الأربعاء، 31 أغسطس 2011

بنشيل الطين...و هنشيل الطين !!

ألم أترجاهم أن يغوروا حتى يرحمهم الله ؟
١١٠ كيلو مترا هي المسافة الفاصلة بين بيتى فى الجيزة و دارنا فى المنصورة، مسافة مشقوقة على أخصب و أندر بقعة من بقاع أرض مصر، من الصعب أن أحصر كم مرة قطعت تلك المسافة فى حياتى، و لكن من السهل أن ألاحظ أن معالم الطريق فى أخر ٥ سنوات تتغير كل يوم.

و فى آخر ٦ أشهر تتغير معالم الطريق كل ساعتين تحديدا، لن أسأل منوحا أين المسؤلون، لأن كل المسؤلون و الحمدلله من جيل "الفشل" الذى يتراوح عمره بين ٥٠ و ٧٠ عام. و لن تجد بين طيات السطور حلا، فالحل الوحيد قلته مرات عديدة فى نفس المدونة و هو أن نوقف مهزلة استبداد الأقلية بالأكثرية. فكيف بربك أن يُحكم (٦٥٪) من الشعب متوسط أعمارهم (٣٥ عام) بــ(٣٥٪) متوسط أعمارهم (٥٥ عام) ؟!!

أكتب لك اليوم لأطلعك على الغد القريب، الذى سنعيشه أنا و أنت (ان شاء الله) نعانى و نلعن سلسفيل هذا الجيل من على المنابر. لقد استلمنا من محمد على باشا الكبير- ألف رحمة و نور عليه- ٣،٥ ٪ من مساحة مصر مزروعة خضراء، على تعداد سكانى وقتها تراوح بين ٤،٥ مليون نسمة و ٦ مليون نسمة فى أعلى تقدير، أى ما يوازى فدان لكل مواطن . و تحولت مصر بفضل سياسة حكامنا- لعنهم الله حيث ثقفوا- الى ٢،٨٪ مساحة مزروعة لتطعم نحو ٨٤ مليون مواطن .... أكيد أنا حقا أحتج!!!

و بفضل سياسة -زق يا عم ده شوية و خالعين- التى انتهجها وزراء الثورة و المجلس العسكرى -لا بارك الله لهم و لا عليهم- فسنستلم مصرنا بأعلى تقدير مزروع منها ٢،٤٪ من مساحتها يقتات عليهم نحو ٨٥ مليون نسمة.و من الجدير بالذكر أن المساحة التى تتآكل هى المساحة الوحيدة الخصبة الآن فى مصر و هى القابلة للزراعة و الانتاج، و لكن انطلق كل فلاح فى ظل الهوجة الى تجريف أرضه سريعا حتى يدخل فدانه فى "كردون المبانى" و يكسب هو ملاليم مقابل أن تجوع الملايين!!

نحن الآن نشيل الطين بأيدينا، و لكننا قريبا جدا هنشيله على دماغنا لأننا مش هنلاقى فعلا اللى نأكله... و نعيد مرارا و تكرارا حتى ينطق حمارا: "من لا يملك قوته... لا يملك قراره"

