفرى لأطير خارج البلاد فى رحلة قصيرة، فى محاولة للخروج من صخب الحياة اليومية و الأحداث السياسية و الانشغال بمستقبل ثورتنا.

و لكنى و أنا أكتب الآن تنسدل على خدى دمعة ساخنة - على غيرالمنتظر - فمن المفترض أن تأخذنى الحماسة و نشوة الفرحة الى حالة غير هذه، و لكن التفكير فى ابنتى الغالية يجعلنى أنسى نفسى و أنشغل بها وحدها. و حالها الآن يرثى له، بعد ٦ أشهر من القبوع داخل العناية المركزة دون تقدم ملحوظ فى حالتها اللهم الا التدهور الملحوظ فى مواقف كثيرة.

كلما تذكرت ذلك الفعل الباهر الذى قام به شباب مصر يوم ١٢ فبراير ٢٠١١، عندما انتفضنا جميعا دون سابق ترتيب أو اخطار نكنس و ننظف البلد بأكملها و كأننا نزينها لدخلتها؛ دعنا نتعمق معا فى ذلك المشهد الفريد الذى أبهر العالم:
إن مبدأ تنظيف مكان هو فعل يوضح أن هذا المكان يجهز لاستقبال حدث هام ، و مقولة "كنسنا الشوارع عليهم" تعنى أننا ننظف ورائهم ما خلفوه من فساد و احباط و تعب؛ و فى الاثنين رسالة واضحة أن ذلك الشباب يجهز مصر لبنائها من جديد و أعطى بالفعل اشارة أنه جاهز لحمل المسؤلية بقيامه باعداد المكان دون أن يطلب منه أحد.

بدأت من يومها الرسالات الاستخباراتية تتغير نبرتها فتظهر فيها الرحمة و هى فى باطنها العذاب حقا، لم أنسى عندما قالت هيلارى كلينتون (وزيرة الخارجية الأمريكية) "لقد أخطأنا فى دراسة الشعب الصرى و خاصة شبابه، و علينا أن نعيد دراستنا له الآن" .... من المفترض أن نفرح لخطأهم و أننا خذلنا عقولهم و أظهرنا أننا شعب متحضر بنّاء و حالم، و لكن قولها سنعيد النظر فى دراستكم من جديد هو ما يوضح أنهم سيعيدون البحث عن ثغائرنا من جديد.

لنعود لنقطتنا الأساسية، قام الشعب لكنس الشوارع خلف الفاسدين و المفسدين، و عاد لبيته واثقا فى جيشه المتمثل فى المجلس الأعلى للقوات المسلحة (الذى تولى ادارة البلاد بتكليف من رأس الفساد نفسه المخلوع حسنى مبارك !!!).
توالت الأحداث بعدها غير مفهومة المقصد و لا النية، بدأ المجلس العسكرى بقسم الشعب فى الاستفتاء الوهمى، ثم المماطلة و الابطاء فى اتخاذ أى قرار، ثم تولية المناصب لكل من هو فاشل.

يذكرنى موقف المجلس العسكرى ، بموقف مشابه حدث فى روسيا السوفيتية فى الخمسينيات، عندما جندت المخابرات الأمريكية عميل لها فى ادارة الاستخبارات الروسية و كان مهمته اختيار الوزراء، و لم تطلب منه أمريكا سوى أن يولى أفشل المرشحين المناصب الهامة و الحيوية فى الدولة، فما لبثت روسيا بضع سنوات حتى ذاقت الأمرين و بدت بوادر الانهيار الجارف عليها.

و هذا ما حدث فى مصر قام المخلوع باسناد مهمة ادارة البلاد لأقرانه من المجلس العسكرى، فقاموا هم بدورهم باسناد المناصب و المهام لأفشل من يرشح لهم. و بدأت أشعر أن الأمر طبيعي فقد ولى الخائن خائنا مثله. أعجبت؟! أعجبت من تلقيبى لهم بالخونة، لا تتعجب فأنا لا أعرف للمجاملات طريق، و الخيانة من وجهة نظرى هى أن تقبل بمنصب و أنت تعلم تماما أنك لا تفقه فيه شئ؛ أليس ذلك خيانة للأمانة ؟؟؟ ماذا يفقه ذلك العسكريون فى فن السياسة و الادارة حتى يوليهم الخائن ادارة شؤون البلاد؟

