الثلاثاء، 30 مارس 2010

الجهل و التسويق

آصبحت لا أعلم حقا هل أنا الذى أبحث عن الهموم ؟ ، أم هى التى تبحث عنّى . و لكن أصبح بيننا علاقة وطيدة فى الفترة الأخيرة ، أزداد حبا لها كلما استطعت حلها .
كنت جالسا أشاهد فيلما أمريكيا ، كان فى بدايته مشوقا ، و لكن ما طال هذا التشويق حتى انقلب الى هموم تتكاثر كلما توالت المشاهد . لقد أخذ الفيلم مسارا آخر ، أخذ يعرض المسلمين كأنهم "دراكولات" تمشى على الأرض، عطشى للدماء ، لا يفقهون فى شئ الا التهليل و التكبير ثم بعد ذلك التدمير ، لا يعلمون شيئا عن الانسانية ، يخيل لهم أنهم امتلكوا الجنة مهما فعلوا ، و أرخص شئ عندهم هى أرواحهم .

أما عن ملامحهم ، فهى كئيبة مرعبة ، عبوسي الوجه ، فظى الطباع ، خشنى المعاملة ، عديمى القلب ، لا يعلمون معنى الرحمة و لا الشفقة ، و أما عن أخلاقهم فحدث و لا حرج .

انتهى الفيلم ، و انتصر الأمريكان على أولئك "الدراكولات" و طهروا البلاتوه من جنسهم الى الآبد . كان الغضب قد وصل الى أوجه لدىّ . و حاولت أن أستجمع أعصابى قليلا ، و جلست على مكتبى متظاهرا الهدوء ثم سحبت ورقة ، وبدأت أكتب و أفكر .

لماذا يصوروننا فى هذا المنظر؟ ، أما فينا علماء مثلهم ؟، أما فينا حكماء و أدباء؟ ، أما يجرى فى عروقنا مثلهم دماء ؟
ثم وجدتنى أجيب تحتها : "نحن من فعلنا بأنفسنا هكذا". نعم ، كل هذه الأحداث لم يكن لها وجود قبل أحداث ١١ سبتمبر ، حينها وقفنا جميعا مهللين نشفى غليلنا بدماء أولئك الأبرياء ، و قد قال معظمنا فى نفسه و أنا أولكم "ذوقوا ما نذوق و لو لمرة". و لم ننزل الى الشوارع متظاهرين ، منددين بما حدث . و أتذكر حينها قامت القنوات الفضائية الاسلامية باطلاق مشايخها ليزايدوا بعضهم على بعض فى الحديث عن نتيجة ظلم الأمريكان و قضاء الله و قدره ، و أن الله يمهل ولا يهمل . و كأن الحادثة ناتجة عن عوامل طبيعية . و فريق آخر بدأ الحديث عن النصر المبين و كأن الجيش الاسلامى عاد من جديد ليفتح أمريكا .

و نسى الفريقان أساس الدين الاسلامى ، و أن قتل النفس بغير حق من الكبائر التى لا تغتفر . و إن كان جنديا محاربا أعزل من السلاح .

لننحى جانبا أحداث سبتمبر ، مع أنها هى الأساس .

اذا نظرنا الى أحوالنا عن كثب فسنجد أن عندما يأتى الينا السياح من كل بقاع الأرض و يروا التخلف الذى ما زلنا نعيش فيه ، فلهم الحق أن يصورونا بهمج ، فنحن نعيش فى وسط مقلب كبير من القمامة ولا أحد يبالى . عندما يأتى كل عام أسماء الدول الإسلامية على رأس قائمة الدول الأكثر جهلا و أمية ، فلما أحزن . عندما أجد الرجل طالقا للحيته متظاهرا بالإسلام و يطلب الرشوة ( إكرامية) فعلى ماذا أحزن ، و عندما أجد شباب أمتى ليل نهار على المقاهى جالسين بلا هدف و لا أمل ، فكيف أحزن. و عندما أجد أنه من النادر جدا بل و أصبحت أسطورة أن تجد واحدا يقرأ كتابا و نحن أمة "اقرأ" فكيف أحزن. و عندما يستشرى الانحطاط الأخلاقى فى كل مكان ، هنا أرجوك دعنى أبكى و ليس فقط أحزن .

و نسينا أن الدين الاسلامى كان أساس تسويقه و نشره هى أخلاق الصحابة و المسلمين الفاهمين لدينهم . فاذا رجعت لكتب التاريخ ستجد أن معظم يهود يثرب أسلموا لحسن معاملة الصحابة و أخلاقهم، حيث كان الصحابة كلما فعلوا شيئا محمودا ، سألهم اليهود "أيأمركم دينكم بهذا" فيقولوا بلى . و كذلك أهالى بلاد الفتوحات كانوا يدخلون فى الاسلام بسبب أخلاق الفاتحين و فهمهم لدينهم حق الفهم .

نحن كل ما ينقصنا الآن هو فهم ديننا ، و فهم كيف نسوق له بأخلاقنا و أدابنا و معاملتنا ، نحن نريد أن نفيق من غفلتنا ، نريد أن نعلم ما هو الهدف حقا من خلقنا ، لماذا نصلى ، لماذا نصوم ، نريد أن نفهم حقا كيفية التعامل التى نص عليها الإسلام ، و أفكار المواطنة التى انعدمت ، نريد أن نفهم الفرق بين طاعة أولى الأمر و التسليم السلبى لمن يخفق بنا و يقودنا نحو التأخر و الذى يجب الخروج عليه ، نريد أن نتعلم الأداب العامة كالنظافة و خفض الصوت أثناء الحديث و احترام حق الطريق . نعم نحن نريد أن نُبنى و نُربى من جديد .

لذا فعلينا أن نعود و نقرأ تاريخنا لنتعلم و نعلم من كنا ، حتى نستطيع أن نعى الى أين وصلنا و كيف صرنا ، عودوا معى أرجوكم و أنا أولكم لنبدأ معا رحلة كفاح من جديد ، رحلة بناء أمة ، رحلة استعادة ، أقسم لكم أن الطريق سهل و معروف و لكن أإنعدمت الهمم ؟ أإنقطعت الأمال ؟ أضاقت الصدور ؟ أعمت القلوب ؟

و لكن لا ، أعلم و كلى يقين أننا أمة ولادة و سيأتى منكم من يحمل معى على عاتقه مهمة إفاقة هذه الأمة ، و أعلم أيضا أن الله لن يخذلنا أبدا .....

عبدالله شلبى
٢٠١٠/٤/١
١:٣٢ ص

الاثنين، 29 مارس 2010

الانهيار المبشر

بعد أن هدأت الأنام و سكنت الشوارع الزحام ، ولم يبقى سوى السهارة و الهمسات الممتلئة بالحديث عن الأيام . نزلت من بيتى لأتجول فى شوارع قاهرة المعز سيرا فى ذلك الظلام الدامس.

كنت يومها مهموما جدا ، و كدت من ضيقى أن أنفجر ، ما لهذه البلد لا تفيق من كبوتها؟ ، لماذا نتدهور صامتين ؟ ، لماذا نعود الى الوراء راضين ؟، لماذا تهان كرامتنا قابلين؟ ، لماذا ننظر الى المستقبل خائفين ؟، و لماذا ننظر الى ماضينا بكل ذلك الحنين ؟، لماذا نسير أمواتا و نحن مازلنا صاحين ؟، لماذا أرانا كقوم موسى فى ذلهم و أصبحنا لرسول منتظرين ؟، لماذا تأسين علينا يا مصرنا و نحن بك فخورين؟ ، أنهون عليك و ما لنا سواك ؟، لماذا تتركين شبابك يفقدون أرواحهم على ضفاف الشواطئ هاربون ؟، و لماذا لا تحافظين على بناتك من بغاء هن له كارهون ؟، و لكن ما قربوه الا حفاظا على اخوانهن المساكين، لماذا تتركى أبنائك ينهشون فى لحم بعضهم البعض جاشعون ؟، على فتات مال ما هم له فى قبورهم بآخذين . و ما بك لا تأسى على غربة أباء لأبنائهم تاركين ؟، و وقفتى تنظرى بلا حياء على علاقة أبوة أصبحت عطف بمال على يتيم .