عبدالله شلبى
٣١ أغسطس ٢٠١١
٢:٠٠ مساءا

الأربعاء، 24 أغسطس 2011

العبد الفقير

أسراب من الفقراء، كانت تتدفق علينا بين الحين و الآخر. كنت فى رحلة أو بالأحري مهمة مع مؤسسة "سارة لأعمال الخير" نوزع زكاة المال فى قرى محافظة سوهاج. لم تكن تلك المرة الأولى لأجوب فيها قرى و محافظات مصر الأفقر ، ست سنوات و أنا على هذا الحال.
و لكن كانت تلك المرة، بالطبع لها مذاق مختلف، فهى فى أثناء أحداث الثورة (اللهم أتممها على خير)، و كنت أتوق لمشاهدة تأثير النتائج الأولية على الناس هناك. طبعا قبل أن تسأل أو تتسائل، لم تصل الثورة الى سوهاج بتاتا، اللهم الا الإنفلات الأمنى الذي خيم على المشهد هناك، و أعداد السلاح التى انتشرت هناك حقا لا حصر لها، و تجرؤ الناس علي الأمن حتى أنهم يسيرون حاملين بنادقهم دون أى خشية من الشرطة.
كنا نوزع زكاة المال من احدى البيوت هناك أو من داخل مقار الجمعيات المتعاونون معها، الطريقة منظمة للغاية، فكل مستحقة للزكاة يصلها كارت قبل موعد مجيئنا بأربعة أيام و تأتى لتستلم به مظروفها.
دوما تحدث مشادات بين السيدات المستحقات لتدافعهن على البوابة، النابع من خوفهن أن تنفذ المظاريف قبل أن يأخذوا، و تستمر المحاوات المستميتة لتفهميهن أن المظاريف بعدد الكروت فمن المستحيل أن تنفذ المظاريف طالما كل واحدة تحافظ علي كارتها. و لكن هيهات، ما يلبثن الا دقائق حتى تعودن للمشاجرات، فيبدآ التلويح و التهديد بالانصراف ان لم يهدأن و يجلسن فى أماكنهن.
هنا بدأت رحلتى فى تأمل الموقف، كم التوسلات و الاحترام و طاعة الأمر بعد تهديد يعلمن جيدا أنه مجرد تهديد و لم يحدث أن دخل طور التنفيذ الا فى مرات قليلة جدا.
هل الفقر و الاحتياج يصنعان العبودية؟ هل على قدر حاجتك لشخص أو مادة تزداد نسبة عبوديتك له؟ نحن نعبد الله لأننا فقراء اليه و نحتاج اليه، و كلما زادت مصائبنا زادت حاجتنا اليه و ازددنا عبودية له (أى طاعة و ايمان).
ماذا سيحدث مع هولاء في الانتخابات ،اياك أن تتحفنى بنصائحك الغالية أننا سننطلق الى هناك و نعد مؤتمرات التوعية و الندوات العامة لنغير فكر الناس، و ننعش أذهانهم!!! الناس محتاجة و الحاجة تولد العبودية ، و من لا يملك قوته لا يملك قراره.
الناس هناك لا تحتاج لملئ العقول بل يحتاجون لملئ البطون أولا. مجلس الشعب قادم معروف ملامحه مهما حاولنا أن نداعب خيالنا و نتصوره متناغما متجانسا يضم من أقصى اليمين الى أقصى اليسار، هذا للأسف هراء. نعم المجلس القادم مؤتلف و لكن ائتلاف الأغنياء و القادرين من أباطرة الانتخابات المعروفين و سيكون بالفعل فى هذه الحالة في قمة التناجس (الخطأ مقصود) و التغانم (مقصود أيضا)

عبدالله شلبى
الأربعاء ٢٤ أغسطس ٢٠١١
٧:٣١ صباحا

الثلاثاء، 16 أغسطس 2011

كشف المستور

كنت قد أكاد يصيبنى الجنون، لأننى لم أجد اجابة واحدة شافية صريحة و لا مبرر لماذا يرفض الاخوان و السلفيون ورقة المبادئ الأساسية أو الفوق الدستورية . فعندما تقرأها تجدها من البديهيات جدا أن تكون تلك المواد بين طيات أى دستور ديمقراطى كان أو ديكتاتورى، فلنقرأها معا مجددا حتى تطلع لى ثغرة (يمكن) أننى لم أرها :

أولا: المبادئ الأساسية:

1- جمهورية مصر العربية دولة مدنية ديمقراطية تقوم على المواطنة وسيادة القانون، وتحترم التعددية، وتكفل الحرية والعدل والمساواة، وتكافؤ الفرص لجميع المواطنين دون أى تمييز أو تفرقة، والشعب المصرى جزء من الأمة العربية، يعمل على تحقيق وحدتها الشاملة.

2- الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع، ولغير المسلمين الاحتكام إلى شرائعهم فى أحوالهم الشخصية وشؤونهم الدينية.

3- السيادة للشعب وحده، وهو مصدر السلطات، يمارسها من خلال الاستفتاء والانتخابات النزيهة، تحت الإشراف القضائى، ووفقاً لنظام انتخابى يضمن عدالة التمثيل للمواطنين دون أى تمييز أو إقصاء.

4- النظام السياسى للدولة جمهورى ديمقراطى يقوم على التوازن بين السلطات، والتداول السلمى للسلطة، وتعدد الأحزاب السياسية وإنشائها بالإخطار، شريطة ألا تكون عضويتها على أساس دينى أو جغرافى أو عرقى أو طائفى أو فئوى أو أى مرجعية تتعارض مع الحقوق والحريات الأساسية الواردة فى هذا الإعلان.

5- سيادة القانون أساس الحكم فى الدولة، وتخضع السلطات العامة والأشخاص الاعتبارية العامة والخاصة والمواطنون جميعاً للقانون دون أى تفرقة، واستقلال القضاء ضمانة أساسية لمبدأ خضوع الدولة ومؤسساتها للقانون وتحقيق العدالة للمواطنين جميعاً.

6- يقوم الاقتصاد الوطنى على التنمية الشاملة والمستدامة التى تهدف إلى تحقيق الرفاه الاجتماعى، وتلبية الحاجات الأساسية للمواطنين، وتشجيع الاستثمار، وحماية المنافسة الحرة ومنع الممارسات الاحتكارية الضارة، وحماية المستهلك، وكفالة عدالة توزيع عوائد التنمية على المواطنين، وتلتزم الدولة بحماية الملكية العامة لمرافقها القومية وسائر ثرواتها ومواردها الطبيعية وأراضيها ومقومات تراثها الوطنى المادى والمعنوى.

7- نهر النيل شريان الحياة على أرض مصر الكنانة، وتلتزم الدولة بحسن إدارته وحمياته من التلوث والتعديات، وتعظيم الانتفاع به والحفاظ على حقوق مصر التاريخية فيه.

8- مصر جزء من القارة الأفريقية وتعمل على نهضتها وتحقيق التعاون بين شعوبها وتكامل مصالحها، وهى جزء من العالم الإسلامى تدافع عن قضاياه وتعمل على تعزيز المصالح المشتركة لشعوبه، وتعتز بدورها الأصيل فى الحضارة الإنسانية وتساهم بإيجابية فى تحقيق السلام العالمى وتعزيز مبادئ العدالة وحقوق الإنسان والتعاون بين الدول والشعوب.

9- الدولة وحدها هى التى تنشئ القوات المسلحة، وهى ملك للشعب، ومهمتها حماية أمن الوطن واستقلاله والحفاظ على وحدته وسيادته على كامل أراضيه، ولا يجوز لأى هيئة أو جماعة أو حزب إنشاء تشكيلات عسكرية أو شبه عسكرية.

ثانياً: الحقوق والحريات العامة

10- الكرامة الإنسانية حق أصيل لكل إنسان، وجميع المواطنين المصريين أحرار ومتساوون أمام القانون فى الحقوق والحريات والواجبات العامة، ويحظر التمييز بينهم بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة أو الثروة أو المكانة الاجتماعية أو الآراء السياسية أو الإعاقة أو غير ذلك، ويجوز تقرير بعض المزايا للفئات التى تستدعى الحماية.

11- تكفل الدولة حرية العقيدة، وتضمن حرية ممارسة العبادات والشعائر الدينية، وتحمى دور العبادة.

12- الجنسية المصرية حق أصيل لجميع المواطنين ولا يجوز إسقاط الجنسية أو إبعاد أى مواطن عن البلاد أو منعه من العودة إليها إلا بحكم قضائى مسبب.