لقد خان المجلس العسكرى جموع الشباب الذين نزلوا و قدموا أرواحهم و دمائهم فداءا للحرية و الكرامة و الانتقال من عالم ثالث لعالم أول، خاننا عندما غض بصره عن تلك الارادة الملهمة لبناء البلد التى تمثلت فى كنس الشوارع و تنظيفها. لقد قالها الشباب نحن جاهزون للعمل ، جاهزون لننميها قُتلنا و أصيبنا لها و ليس لأحد غيرها، هلم علينا بالمهام ، و لكن الرسالة كانت أقوى على المحتل من الصاعقة، فهرول الديبلوماسيون الأمريكيون ( و كان منهم من اللوبى الصهيونى الكثير) الواحد تلو الآخر، يجلس مع أعضاء من المجلس العسكرى، يتساءلون ماذا أنتم فاعلون مع تلك العقول الباهرة ، و الحماسة المقلقة، لقد بدأ الشباب يجهز نفسه لاعمار البلد، و وجه نظره صوب فلسطين و قال إن تحريرها يبدأ بتحرير مصر و بنائها.

فلسطين !!! آآه بلى انها كلمة السر، عَلِمَ اليهود أن هذا الجيل لم ينسى بعد فلسطين و ظهرت الأعلام الفلسطينية فى أكثر من مشهد إبان الثورة المصرية، و ظهرت الرسالة متجلية فى تفجير خط الغاز الواصل لاسرائيل أكثر من مرة، و حصار السفارة الاسرائيلية و الضغط لتنزيل العلم الاسرائيلى من عليها. و الدعوة للزحف الى الحدود الذى لباها الكثير، نقاط أغفلناها جميعا و اعتبرناها أحداث عابرة، و لكنها نقاط واصلة و هامة لتكتمل لنا الصورة.

رئيس خان شعبه و بلده ٣٠ عاما، ثار عليه شعبه و أصر علي خلعه، سلم الخائن المخلوع السلطه لأقرانه، و كانوا وجوها جديدة على الشعب فوثقنا فيهم قبل أن يبدوا لنا ما فى نواياهم، وضع أصدقاء المخلوع همهم فى اطفاء حماس الشباب المتعطش لبناء بلده فبدأوا بتقسيمه الى فرق و شيع ثم اتخاذ أى قرار مضاد لرغباتهم حتى يقتلهم الاحباط، ثم يقوموا بتسليم السلطة عندما يُعطى لهم الضوء الأخضر من الأستانة (أمريكا) ، بعدما تتأكد أن حماسة الشعب انطفأت و لم يعودوا يسألوا عن أى تغيير حقيقى و جذرى للخروج من تلك الزجاجة، و يتأكدوا أنه عاد شعب مستأنس خامل حينها سيتم تسليم السلطة الى مدنيين؛ فلن يكون هناك عليهم ضرر و لا خوف من ذلك الشعب الأليف.

فهل علمت الآن لمصلحة مَنْ تتم تلك العمليات الممنهجة لوأد الثورة و قتل حماسة الشباب و دفن أحلامهم ؟؟!!!
و هل أنت جاهز للتحدى و التمسك بحلمك مهما كان الثمن ؟


عبدالله شلبى
الخميس ٢١ يوليو ٢٠١١
٠٤:٥٣ صباحا

السبت، 16 يوليو 2011

الكومبارسات الصامتة

لا، لن أقبل أن أكون من وزراؤه و سأترك شرف يغرق وحده و يواجه مصيره.




كان هذا هو ردى على والدى عندما أيقظنى من نومى- بعد ٤٣ ساعة من العمل و التنظيم و التأمين في الميدان- على سؤال: هل من البطولة أن ترفض أن تكون وزيرا إن عُرض عليك، و نترك جميعا شرف وحده يغرق؟




بعد الاجابة التى صدمته قليلا، حاول أبى أن يقنعنى بطريقة أخرى قائلا: فى كثير من الوقت يقبل البطل دور فى الفيلم لا يتعدى ظهوره على الشاشة دقيقة و نصف، و لكن يبقى هذا الدور خالدا فى أذهان الكثيرون و ينسوا اسم الفيلم و بقية الممثلين، مثل ما فعل توفيق الدقن عندما قال جملته الخالدة: "يا آه يا آه، أحلى من الشرف مفيش" هل تعرف اسم الفيلم ؟ هل تعرف من كان يمثل معه ؟




كانت اجابتى بالطبع لا، و لكنك أكدت على ما أقوله. فسألنى كيف؟




فأجبت: عندما وافق توفيق الدقن على القبول بهذا الدور، ترك له المُخرج المساحة كلها ليُبدع و يُظهر أقصى ما لديه من خبرات فى التمثيل، و لكن المجلس العسكرى مُصرٌ أن يكون جميع الوزراء "كومبارسات صامتة" لا يأخذون خطوة دون الرجوع اليه، و للأسف ما زال شرف قابل لهذا الدور السخيف الذى سيجعل التاريخ يذكره بين سطور صفحاته السوداء، بعد أن دعوناه مرارا و تكرارا ليصعد الى الميدان ليأخذ صلاحياته كاملة و يعى أنه الآن أقوى رئيس وزراء فى العالم بفضل الشعب الذى أسند اليه ذلك المنصب.