أخذت كل تلك الأسئلة تدور فى ذهنى و وجدت قدماى قد أخذانى الى أكثر منطقة أعشقها ، وسط البلد ، لأمشى فى شوارعها الواسعة الخالية المرشوشة بالمياه ، لأرى محالها المغلقة ، و أعمدة النور التى هى خير شاهد على أزمان ولّت و أزمان آتية. و كأن مصر تتجسد و تكلمنى وحدى و تثبت لى فى كل خطوة أنها ما زالت جميلة ، و لكن نحن من نعيبها . رأيت
المعمار الانجليزى و الايطالى يقفان شامخان يثبتان لى أننا أكبر عيب و وصمة عار على جبين تلك الشابة النقية " مصر ".
لقد قدروها حق تقديرها و خططوها و جملوها و ما كانت ملكهم و نحن من نملكها فعلنا فيها هكذا.

وجدتنى أقف أمام قصر عابدين لينظر لى هو الآخر بنظرة المليم ، و ينطق بكل عزة أنا تركى الأصل أنا مسكن السلاطين ، فماذا بنيتم أنتم يا مصريون ؟. نعم قلها و لا تخف ، بنينا العشوائيات و بنينا أكبر جراج للسيارات و أطلقنا عليه "المهندسين" ، نحن الذين جعلنا تحت كل كوبرى مرحاض عام ، و نحن من لم نخاف من حديث رسول الله حين قال " احذروا الملاعين ".

و لكن بعد كل هذا الفساد ، و بعد أن اقتربنا من الانهيار التام . فرحت ، نعم فرحت ألا يأتى بعد الليل فجرا. إنها سنة الله فى الأرض أن نفيق و نستعيد مجدنا بعد أن نندهس بأخطائنا. و لكننى خفت ، خفت ألا أكون ممن سيبنونها ثانية ، خفت أن أكون حجزت مكانى فى صفوف من سيلعنهم الأجيال القادمة ، ألا تلعن الآن أخراهم أولاهم ؟؟ ، و سدلت دمعة من عينى أغرقتنى فى بحر آخر من الهموم ، ماذا أفعل حتى أفيق هذا الجيل لنكون نحن أول المصلحين ؟؟

أنا أريد أن أكون من المصلحين ،، أأنت معى أم ستتركنى أنتظر وحدى إن شاء الله الآتيين ؟؟؟!!!!

عبدالله شلبى
٢٠١٠/٣/٣٠
١٢:٣٧ ص

الأحد، 28 مارس 2010

قلبة مخ

كنت جالسا فى احدى محاضرات مادة " تشريح المخ و الأعصاب "، مستمتعا بكل ما يقال . حيث وجدت أن عظمة الخالق ، أراها تتجلى أمام عينى فى خلق ذلك العضو المعقد جدا فى الجسد ، و الذى بات كالصندوق الموصود أمام جميع علماء الطب، و لم يستطع أحدهم فك شفرته الى الآن بالرغم مما توصلوا اليه من تقدم فى العلم.

قال الدكتور جملة - محاولا تبسيط الشرح لى - دوّت فى أذناى كالطلقة ، حيث قال " كل حاجة فى المخ مقلوبة ، اليمين شمال و الشمال يمين".

قالها من هنا و سرحت أنا الى عوالم أخرى من هنا، متأملا فى هذه الجملة الخطيرة ، التى تحمل على عاتقها فلسفة الحياة بأكملها، و القمة التى يصل اليه جميع الفلاسفة و الشعراء و الحكماء .

أرجعنى الدكتور من تيهتى ، و سألنى مبتسما" ايه يا عوباد ، روحت فين ؟"، فرددت عليه " انت عارف إن الجملة دى قوية آوى "
قال " ازاى؟؟ " ،

فقلت " إن النفس يصعب عليها أن تتحمل أداة الطاعات ، و لكن من دواعى سرورها أن تفعل الموبقات . و إن مجاهدة النفس هى فقط أن تجاهدها عن كل ما تشتهيها ، حيث أنها لا تشتهى دائما الا المحرمات ، لذا فإن كل حاجة فى المخ مقلوبة ، اليمين شمال و الشمال يمين ".....


عبدالله شلبى
٢٠١٠/٣/٢٨
١١:٤٤ م

السبت، 27 مارس 2010

ستاند آب ... للعولمة

صحوت من النوم أمس ( الجمعة ٢٠١٠/٣/٢٧)، مقررا أن أفعل شيئا جديدا، و بالفعل بعد تفكير و بحث عن شئ أملأ به اليوم، قررت أن أذهب الى حفلة ال ( ستاند آب كوميدى ) التى أقيمت فى قاعة المؤتمرات.

ذهبت و يسر الله لى أن أجد تذكرة - حيث كانت الحفلة ممتلأة بأكملها - من غير معاناة . كنت فى الواقع ذاهبا الى تلك الحفلة معتقدا أن من سيقيمها هم الشباب المصرى ( جورج عزمى و أقرانه)، و لكن ما أن أمسكت بورقة الدعاية للحفل، اكتشفت أنهم أناس لم أسمع عنهم من قبل ( أحمد أحمد - شوجار سامى - دين عبيد الله و آخرون)، توقعت من أسمائهم أنهم أيضا مصريين، و تلك الأسامى هى للشهرة فقط . بل اكتشفت و أنا على باب الحفل أنهم جميعا أمريكان . تفائلت خيرا حيث أننى من محبين الكوميديا الأمريكى فى هذا المجال على الآخص .

بدأت الحفلة، و كانت ممتعة جدا و الضحكات تعلو ، و (القفشات) جميلة جدا، و لكننى بعد فترة قليلة قررت أن أمعن التركيز فى كل كلمة يقولونها. و حدثت المفاجأة كما توقعت بالضبط، لقد بدأ يأخذ الكلام طريق آخر غير الذى كان عليه، ألا و هو طريق العولمة.

أعلم أنك تتعجب من علاقة ال (ستاند آب ) بالعولمة، و لكن سأبدأ معك من البداية:
أولا العولمة هى كلمة مشتقة من كلمتين معا ( العلم - الهيمنة) أى ( علم الهيمنة) ، و هى هيمنة الثقافة الأمريكية فقط على كل ثقافات العالم الآخرى . و يجب أن نعترف أنهم نجحوا بل و تفوقوا فى ذلك بشدة . و هدف العولمة هو تصدير الثقافة الأمريكية بسلبياتها و إجابياتها لكل بقعة من بقاع الأرض ، حتى نكون جميعا عالما واحدا أى عالما أمريكيا.