13- حرية الرأى والتعبير وحرية الصحافة ووسائل الإعلام مكفولة، بما لا يمس حرمة الحياة الخاصة وحقوق الغير والمقومات الأساسية للمجتمع المصرى، ويحظر فرض الرقابة على وسائل الإعلام أو مصادرتها أو تعطيلها إلا بموجب حكم قضائى مسبب ولمدة محددة.

14- لكل إنسان الحق فى المعرفة وتداول المعلومات ونشرها وحق المشاركة فى الحياة الثقافية والفنية بمختلف أشكالها وتنوع أنشطتها، وتكفل الدولة الحريات الأكاديمية والبحث العلمى والإبداع والابتكار، وتضمن استقلال الجامعات ومراكز البحث العلمى.

15- لكل إنسان الحق فى التمتع بحرمة حياته الخاصة ومراسلاته ومحادثاته الهاتفية واتصالاته الإلكترونية والمعلوماتية وغيرها من وسائل الاتصال، ولا يجوز الاعتداء على حرمتها أو تقييدها أو مصادرتها إلا بأمر قضائى مسبب ولمدة محددة.

16- لكل مواطن حرية الإقامة والتنقل، ولا يجوز القبض عليه أو تفتيشه أو احتجازه أو حبسه أو تقييد حريته الشخصية إلا بأمر قضائى مسبق، ولا جريمة ولا عقوبة إلا بنص فى القانون والمتهم برىء حتى تثبت إدانته فى محاكمة عادلة أمام قاضيه الطبيعى، ولا يجوز محاكمة المدنيين أمام أى قضاء استثنائى أو القضاء العسكرى إلا فى الجرائم النظامية المتصلة بالقوات المسلحة.

17- الملكية الخاصة مصونة، ولا يجوز المساس بها إلا بحكم قضائى ومقابل تعويض عادل، وتساهم الملكية الخاصة مع الملكية العامة والتعاونية فى تنمية الاقتصاد الوطنى.

18- الحق فى العمل مكفول، وتعمل الدولة على توفير فرص العمل لكل مواطن بشروط عادلة دون تمييز، وتلتزم بوضع حد أدنى للأجور يكفل للمواطن مستوى من المعيشة يتناسب وكرامته الإنسانية، ولكل مواطن حق تولى الوظائف العامة، متى توافرت فيه شروط توليها.

19- لكل مواطن الحق فى حياة آمنة، وبيئة نظيفة خالية من التلوث، والحق فى الغذاء السليم والسكن والرعاية الصحية وممارسة الرياضة، والحق فى التأمين ضد البطالة والمرض والعجز والشيخوخة وفقاً لمقتضيات العدالة والتكافل الاجتماعى.

20- لكل مواطن الحق فى التعليم، وتلتزم الدولة بتوفير فرص التعليم فى مؤسساتها التعليمية بالمجان، وتعمل على ضمان جودته بهدف تعظيم الاستثمار فى الثورة البشرية، ويكون التعليم الأساسى على الأقل إلزامياً وتشرف الدولة على جميع المؤسسات التعليمية العامة والخاصة والأهلية، بما يضمن الحفاظ على الانتماء والهوية والثقافة والوطنية.

21- للمواطنين حق إنشاء النقابات والاتحادات والجمعيات والمؤسسات الأهلية، ولهم حق التجمع والتظاهر السلمى دون إخلال بحقوق الغير أو بالمبادئ والحقوق والحريات الأساسية الواردة فى هذا الإعلان.

أرأيت ؟؟!! كان حق علىّ أن ألف حول نفسى و أخبط كفا على كف، لأننى لم أجد أى مبرر على اعتراضهم. و لكن، جلست فى حالة سكون و تأمل أستعيد الذكريات من يوم أن تركنا الميدان، مرورا بالاستفتاء، و الجمعات المنقسمة، و المحاكمات العسكرية للنشطاء، حتى وجدت صوت يرن فى أذنى و يقول زاعقا : "الخضرة للمسلمين ، و السمرة للنصارى" . فانتفضت متسائلا : "أهى هى ؟!"