فالمجلس العسكرى- بقيادة مبارك الى الآن - لا يريد أن يعترف بالثورة، و لا يريد أن يفهم أن هذا الشعب ثار على الظلم و الاستبداد والمركزية و السلطوية و البطء و التباطؤ.


و لا أظن أن هناك وزيرا ثوريا فى أفكاره، متقنا لأدائه، يقبل أن يكون كومبارسا صامتا- يظهر أمام الكاميرا بقفاه و فى أحسن الأحوال بوجه مبتسم- في تلك اللحظات الحرجة التى ترك فيها التاريخ العالم بأسره و تفرغ لمصر ليكتب و يسجل ما يحدث بقلم من نور و آخر من الفحم.




تمت




عبدالله شلبى


١٦ يوليو ٢٠١١


٩:٣٠ صباحا

الثلاثاء، 12 يوليو 2011

الى من يهمه الأمر!

اليوم سأبدأ الكتابة بدون مقدمات و لا تقديمات، لأن الوضع لا يحتمل أى تفسير أو شرح للوضع الراهن.


ان الثورة التى لا تطمع أن تكون مجرد نظام حكم ديكتاتورى ساذج، و التى تطمح ، فى الوقت نفسه، أن تكون أكثر من مجرد دسائس و مؤامرات تحاك فى ردهات القصور و دهاليزها، يتوجب عليها أن تحدد أهدافها على أساس من النقطتين الرئيسيتين التاليتين:


١ فمن واجبها أن تجد الحلول لكل المشاكل السياسية و المعضلات الاجتماعية الملحة، التى اقتضت قيام الثورة نفسها، و جعلت نجاحها ممكنا. و بهذه الطريقة ، دون غيرها، تتمكن الثورة من ازالة آثار نظام الحكم السابق، الذى أخفق فى تشخيص الداء و وصف الدواء.


٢ و من واجبها أن تكون قادرة على تطوير نظام دستورى جديد يخلد منجزاتها، و يحافظ على مكتسباتها، دون خوف من ردة، أو خشية من عودة الى سيئات الماضى و آثامه.

(الفقرة السابقة منقولة)


و بناءا على النقطة الأولى، فقد قمت بمحاولة لرصد المشكلات السياسية و المعضلات الاجتماعية و وضع حلول ثورية من الممكن أن تلقى قبولا عند القطاع الأوسع للثوار؛ أولا حلول المشكلات السياسية:


- اقالة النائب العام

-علنية المحاكمات و سرعة أداؤها.

-انتزاع صلاحيات رئيس الوزراء مع ابقاء حق المجلس فى الحفاظ على الأمن القومى.

-اعادة هيكلة الداخلية.

-اعادة هيكلة ماسبيرو.

-اشراك الشعب فى اتخاذ القرار.

-معاملة مبارك كباقى زملاؤه من السجناء.

-الغاء المحاكمات العسكرية لكافة المدنيين.


ثانيا حلول للمعضلات الاجتماعية:


- وضع حد أدنى للأجور.

- رقابة صارمة لأسعار كافة السلع و المواد الغذائية و الأسواق، و تفكيك عصابات مافيا السلع الغذائية.

- تطبيق قانون الاسكان الفرنسى "الذى ينص على منع تسقييع و غلق أى منشأة سكنية لمدة زمنية معينة، واذا حدث هذا تُجبر وزارة السكان المالك بتسليم الشقة لها مقابل ايجار عادل بما يتماشى مع سعر الفائدة السارية؛ و هذا سيوفر شقق كثيرة بأسعار هادئة".

- حل جذرى للفتنة الطائفية "كتطبيق فكرة ميثاق مصر"

- التعليم: انشاء مؤسسة للتعليم مستقلة مهمتها تطوير المناهج، و تدريب المدرسون، و اعداد الطلبة تتبعها وزارة التربية و التعليم.


وبناءا على النقطة الثانية من الفقرة المنقولة أرجو أن يبدأ سيل كتابات الأوراق الارشادية للدستور، و يتم التوافق على البنود حتى لا نترك الفرصة لأى فصيل الالتفاف على ثورتنا و ضياع مكتسباتها و منجزاتها.



هذه من وجهة نظرى البسيطة، و على من يرى تطويرا أو تعديلا لتلك النقاط الرجاء فليفعلها.



عبدالله شلبى

الاسكندرية

١٢ يوليو ٢٠١١

٤:٣٠ مساءا