نعود الى الحفلة:

بدأ الكلام كما قلت ، يأخذ اتجاها آخر غير الذى كان عليه . أولا بدأ بالسخرية من أفكارنا (الرجعية) عن فكرة المواعدة أو الصداقة الحميمة بين الشاب و الفتاة . ثم دخل واحدا آخر و بدأ فى السخرية من نقطة أخرى ألا و هى اعتقادنا (العجيب) عن الخمر و أنها حرام، مبررا كلامه أن له صديق مسلم لا يحتسى الخمر، و كلما جلسوا جميعا هو و أصدقائه يشربون الخمر ظل هو - المسلم - جالسا كالأبله و لكهنم يكونون فى حالة من الضحك و النشوة . ثم دخل بعده واحدا آخر ليلطف الأجواء و يهدئ اللعب قليلا، فبدأ يتحدث عن معاناة المسلمين فى أمريكا و صورة الإرهابى التى تثبت على أى شخص طالقا للحيته حتى و لو كان ملحدا.

وجاء فى آخر الحفل واحدا - كان قد سبقه اثنين آخرين لم يقولا شيئا ملفتا - إيرانى الأصل ، و لكنه أخذ يضرب على نقطة ملتهبة بكل ما أوتى من قوة، ألا و هى إيران و وضعها العالمى الآن . بدأ بالسخرية من ديمقراطيتها ، ثم من شعبها ، ثم من رئيسها ، ثم من الخمينى نفسه ، ولم يسلم بالطبع تطورها التكنولوجى فى مجال الحرب و النووى و الأقمار الاصطناعية.

أصابنى فى الدقائق الآخيرة ، دهشة و خوف معا. الدهشة مما تسمعه أذناى من فكر موجه و مدروس و محكم . حيث أنهم يعلمون تماما أنهم يتكلمون الى صفوة الشباب المصرى (ماديا و علميا) . و الخوف أن كل تلك الشباب كانوا يضحكون مما يقال، لا تستعجب ففى علم النفس معروف أن عندما تتحرك مشاعرك - مع أى حدث - الى مشاعر فرح أو مشاعر حزن فهذا معناه أن عقلك الباطن تقبل هذا الكلام (الحدث) و رسخ فيه مصدقا عليه.

عدت الى بيتى مهموما و الأفكار تكاد من كثرتها أن تشق دماغى الى نصفين . أعلم أن أمريكا دولة مؤسسات و أنهم لا يأخذوا أى خطوة الا بعد أن يدرسوها على أكمل وجه ، فبدأت أتساءل هل هذه الحفلة و كل تلك الدعاية و المصاريف و التكاليف فقط للتسويق عن ( منتج " كيك " جديد ؟ ، هل كل هذا السيناريو المحكم من قبل المتكلمين كان ارتجاليا و غير مدروس؟ ، هل هو اعتباطيا أو صدفة أن يكونوا معظم المتحدثين مسلمين ؟

قصصت على والدى ما حدث ، و طرحت عليه تلك الأسئلة ، فاضطرب هو الآخر و رأيت فى عينتيه علامات الحزن و الآسى .

فى نهار اليوم التالى، صحوت مقررا أن أبحث عن كل المعلومات التى تخص شركة " ايديتا " لعل ذلك ينفعنى فى الإجابة عن تلك الأسئلة. و كان بالفعل ، اكتشفت أن شركة "ايديتا " هى تابعة لشركة " هوستس العالمية" الذى يرأسها حاليا " كريج د. چانج ". هذا الرجل فى عام ٢٠٠٠ كان رئيسا لإحدى الشركات التابعة لشركة " كوكاكولا" و هو صاحب قرار دعم كوكاكولا لإسرائيل مباشرة بحصة ثابتة من الربح أثناء تدهور اقتصادها بسبب الانتفاضة ، و هو أيضا الذى رأس شركة " بيبسى" اليهودية بعد ذلك.
بدأت أجد أجوبة مقنعة على أسئلتى ، إن هذه الحفلة لم تكون لدعاية عن المنتج فحسب ، فإنها دعاية للسياسة الأمريكية فى الأصل ، لم يكن السيناريو بالطبع ارتجاليا فهو مدروس و محفوظ و موجه، و فكرة أن يأتوا أشخاص لهم أسماء مسلمين يتحدثون عن أمور فى العقيدة ما هى الا خطة لتذويب أى حاجز جليدى بيننا.

دخل علىّ والدى و عيناه تملأهما الغضب و أنزل علىّ سيلا من الأسئلة ، لماذا لم يتكلموا عن سياسة أمريكا و مقتل أكثر من مليون عراقى جلّهم من الأطفال، لماذا لم يتحدثوا عن تشريد خمسة ملايين عراقى فى أنحاء العالم ، لماذا لم يتكلموا عن أمريكا و ديمقراطيتها الغراء بأن من ليس معها فهو ضدها ؟

جاوبته و بكل هدوء لأنها كانت ستاند آب ... للعولمة !!!!


عبدالله شلبى
٢٠١٠/٣/٢٨
١:٠٨ ص

الخميس، 25 مارس 2010

اللعـــب مع إبـلــيـــــــــس

عام تقريبا و أنا على هذا الحال . فى صراع يومى مع نفسى و مع شيطانى ، أحاول جاهدا ألا أعود على ما كنت عليه . و لكن ما أن تهدأ الأمور ساعات إلا و كانت العاصفة أعتى و أشد.


فكل مرة ، يبدأ شيطانى بالوسوسة ثم تبدأ نفسى بالرد عليه ، فترينى أمام عينى كل ما كنت أفعله و يعلو صوت إبليس فى أذنى بل و يسهل الىّ طريق العودة، ويفرشه لى بالورود و الأمانى و الشهوات . و لكن الحمد لله ما زلت أكرهه و أبعد عنه - مستعينا بالله - و مؤمنا أننى كلما توغلت فى الإيمان زاد الامتحان صعوبة و الثبات مشقة . و لكن أؤمن أن هذه هى سنة الله كما قال فى كتابه " الم ﴿١﴾ أَحَسِبَ النّاسُ أَن يُترَكوا أَن يَقولوا ءامَنّا وَهُم لا يُفتَنونَ ﴿٢﴾ وَلَقَد فَتَنَّا الَّذينَ مِن قَبلِهِم ۖ فَلَيَعلَمَنَّ اللَّهُ الَّذينَ صَدَقوا وَلَيَعلَمَنَّ الكٰذِبينَ "


و لكننى بشر ، فبالطبع لى ذلات أخفق فيها ، و لكن الحمد لله الى الآن لم أعود لارتكاب تلك الآثام مرة أخرى ،مع أننى مرات أقصر فى النوافل و التعلق بالله و أمور هكذا . و ذلك أيضا من سنن الله أن الإيمان يعلو و ينقص.


فى احدى جلسات العلاج بالالهام مع صديقتى جهاد ، كانت تحكى لى عن معانتها هى الأخرى مع إبليس ،لكنها توصلت الى طريقة للعب معه، و هى أن تزيد من الطاعات كلما زاد فى الوسوسة، فمثلا إذا وسوس لها بتأخير الظهر، قامت و صلت الظهر مع ركعتين سنّه ، و هكذا حتى بدأ شيطانها فى اللعب معها بطريقة أخرى و هى أن يأمرها بالإسراع الى الصلاة ، فاكتشفتها أيضا . فهى فى حالة لعب مستمر معه.


قررت أن أفعل مثلها، و فعلت و الحمدلله نجحت ( حتى الآن) ، و أول مرة فعلت فيها ذلك ،


أقسم لك أننى شعرت بشيطانى و هو يحترق من فعلتى ، و خاصمنى يوما كاملا ، و لكننى أعلم أنه لا يطيق فراقى فعاد من جديد و بحيل جديدة .



و لكننى مستمتع ب " اللعب مع إبـلــيــس"، فهل لك أنت تنضم الينا و تلعب أنت الآخر مع شيطانك ؟؟؟؟؟؟؟


عبدالله شلبى

٢٠١٠/٣/٢٥
٩:٣٥ م.