"الخضرة للمسلمين ، و السمرة للنصارى" كانت تلك الكلمات تخرج من فيه مندوب الاخوان الذى وقف على باب لجنة الاستفتاء، مختزلا جميع الشروحات السياسية و المجادلات الأيدولوجية ليوجه الجميع للاجابة التى أنتجت لنا القول الباهر - بعد اعلان النتيجة بفوز العلامة الخضراء "للمسلمين" ب ٧٧،٢٪ - "غزوة الصناديق" ، و الذى اعتمد فيها السلفيون علي حجة المادة الثانية للدستور ، التى لم تكن أصلا من ضمن المواد المستفتى عليها !!!

فتبين لى أن من يختزل الاستفتاء فى لونين و كل لون يعبر عن ديانة ! ، هو نفسه من يخشى أن يصدق المجلس العسكرى و رئاسة الوزراء على اقرار ورقة المبادئ الأساسية للدستور، لأن حين يحدث ذلك ستكون المادة الثانية و هوية مصر الاسلامية خارج دائرة النقاش، و ستكون تلك الورقة بمثابة آخر ورقة توت تسقط عن الاخوان و السلفيون و تكشف المستور و يضيع مخططهم فى اختزال الدعاية الانتخابية لأنفسهم، "أن رشحونا حتى لا يسيطر الليبراليون و العلمانيون و الكفرة علي المجلس و يتلاعبون فى المادة الثانية و يضيعون هوية مصر الاسلامية" و حينها سيكون المرشحون جميعا سواسية أمام الناخبين و الفارق بينهم فقط برامجهم الشخصية و الحزبية، و سيضطر الجميع لخوض معركة سياسية شريفة تلعب فيها الأيدولوجيات الدور الأساسى و سيكون فن التواصل هو السلاح الوحيد في يد كل مرشح .

السياسة كالحرب و الحرب خدعة، فاحذر أن تُكشف خدعك و تقف بعدها متلعثما مكشوف مستورك!!!

تمت

عبدالله شلبى

الثلاثاء ١٦ أغسطس ٢٠١١

٣:٥٣ مساءا

الجمعة، 5 أغسطس 2011

تصنيع الأعداء

جمعتنى الصدفة ليلة البارحة فى المقهى الايطالى المفضل الىّ، بصديق لم أره منذ شهور عديدة، هذا الصديق يتمتع بميزة فريدة و هى الحديث الحلو السهل ، فهو يستطيع أن يستأسرنى و يجعلنى منتبها مهما طال حديثه معى. هذا الصديق أيضا من أحد موظفي الدولة فى السلطة التشريعية و له من العلاقات و الاتصالات بأجهزة عديدة و حساسة في السلطتى التشريعية و التنفيذية.

كنا نتجاذب معا أطراف الحديث و استفضنا فى الكلام عن الثورة و عن مستقبل مصر و نتذكر الأيام التى قضيناها فى نفس المقهى، فى نحيب و لطيم على حال مصر قبل الثورة - فنحن لم نتقابل من حينها - رن هاتفى الجوال، فابتسمت و قلت له: أخيرا، هرد من غير ما عبدالسميع يراقبنى - و عبدالسميع هو الاسم الذى كنا نطلقه على أمن الدولة - فنظر الى ثم ضحك ضحكة صفراء لم تريحنى.

بعدما أنهيت المكالمة استطردت حديثى معه متعجلا سائلا عن سر تلك الضحكة الصفراء، فرد علىّ : "بلاش أكسر فرحتك" ، فضحكت و قلت له "ايه هتقوللى ان انت مش أبويا، و ان أنا ابن حرام؟!!" فضحك هو الآخر ثم سألنى: "مُصّر تعرف".. فهززت رأسى قالا: "أكيد" ، فقال فى صيغة رجاء و تحذير"بس متجبش اسمى خالص".