الأربعاء، 24 مارس 2010

الحـــل ورقـــة

كنت جالسا أمس فى احدى المقاهى الفاخرة بشارع جامعة الدول، أستذكر بعض الدروس فى مادة الكيمياء الحيوية، حيث أننى من أكثر الكارهين لهذه المادة بالذات - بالرغم من سهولتها الى حد كبير- فلم أجد مفرا من جمع كتبى و الذهاب نحو هذا المقهى، حتى أبعد لفترة عن اللاب توب و الفيس بوك و كل الملهيات، لأجمع تركيزى لامتحان اليوم .

و بينما أنا سابح فى بحر علم لا أفقه فيه الكثير، دخل شاب و معه فتاة ( لعلها خطيبته)، و جلسا أمامى . كنت أرى الفتاة من ظهرها فقط ، كانت الفتاة تبدو و كأنها متحجبة، ترتدى بدلة (جينز) .

و لكن فجأة، اتضح لى أن هذه الطرحة تكشف ما تحتها من شعر. فشعرت بالضيق، و تركت قلمى و بدأت أفكر هل أتركها و شأنها و أكتفى بالدعاء لها؟؟، و لكن صوتا بداخلى بدأ يعلو و يقول ألن تتخلص من سلبيتك؟ ، ألن تكسر القيود التى صنعتها بنفسك لنفسك؟، أتدعو دائما دائما الناس من حولك للإجابية و أنت أول من يغيب عنها؟، أتفعل مثل اليهود حينما قال الله عنهم "أتأمرون الناس بالبر و تنسون أنفسكم" ؟؟

وقعت فى حيرة، و بدأت أسأل نفسى إذا ماذا أفعل؟، هل أذهب لها و أتكلم معها و لكن بأى صفة؟، فكرت فى أن أتكلم مع ذلك الشاب التى هى برفقته و لكن ماذا سيكون رد فعله، ممكن أن يتهمنى بإمعان النظر فيها و البحلقة !!!

سيل من الأسئلة هبط علىّ ، لم أكن أعرف ماذا أفعل ، و لكن شيئا وحيدا كنت متأكدا منه أننى إن لم أفعل شيئا، سأصيب بتأنيب الضمير طيلة حياتى . كان الوقت يمر سريعا و أزداد توترا، و أخشى أن يفوت الوقت و ينصرفا و أنا لم أتوصل لحل بعد.

هدأت من نفسى قليلا، و أغمضت عينى و بدأت أردد دعاء الاستخارة . مرة ، فالثانية ، فالعاشرة و هكذا. فتحت عيناى، فوجدت أوراقى تملأ الطاولة من أمامى، نعم "ورقة" وجدت الحل " الحل ورقة" " الحل ورقة". كدت أن أطير من الفرح حينها.

سحبت ورقة، و كتبت عليها الآتى:
أساسيات الحجاب

١- لا يصف
٢- لا يشف
٣- ألا يشابه ملابس الرجال
٤- ألا يكون معطرا
٥- يغطى من الوجه الى الكفين حتى الكعبين


طويتها، و قمت للذهاب نحوهم، أقسم لك أننى كدت أن أسمع دقات قلبى من قوتها، و كنت أشعر برجفة، فأنا لا أعرف ما هو رد الفعل الذى سيحدث. وقفت أمام طاولتهم، و ألقيت السلام عليهم، ثم اقتربت من الشاب و قلت له هامسا فى أذنه " هديك ورقة دلوقتى، ابقى اديهالها تقرأها بعد لما تمشوا". هز الشاب رأسه موافقا على كلامى فأعطيتها له و انصرفت.


ما أن وصلت لطاولتى، لبثت لثوانى حتى استطعت أن ألتقط أنفاسى من جديد، كنت فى غاية السرور لقد فعلتها. فعلت ما عاهدت الله أمام الناس و أمام نفسى أن أفعله، لقد كسرت قيود السلبية، و بدأت أن أجلى صدأها الذى اعتلانى منذ سنين.
حمدا لله على هذا، حمدا لله دوما و أبدا . سأكون بإذن الله إيجابيا دوما.....

عبدالله شلبى

٢٠١٠/٣/٢٤
٨:٤١ م.

الثلاثاء، 23 مارس 2010

أيام جهاد

أولا هى قريبة، ثم أصبحت صديقة، و لكن سرعان و كانت شريكة. انها صديقتى و شريكة فكرى جهاد.

فى البداية بدأت مقابلتنا بعد مكالمة هاتفية دارت بيننا، و كانت تشعر هى بالضيق، فدعوتها لجلسة فضفضة - فمنذ سنوات و أنا أعشق مجال العلاج النفسى و قرأت فيه كثيرا و عملت فيه على نطاق الأصدقاء أكثر- لتشكى الىّ همومها و تبث لى حزنها.
و بالفعل التقينا و بدأ الحديث بيننا و شرعت هى فى الكلام، و أنا منصت لكل حرف. و لكن كان وراء الكلمات شخصية لم أعرفها من قبل، فهى مفعمة بالحيوية، و جواده لأبعد مما تتخيل، و واسعة المعرفة، و تتمتع بمرجعية دينية متفردة، فهى من القليلون الذين يفهمون الدين، فشتان بين من يطبق الدين فاهما و من يطبقه ناقلا.

بعد أول مقابلة، علمت أننى كنت المستفيد الأول، فلقد أمددتنى بخبرات فى الحياة و معلومات فى الدين لم أكن ببالغها بعد. فأنا أبحث دائما لفهم الدين، حيث أننى أشهرت إسلامى منذ سنة تقريبا - نعم ولدت لأسرة مسلمة و كتب فى بطاقتى منذ سنين فى خانة الديانة: مسلم و لكن ما معنى أن تلقب بمسلم و أنت لا تفهم عن هذا الدين شئ . فشتان أن تطبق الدين فاهما، و أن تطبقه ناقلا.

فى المرة التالية أيقنت بشئ جديد، لقد سمعت عن جلسات العلاج بالتنويم، و جلسات العلاج النفسى و لكنها إبتكرت شيئا جديدا و خاصا جدا و هو جلسات العلاج بالالهام. نعم، مصطلح عجيب و لكن هذا ما يحدث ، فنحن نجلس معا و نتبحر بالكلام فى كل شئ فى المجتمع و فى الحياة و فى الدين، فى يومياتنا و نجلس لنتجلى و نحلق لدقائق فى سماء الفكر الواسعة.

و تتوالى الى الآن لقائاتنا أقصد جلسات العلاج بالالهام ، دمتى لى يا جهاد ملهمتى و صديقتى للأبد ان شاء الله....

عبدالله شلبى
٢٠١٠/٣/٢٣
٢:٥١ م

السبت، 20 مارس 2010

تربية شعب

لن أستطيع أن أبدأ بمقدمة، سأحكى لك الموقف كما حدث لى :

كنت واقفا على الكاشير فى سوبرماركت مترو أنتظر دورى فى دفع الحساب، و عندما أتى الدور علىّ وجدت من يأتى من خلفى و يضع مشترياته أمام مشترياتى و كأننى غير موجود بالمرة (كانت حجته البادية أنه معه شيئا واحدا سيدفعه و ينصرف مسرعا)، و لكن فوجئت باثنين آخرين تقدمونى لنفس السبب.