عدلت جلستى و بدأ الأدرينالين يُفرز و لكن بكمية قليلة، منتظرا ما سيشدو به على، ثم قال بعد تنهيدة: "أكثر هتاف أحزننى عندما سمعته كان الشعب أراد و أسقط النظام" .... فلمعت عيناى و تساءلت " أولم يسقط بعد مشاهدة حسنى فى القفص؟!!" فقال " و كيف يحق لك أيها السياسى أن تنطق مثل هذه الكلمة و لم تسقط بعد أى آلية من آليات النظام؟!! "
و أكمل قائلا " إن أمن الدولة يلعب الآن بقوة و ذكاء و دهاء و مكر غير مسبوقة فى تاريخه بالكامل" - حاولت أن أبقى على شكلى الهادئ و وجهى المبتسم و أن أتحكم فى تنفسى الذى يزداد تارة بعد الآخرى بفضل الأدرينالين الذى كثف من عمله حتى لا أربك صديقى و أستطيع أن أحصل على أكبر قدر من المعلومات - "أمن الدولة الآن يطبق نظرية الفيلم الأمريكى "Enemy of the State" بطولة ويل سميث، و الذى كانت تدور أحداثه عن أمن الدولة أيضا، فكان هذا الجهاز اذا أراد أن يلقى بالقبض على أحد المطلوبين لديه قام أولا بتشويه سمعته ثم تصويره فى أوضاع طبيعية و اذاعة تلك الصور على أنها جرائم تخل بالسمعة و الشرف، فيصبح هناك تأييدا شعبيا و ان كان نفسيا لالقاء القبض على هذا المطلوب أو حتى على الأقل عدم رفض.

و قال مكملا حديثه "لقد وجد قيادات أمن الدولة أنه من قمة الغباء أن يقبض علي أحد و يقوم بتعذيبه و هتك عرضه ...الخ، ثم يظهر دائما فى دور الشيطان الشرير، فقرر أن يلعب دور الشيطان الملاك فلن يقبض على أحد قبل أن يكون هناك عدم رفض شعبى بل و تأييد بسيط للقبض على ذلك المطلوبين لديه.
إن أمن الدولة الآن يحاول البقاء علي قيد الحياة بكل ما أوتي من عقل و امكانيات ، فبدأ عمله بتلك الخطة البديلة منذ قيام الثورة و تلك الطريقة في العمل تلقوها في تدريب أمريكى عام ٢٠٠٦ و لكن غطرستهم و نرجسيتهم بل و ساديتهم هى ما جعلتهم يغضون عنها أبصارهم و يمارسون فنون الاعتقالات الهمجية و بث الرعب فى نفوس الشعب. و وجد أمن الدولة التربة الخصبة و الفرصة السانحة فى عملية الاستفتاء التى أجريت فكانت بالنسبة له ثغرة يجب اغتنامها لشق الصف و اعادة نفسه رقما قائما في المعادلة؛ و نجح مع الأسف نجاحا مبهرا في جعل فريقين اسلاميين "مرعبين" و ليبراليين"كفرة و متحررين".
ثم أخذ ينفخ كل فترة في فريق منهم حتى يزيد من سخونة المباراة، ثم يدخل في الفريق الواحد و يقسمه الى فرق، حتى يخسر الاثنين أكبر عدد ممكن من اللاعبين و يعودوا الي أحجامهم الطبيعية فرق كثيرة و قلائل مبعثرة. (لاحظ ما يحدث كل يوم في حركة ٦ أبريل و انشقاقات جماعة الاخوان).
لم يتنازل أمن الدولة فى لحظة عن سلاحه الأهم "ماسبيرو" ، و الذى لا يعلمه الكثيرون أنه انتقل الى مبني ماسبيرو فى فترة من الفترات "جميع قيادات أمن الدولة " و كانت تعقد بداخل المبنى نفسه اجتماعاتهم، و هى كانت رسالة ذو شقين، الأولى للعاملين بالمبني و هي : "اياكم و الخروج عن طوعنا" و الثانية للشعب على لسان المذيعين"لم تسقطوا النظام و لكن خلعنا لكم رؤوسه" ان ذلك المبني هو الأخطر على مصر و ليس الثورة وحدها. فتبسمت قائلا "اذا علينا حرقه". فرد "لا المبنى ليس له أى ذنب، اذا أردت فعلا قم بهولوكوست (محرقة) لجميع قيادات أمن الدولة و جميع العاملين بماسبيرو، و لا تخف فالمظلومين فيهم لا يحصوا على الأصابع و لكن المنفعة الناتجة أشمل و تستاهل" . أحسست و هو يقول تلك الكلمات بين حالتين من السخرية و الجدية بمدى خطورة ما يفعله ذلك المبنى النووى.
أكمل حديثه قائلا" هذا بغض النظر عن تشويه النشطاء بأساميهم ، حتى اذا دعت الحاجة في يوم من الأيام لالقاء القبض عليهم ؛و الشهداء الذين يحاولون بكل ألاعيبهم الدنيئة أن يصدروا للشعب فكرة أن جميعهم بلطجية ماتوا أثناء محاولة الشرفاء من ضباط الشرطة الدفاع عن أقسامهم، و ناهيك عن فتح الباب على مصرعيه لشيوخ أمن الدولة لبث الرعب فى نفوس الشعب و أنهم الأقرب الى السلطة فى حالة وجود ديمقراطية حقيقية و أنهم سيحكمون بالحديد و النار" . "و كل ما أحكى لك عليه الآن، ما هو الا مبادرات بسيطة جدا و استعدادات لما سيحدث قبل الانتخابات القادمة...ربنا يستر"