نظرت اليهم فى تعجب شديد، وامتعضت شفتاى، لاحظت تلك التعبيرات عاملة الكاشير فنظرت هى الأخرى لهم فى ضيق ثم نظرت الىّ و ابتسمت فأذنت لهم، و شاهدت أمام عينى كشريط السينما يمر فى لحظة و يرينى المزيد.
إن هذا الشعب لم يتربى على احترام الطابور فلقد حدث لى مثل هذا الموقف مرات فى أماكن عديدة و لكن مرات أتغاضى - و أعمل فيها ذوق - و مرة أوبخ من فعل ذلك. و ذلك هو نفس الشعب الذى تجده واقفا فى طابور على شكل مثلث ( رأسه واحد أمام المنفذ و قاعدته خمسة أشخاص فى آخره) .

و هذا الشعب أيضا هو من أنشأ قانون (البوز base) فى فن قيادة السيارات. و هذا الشعب أيضا هو من يسير فى الشارع عكس الإتجاه و يجبر من يسير منضبطا على الرجوع لأن وراءه من المتخلفين كثير، و ليس هناك أحد وراء من يسير صحيحا.

و هو نفس الشعب الذى كبر و الزبالة كبرت معه لتحيطه و هو يسير من كل جانب، فأصبح شيئا طبيعيا. والغريب أنه يدفع شهريا مصاريف لتنظيف تلك الشوارع و لكن عمره ما اعترض و قال " مش هدفع حق خدمة مش بأخدها".

أليس هذا هو الشعب الذى نشأ جل شبابه يحلمون بالوظيفة الحكومية ليتمرمغوا فى تراب البيروقراطية؟ و هو نفس الشعب الذى يجب عليك أن تنهى إمضاء ورقة حكومية فى ثلاثة أو أربعة أيام - إن لم يكن شهرا.

أسئلة كثيرة و سلبيات أكثر، و لعلك تقول فى نفسك أننى أنظر الى نصف الكوب الفارغ، ولكن أخشى أن تكون أنت من ينظر الى أى كمية مياه و للأسف لم يعد سوى نقطة. و تذكرت كلمات الكاتب الكبير "وحيد حامد" :

كيف نريد أن نتقدم و نحن شعبا يبول فى النهر الذى يرويه أرضا و بشرا؟
كيف نريد أن نتقدم و نحن شعبا يتحدث طوال الوقت عن الدين و لا يعمل به؟
كيف نريد أن نتقدم و نحن شعبا تعود على الاستسلام و الخنوع؟
كيف نريد أن نتقدم و نحن شعبا بات لا يعرف كلمة لا؟
كيف نريد أن نتقدم و نحن شعبا يرى أحواله فى تدهور و مع ذلك يلتزم الصمت؟
كيف نريد أن نتقدم و نحن شعبا لا يقدر ثقافة العمل و أنه أساس القوة و الرخاء؟
كيف نريد أن نتقدم و نحن شعبا لا يهمه العلم و لكن تهمه الشهادة؟

فكرت فى حل لتلك المواقف، و لكن بما أن دراستى كطبيب تغلب علىّ، فبدأت بتشخيص المرض بعد أن عرفت الأعراض. فالمرض هو "سوء تربية" نعم و للأسف نحن نحتاج الى إعادة تربية. و سرعان ما قفز الى عقلى قول الله تعالى (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَومٍ حَتّىٰ يُغَيِّروا ما بِأَنفُسِهِم ۗ ) ، و لكننى توقفت للحظة، إذا كان من السهل على الإنسان أن يغير نفسه و يربيها فما كان الداعى من بعث رسل و أنبياء؟، فكان كافيا جدا أن ينزل الله كتابه و ليقرأه كل واحد فينا و يربى نفسه بنفسه. و لكن الله بعث بالرسل و الأنبياء ليكونوا قائدى حركة التغيير و يكونوا أسوة للناس. حتى يقوموهم إذا أخطأوا ، و يحفزوهم إذا نجحوا، و يشجعوهم حتى يثبتوا.
لذا نحن نحتاج فى الفترة القادمة الى قائدا مربيا ، و معلما مربيا ، و مواطنا أيضا مربيا. يجب أن تعلو فى نفوسنا حركة الإصلاح و التربية و التغيير ، يجب ألا يصمت أى أحد منّا على أى خطأ يراه، يجب أن نرتقى بثقافة قبول النقض، و عندما ننقض يكون نقضا بناءا و لا يكون توبيخا - فإن النصيحة فى العلن فضيحة. حتى نصل الى قول الله تعالى (كُنتُم خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَت لِلنّاسِ تَأمُرونَ بِالمَعروفِ وَتَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ وَتُؤمِنونَ بِاللَّهِ ۗ )...
عبدالله شلبى
٢٠١٠/٣/٢٠

الخميس، 18 مارس 2010

الأربعاء الراقص

بعد الأحداث المؤسفة الآخيرة التى حدثت فى القدس. كأى مسلم غيور على دينه، غلى الدم فى عروقى و تعجبت لضعفنا و ذلنا. فما يقرب من المليار و النصف مليار مسلم فى العالم وقفنا جميعا نشاهد ما يحدث صامتين مستكينين و للأسف مهزومين. و ما زاد الموقف هراءا و سفالة، افتتاح المعبد اليهودى ابن ميمون بالقاهرة، فى نفس توقيت افتتاح كنيس الخراب تقريبا. و كأنه أسبوع الانتصارات اليهودية فى بلاد المسلمين. قمت بإرسال رسالة لطلبة دفعتى و رؤساء "الجروبات" المتعلقة بجامعتى "جامعة ٦ أكتوبر" الغراء، أدعوهم فيها لجعل يوم الأربعاء ١٧ مارس، يوم حداد على ما يجرى فى أقصانا الحبيب مرتدين زيا أسودا و الشال الفلسطينى و أطلقت عليه "الأربعاء الصامت". و كان هدفى هو تجديد مشاعرنا و ايقاظ فكرة الانتفاضة فى نفوسنا. و توقعت فى نفسى أن جامعتى على وجه الخصوص أفضل مكان لترويج الفكرة، بما أنها تضم أغلب الجنسيات العربية و المسلمة.

جاء يوم الأربعاء و ذهبت للجامعة مرتديا ما تم الاتفاق عليه، و حينما وصلت وجدت جمعا من الناس مرتدين الزى نفسه ، فاستبشرت حقيقة خيرا، و توقعت أنه سيحدث شيئا. ما هى الا بضع ساعات و انطلقنا بعد اليوم الدراسى الى ساحة الحرم الجامعى، والأفكار فى مخيلتى لم تتوقف للحظة.

وفجأة،،،،،
و بدون أى مقدمات رأيت ما أوقفنى متمسمرا فى مكانى، لقد قررت جامعتنا الغراء أن تجعل اليوم، "يوم احتفال الجاليات" ، حيث يقوم طلاب كل دولة بعمل خيمة لهم تضم أهم عادات و تقاليد هذه الدولة (من رقص و غناء و فقط) - لعلك توقعت شيئا آخر- و كأن القائمين على الجامعة و طلابها و وافديها، لم يهيبهم الله نعمة المشاعر و الأحاسيس، و كأن ما يجرى فى عروقهم ثلجا و ليس ماءا-( فالماء و الدماء قابلين للغليان).

تمالكت نفسى، و قررت أن أسير وسط الحشود لأدعو للقيام بوقفة احتجاجية، وكلما أتكلم مع أحد رحب بالفكرة و لكن ما هى الا ثوانى و أعرض عنها. بعد حوالى ساعة وقفت فى مكان التجمع و الحق يقال لقد تجمع بعد كل تلك المعاناة ١١ فرد، و الغريب أنهم كانوا ١٠ مصريين و فلسطينى واحد. و للأسف لم نستطع لفت الانتباه فلم تكن معنا شارة أو علم و لم نكن الا كغرقى فى بحر مظلم.

التفت خلفى فوجدت أمام الخيمة الفلسطينية تجمع، و واحد محمول على الأكتاف و أصوات تعلو و أياد مرفوعة فى الهواء، و الحشد فى تزايد. لمعت عيناى و دق قلبى طربا من جديد و بدأت التقط أنفاسى، و انطلقت نحوهم و أقدامى يكادا يحملانى للطيران، فقد نبتت الفكرة و كبرت ،، وا فرحتاه ، وا نشوتاه ، حمدا لله لقد فاقوا من غفلتهم.

و لكن ما أن وصلت عندهم حتى وجدتهم اجتمعوا جميعا على غرس أنيابهم و مخالبهم فى جسدى، لقد وجدتهم يغنون و يرقصون، و هذا المحمول على أكتاف يغنى والجمع يرد عليه، و تلك الأيادى التى ارتفعت ما ارتفعت لتهتف و لكنها ارتفعت لتصفق، وا أسفااااااااه ، وا مصيبتااااااه،، وا شباباااه..

ارتفع ضغطى حتى بدأت أشعر أنى سأصاب بنزيف داخلى فى أى لحظة، فقررت أن أنصرف بعد أن حولوا يوم "الأربعاء الصامت" الى "الأربعاء الرقص"..

و أنا فى الطريق لسيارتى ، بدأت أفكر فى كل ما حدث اليوم و خلصت بأن توصلت للأفكار التالية:

١- لقد نجح رجال أمن الدولة فى إخماد روح الشباب الفلسطينى و تقييد عزيمتهم، حيث تحدث معى شاب فلسطينى و كان هو رئيس الخيمة الفلسطينية، فقال لى أنه جاءه واحدا من أمن الدولة و حذره من قيام أى مظاهرات و الا سيتم ترحيلهم فورا.
لك الحق أن تتعجب فيما سأقوله، لقد شعرت بالأمان، نعم الأمان ، فنجاح أمن الدولة اليوم أظهر لى أن لهم أيادى فى كل مكان و لا يفوتهم شئ ، أليس هذا دورهم أن يحمونا من أى أجنبى ؟؟؟؟

٢- لن يعيد الأقصى سوى المصريين و أسف لعدم قولى المسلمين، لأننى ما رأيت اليوم من عزيمة فى نفوس هؤلاء الشباب المصرى أعنى لى الكثير، و أرجوك لا تقول أن هؤلاء الشباب فقط هتيفة أو مدمنوا شغب و صياح، لا، و لكن هؤلاء الشباب مازالوا يحملون هم الأقصى و مازالت الفكرة حية بداخلهم. و لعلك رأيت أن طلاب جامعة القاهرة هم الوحيدون الذين لم يهدأوا و لم يتوقفوا عن المظاهرات منذ يوم السبت الماضى دونا عن باقى الشعوب العربية و الاسلامية الأخرى .

٣- ايانا أن نعتمد يوم تحريرنا للأقصى ان شاء الله على أى أحد سوى أنفسنا (نحن المصريين) و أهل البلد من الفلسطينين، و لعل هذا هو الطبيعى تاريخيا، فعندما حرر صلاح الدين الأقصى حرره بجيشه فقط و لم يعتمد على امدادات عربية، و لكن فى ١٩٤٨ عندما اجتمعنا نحن العرب لتحرير فلسطين حدث ما يعلمه الكل من خيانات تبعها انهزام....

أيام مع الالهام-- ٣

"عبد الله ، عبد الله أصحي يللا صلاة الفجر " كان عمرو ينادي عليّ، فأفقت وذهبت لأتوضأ، بعد الصلاة كنت على وشك أن أعود للنوم ولكنني رأيتهم مجتمعين فى الخارج، فنشطت وغلبت نومي وذهبت لأجلس معهم ، مر قليلاً من الوقت الممتلئ بالنكات والضحكات العالية ثم أتي الينا جمعه يخبرنا أن الإفطار جاهز، فطلبنا منه أن يأتنا به ، جاء الإفطار على طبلية طويلة جداً مستطيلة الشكل تكفي أن يجتمع حولها من 10-12شخص يحملها اثنين من العمال. كان الأكل عينات يمكن أن يستخدم فى الحلفان عليه أكثر وأنفع من أن تأكله . فكان عبارة عن مثلث جبنة و"طقطوقة " بها خمس حبات فول على الأكثر ونصف قرص طعمية؛ الطعمية بالذات اتضح لي أن وصلهم فى سيوة شكلها فقط وليس مكوناتها ، فطعمها كان لا يمت بأي صلة للطعمية المصرية لا من قريب ولا من بعيد ، كان هذا لكل واحد فينا ولكن كنا جميعا نتشارك فى طبق به بعض من مربي الفراولة.

أكيد لا تسألني ماذا أكلت ولكن إذا أصررت أن تعرف ، فجهز نفسك ، طبيعي الطعمية لم أقترب منها، والفول كذلك ، فأخذت بعمل سندويتشات جبنة بمربي . فأدم وزيزى كانا لا يأكلان الجبنة فكانت مصلحة لي. المضحك فى الموضوع أنني كنت أضع المثلث الواحد بنقطتين أو ثلاث من المربي فى رغيف بالكامل. فالجوع فى الصحراء كافر بمعني الكلمة فيجب أن تتحصن جيداً. بعد الأكل أرتدينا المايوهات وذهبنا لننزل فى العين التي بالمعسكر.

وضعت قدمي أولاً فى الماء ، فكان ساخنا بشكل فظيع ، وأنا متعود أن استحم صيفا وشتاءاً بماء فاتر ، فلا أصف لك شعورى حينما نزلت بكاملي فى العين ولكنك تشعر باسترخاء فى جميع عضلات جسمك وأن كل ما بك من إرهاق وآلام يذوبان فى الماء.

خرجنا بعد حوالي نصف ساعة ، وبعد أن جففنا كانت قد وصلت سيارات ال"لاند كروزر" اللاتي ستقلنا فى رحلة السفاري، كانوا 4 سيارات فى انتظارنا . "عبده " الذى كان جالساً يغني ليلة البارحة واحداً منهم بسيارته فعلي الفور ركبت معه. وركب معي أيضاً بهاء وحازم وعمرو وعبد الرحمن الذى فى الأصل أسمه (عمر) وعمر منصور.