أطلقت تنهيدة طويلة بثثت فيها ذلك الهم و الغم اللذان ملئت بهما، ثم تساءلت " و ما العمل؟؟!!" ...

قال" يجب أولا أن تتأكد و تيقن أنك تتعامل مع جهاز فى الغالب كفار قريش أقرب منه رحمة علي هذا الشعب، و هو يقاتل من أجل بقاءه، لأن اذا استمر الشعب فى فهم ممارساته و أيدولوجياته سيتم اعادة هيكلته و تسريح أغلب موظفوه فى أول تغيير وزارى مدنى قادم، و لاحظ أنه مازال يتحكم فى الموانئ البحرية يعنى أنه يتحكم فى التجار و حركة التجارة و أسعار السلع الغذائية، فكل همه أن يستطيع أن يجعل الناس يكفرون بالثورة و يلعنون الثوار من علي المنابر قبل الانتخابات القادمة بأى ثمن كان" .
و أجيب علي سؤالك" العمل الآن هو مبادرة سياسية محترمة متعقلة من جميع القوي لقلب الموازين من جديد، و هى تجميع لجميع القوى الديمقراطية، لا أريد أن يرى الشعب أمامه فى الفترة المقبلة حتى الانتخابات الا فريقين فقط، فريق القوى الديمقراطية، و فريق القوى الديكتاتورية ، و اياكم أن تنبذوا أى فريق ينادى الآن بالديمقراطية حتى و لو كان عضوا من أعضاء الحزب الوطنى " قاطعته ممتعضا "أعضاء الحزب الوطنى؟؟!!! دول هدوا البلد" فرد على فى حزم "لقد ثرت علي الظلم و الديكتاتورية فاياك الآن أن تظلم أحد. ارسى العدل بين جموع الشعب مهما كانت كلفته حتى لا تخلق فريق كل شغله الشاغل هو احاكة المصائب و العراقيل فى وجهك و يشغلك عن مواصلة سيرك بتفادى المطبات و ازاحة العراقيل. فالشعب الآن يحتاج أن يرى البلد تسير بسرعة ١٠٠٠ ميل / الدقيقة و ليس الساعة حتى يؤمنون ثانية بالثورة و يعملون لأجلها.

لا تنسى قصة الرجل العجوز و صبيانه الأربعة "الاتحاد قوة ، و الفُرقة ضعف".

تمت


عبدالله شلبى
الجمعة ٥ أغسطس ٢٠١١
٣:١٩ مساءا