انطلقنا متجهين نحو الصحراء ، كانت المناظر من حولي خلاّبة جداً، كان هناك سلسلة جبال شكلهم يقترب كثيرً من شكل أهرامات الجيزة وكأنهم أهرامات ربانية الوقت كان يمر ممتعاً حيث كان عبده يشغل أغاني تتواءم مع جو الصحراء وكنا كلنا نغني ونصفق معهاً لم تكن القيادة عادية فى الصحراء فكانت شابه بالمغامرة وكان عبده سائقاً متمكناً للغاية (حفظه الله) فكان يقفز من على الجبال الرملية بالسيارة ثم يتسلق الآخر ثم يمشي بشكل دائرى ، كانا التشويق والإثارة يمتزجان مع المتعة فتشعر بشعور لا يمكن وصفه حتي تجربه بنفسك. توقفنا عند سفح جبل يمتلأ باطنه بفتحات تشبه الشبابيك وعرفنا بعد ذلك أنها مقابر الرومان . صعدنا الجبل وتوجهنا نحو صخرة ، كان بها آثار أقدام يرجع عمرها الى عشرة مليون سنة. كانت تلك الآثار تشبه القدم الأدمية كثيراً ولكنني شككت فى صحة الكلام بأن تعود هذه القدم لأدمي عمره 10 مليون سنة . لأن من المفترض أن الإنسان يصغر فى الحجم كلما تطور ومرت السنون لكن هذه القدم كانت أصغر من قدمي. تركتهم يتصورون حول الأثر ومشيت بعيداً عنهم حتي وصلت إلى حافة الجبل ، وأطلقت العنان لفكرى متأملا منظر الصحراء البديع وتلك النباتات الصغيرة التي تدل على وجود الحياة فى أكثر الأماكن بؤساً وذلك الجبل الذى يقف شامخاً وتأتي من وراءه الشمس ، كامرأة وضعت رأسها على كتف رجل شديد البنية فينطلق نور وجهها ليضئ الكون بأسره، وحبات الرمال التي تركب الريح لتتحرك مفعمة بالحيوية والنشاط ، كالصبية الصغار يلعبون ويركدون منظر بديع كل تلك العظمة التي تراها نصب عينيك تجعلك ترتجف من داخلك وتجعل كل خلية فيك تنطق بورع شديد وتقول "سبحان الله الأعلى" عدت إليهم والتقطنا بعض الصور ثم نزلنا وركبنا ثانية السيارات وانطلقنا مجدداً.

وصلنا الى بحيرة شديدة الاتساع، توقفنا هناك ، كانت المياه مالحة فلم تكن مشجعة على النزول فيها. فقط وقفنا فى المياه حتي لامست أقدمنا أو أعلي قليلاً. دقائق والتفت ورائي فرأيت السيارات قد عدلوا أماكنهم وشكلوا شكل "مربع ناقص ضلع". وربطوا فى سقف السيارات خيمة وأعدوا مكاناً للجلوس ، ثم سمعت صوت حميدة ينادي علينا ويقول الأكل جاهز "أكل " !!! كذبت أذناي أولاً ، قلت لعلني سمعت خطأ توجهت نحوهم على الشاطئ، فوجدت طبلية مستطيلة كتلك التي بالمعسكر وقد وضع عليها أطباق من الجبن المقطع عليه الطماطم والشبت والخضرة والبصل وأطباق من التونة المعدة بنفس الطريقة وخبز ساخناً وعصائر وفاكهة وكأنها منحة ربانية والله كان قلبي يرقص فرحاً من المنظر وأكاد ان اسمع معدتي وهي تطلق الزغاريط فرحة بكل ما تراه. فكنت من شدة الجوع قد نسبت الإحساس بالجوع. لم آكل فى حياتي بمثل هذا الاستمتاع، لقد كنت أتذوق اللقمة آلاف المرات وهي بفمي، حقاً الأكل له طعم آخر بعد الجوع. كان هذا أفضل بالنسبة لي من أفخم مطعم بجوار برج أيفل فى باريس مطلا على النهر مباشرة.

أكلت وارتويت حتي ظننت أنني أحلق فى السماء من نشوة الفرح وكانت مثل كل مرة نجتمع لنأكل فيها ، فالبعض لا يأكل الجبن وبعض أخر (من البنات) يستحين أن يأكلا أمام الشباب ، كان كله يصب فى مصلحتنا أو مصلحتي شخصياً، صلينا الظهر ثم انطلقنا بعدها نحو عين فى واحة وفى وسط الصحراء وهنا حقاً رأيت ما لا يستطيع قلما أن يوصفه لون الرمال الأصفر من حولك كلما مددت بصرك ، ثم بقعة خضراء يتضح لك أنه نخل عندما تقترب منها ، يتوسطه عين من الماء ، أعلم أنك لم تشعر هذا الشعور إلا إذا ذهبت ورأيته بنفسك . تلك العين التي ظللها النخيل كانت ساخنة جداً مثل السونا بالضبط اكتفيت بالجلوس على ضفافها وإنزال أقدامي فيها. نزل طوني ووسام فى العين، صليت العصر ثم انطلقنا بعدها إلى عين ثانية ، كان منظرها أبدع وأروع وكانت أوسع بكثير من أي عين أخرى . حيث كان من حولها جميعاً صحراء . اللهم إلا بعض النباتات المائية التي تنمو على ضفافها بكثافة ، كان منظرها مشجع جداً حتي أنزل فيها، ولكن بمجرد أن لامست قدماي الماء، كاد عقلي أن يذهب وسبحت فى عالم آخر من الأفكار. كان الماء شديد البرودة وكأنك تنزل فى المحيط الأطلنطي، يا الله لماذا تفعل فىّ كل هذا لقد أريتني من عظمتك فى بضع ساعات ما لا يتحمله قلب بشري ، أم تريدني أنتقل من مرحلة الإسلام لمرحلة الإيمان فلهذا تريني عظمتك وتجعلني أتفاعل مع قدرتك ، أم تردني أن أفهم فضل كلمة التدبر التي طالما عجزت عن فهمها واستيعابها، أفقت من تيهتي وحيرتي على ندائهم لي كي أنزل الى الماء ، ولكنني كنت بنصف عقل وقتها ، كنت أتكلم معهم ولكنني متمعن النظر فى كل ما حولي من آيات فى الكون، فها هي الشمس عمودية وفى شدة توهجها ، والرمال أمامي تكاد أن تطقطق من شدة سخونتها ، والجبل من جانبي أراه يعرق فبخار المياه يحجب رؤيته نوعا ما ، وأنا واقف فى ماء بدأت أرتجف فيه من برودته وكل هذا ما هو إلا نقطة على الأرض ، التي هي بدورها نقطة فى مجره، والمجرة نقطة ضمن مجرات كثيرة فى سماء الكون الفسيح. خرجت من الماء وما زادني منها إلا إيمانا وتسليما جففنا فى اقل من دقيقتين من شدة حرارة الشمس وقتها وركبنا السيارات، ثم مررنا بحجر غريب وتوقفنا عنده ، فتبين لي أنه ليس حجراً عاديا ولكن نيازك من السماء ، كان ملمسه حجرى عادي ولكنك إذا أمعنت النظر فيه وجدت به ألونا كثيرة وغير متدرجة فترى اللون القرمزى مفصول عن لون أسود بلون رمادي خفيف. كنت على وشك الإصابة بسكتة دماغية من كل الذى أراه.

مشينا بعد ذلك فى اتجاه جبال الرمال الناعمة لنمارس رياضة التزحلق على الرمال ، توقفنا فجأة ثم قال "عبده" لي كل الذى نسير فوقه الآن كان بحرا فى يوم من الأيام، ففتحت باب السيارة ، فرأيت ما جعلني مؤمنا ومقراً و محدثاً بعظمة الله وقدرته وضآلتي وسوء جهلي ، لقد كنا نسير على صدف وقواقع فى وسط صحراء جرداء ، كنت لا أملك الطاقة لأضع قدماي وأقف على الأرض ، سامعاً فى أذناي قوله تعالي " إن الله فالق الحب والنوى يخرج الحي من الميت ومخرج الميت من الحي ذلكم الله فأنيّ تؤفكون".

أضاف عبده قائلاً" لقد تم اكتشاف وادياً لأسماك القرش هنا فى سيوة ، فالتفت اليه مندهشا وهل سنذهب اليه فرد نافيا ، "لا إنه بعيد ولن يمكننا الوقت من بلوغه قبل الغروب" فحمدت الله فى نفسي إننا لم نذهب الى هناك لأنه هو الوحيد كان يعلم ما يمكن أن يصيبني لو رأيت أكثر من هذا يومها، ولكن كان بداخلي حزن قليل لأنني بطبعي أتشوق لمعرفة المزيد والفضول كان بداخلي مهموماً لأنني لم أشبعه أكثر من حاجته.

وصلنا الى جبال الرمال الناعمة ، وكانت الرمال أنعم بكثير مما توقعت ، فكانت مرهقة جداً فى الطلوع لأنك كلما غرست قدمك فيها لتصعد ، تألمت الرمال من تحتك وأخذت تدافع عن نفسها بدفعك نحو الأرض . فكان على أن أكون لطيفاً وخفيفاً على تلك الحبات، فما هي الا ان أضع قدمي ثم ادفع جسدي لأعلي وأضع الأخرى سريعاً وهكذا ، وكأنها تتبع قاعدة "لا تؤلمني ولا أؤلمك" لم أتزحلق كثيراً يومها أتوقع أنهم كانوا خمس مرات فقط ، لقد استهلك عقلي يومها كل طاقة جسدي ، استلقيت على ظهرى مستمتعا بشكل الشمس والألوان التي تضفيها على السماء حين تغيب ، وسافرت الى السماء متذكراً ومتأملا كل ما رأيته فى ذلك الصباح ، كنت فى طريقي عائداً نحو السيارة ثم إذ بابتهال تتعثر فى شئ وهي تنزلق ثم ترتطم بالأرض بشدة، كنت متابعاً لها حينما وقعت وكيف وقعت ، فلم أجزع ذهبت نحوها فوجدتها مستلقية على بطنها وتتألم ، انتظرنا بجانبها حتي عدلت نفسها وجلست ، فكانت تتألم من قدمها، جعلتها تحركها بعض الحركات التي تعلمتها فى كلية الطب للتأكد أنه ليس هناك شرخ أو كسر. ونحن جالسين بجوار ابتهال جاءت ميادة بروحها الطفولية المرحة مقررة أن تنزل جزءاً من المنحدر متدحرجة على جانبها ، فنظرنا لها جميعا وهي تتدحرج وأنفرطنا فى الضحك ، حتي ابتهال نست آلامها من المنظر وانفرطت معنا فى الضحك . فكانت ميادة لا تتدحرج نحو الأسفل ولكنها كانت تتدحرج بشكل أفقي. آتت لنا السيارة وصعدنا فيها منطلقين نحو المعسكر. كانت الصحراء فى ظلام الليل مع أضواء السيارات وكأننا نتحرك فى صندوق مغلق من ثلاث جهات وصلنا الى المعسكر فصلينا المغرب وانتظرنا وجبة العشاء . كان العشاء ليلتها " فراخ مردم" وهي عبارة عن فراخ تشوى على الزلط والرمال والحجر . كان طعمها لذيذ، أكلنا وجلسنا مستلقين على ظهورنا ، منهكين من كتر التعب. كنا عندما وصلنا الى المعسكر ، وجدنا ضيوفا جدد وكانوا رجالا كباراً فى السن ، آتانا واحداً منهم يدعونا للانضمام لهم ويريد منا أن نغني ونرقص فلما تعجبت من كلماته ، قال لي أنهم أعضاء المجلس المحلي فى الإسكندرية ويريد منا أن نلطف عليهم الجو ، كما سمع عن ما حدث فى الليلة الماضية نظرت اليه نظرة اشمئزاز ورددت عليه قائلاً " لا بنغني ولا بنرقص " ، فكان بداخلي يراودني إحساس أننا مطلوب منا تسلية الملك وحاشيته ، فتلعثم الرجل فى الكلام وقال " يعني أنتوا شيوخ" قلت له" آه مش شايف قال محاولاً تخليص نفسه من المأذق "طب صليتوا العشاء" قلت له محدقاً فى عينيه التي ملأتهما الحيرة والخجول" رايحين نصلي" عدنا للحديث والكلام والسمر والضحكات وقليل من الغناء ، فوجدت من غير إحم ولا دستور ذلك الأعضاء ينضمون الى مجلسنا ، فأنا لا أعلم ماذا قال لهم هذا الرجل بالضبط قمنا جميعاً متجهين الى خيامنا وصلينا العشاء.

ثم أخذت بعض الشموع واقترحت على بهاء وعمرو أن نذهب ونجلس بجوار العين فرحبا بالفكرة وانضم إلينا عبد الرحمن وابتهال وأميمة واختها أميرة وحازم. جلسنا فى شكل دائرة تتوسطنا الشمعة ثم اقترحت علينا ابتهال ان نمارس رياضة "اليوجا" لمدة خمس دقائق. كانت لحظات جميلة فهي رياضة تشعرك بالاسترخاء وتجعل عضلاتك تتنفس بشكل هادئي . ثم اقترحت أنا بعدها أن نلعب التداوى بالجماعة" وهي أن يحكي كل واحد فينا أكثر مشكلة أرقته فى الأيام الأخيرة ونحاول جميعا حلها معه فبدأ بهاء بطرح مشكلته وتبعناه واحداً تلو الآخر ، ولكنني لا أستطيع أن أحكي لك أيا منها لأنها من قواعد اللعبة أن ننسي كل شئ بعد اللعبة ولا نتكلم فيه مع أي شخص آخر . كان حازم غريبا جداً بالنسبة لنا جميعاً فهو لم يشاركنا فى طرح مشكلة ولم يشاركنا أيضا حل أيا من مشكلاتنا كان يكتفي فى كل مرة بقول كلمة "Pass" أو "اعبروني" ولكن من حقي الآن أن أقول لك تعليقي على كل واحد فيهم أو من استطعت أن أبني عنهم فكرة وانطباعاً . (عبد الرحمن) ، أعجبني أكثر ما قاله فإن مرجعيته الفكرية دينية ومرتبة ولكنه ينقصه الفلسفة الحياتية أو الثقافة الاجتماعية حتي يوظف الدين فى الدنيا، وأنا واثق أنه لو فعل هكذا سيكون له فكرا منفردا ودسماً . أما عمرو فهو من أولئك الناس الذين يتكلمون كثيراً وترى أن الكلام عائماً، ولكن بين السطور يقول حكماً وليس كلاماً فيجب أن يكون الواحد منتبهاً جدا معه إلا وتاه من غير رجعة.

أما حازم فإنه إنسان قارئاً وأظن أيضاً أنه قرأ كثيراً ، ولكنه يواجه مشكلتان: المشكلة الأولي أنه مصدق لكل ما يقرأه ولكن للقراءة فن خاصة كتب التنمية البشرية لأنها دائماً ما تبعث فينا بأمل زائف لا يمكن تطبيقه فى الحياة اليومية وسرعان ما نراه يتحطم أمامنا على صخره الواقع. أما المشكلة الثانية : فإنه بدأ ينفصل عن عالمنا ولا يشاركنا فيه وأنا لا أعلم إن كان يرانا أقل منه ثقافة أو يفضل الصمت من باب اللا غلط ولكني تعلمت يوما أن قيمة المثقف الحقيقية تتحد وفقاً لعلاقته بالناس ، إن المثقف الذى ينفصل عن الشعب ويحتقره يفقد قيمته وتأثيره فوراً ، مهما تكن درجة موهبته أو ثقافته.

أما عندما بدأت ابتهال فى الكلام كنت أشعر أنني أعرفها منذ سنوات بعيدة ، هذه الطريقة فى الكلام سمعتها من قبل لم استطع حينها أن أميز طريقة كلامها.

ثم نأتي إلى أميمة؛ قبل أن أتكلم عنها أريد أن أشركك فى طريقتي الخاصة جداً لتقسيم الشباب المصرى . فهناك شباب مفعم بالأمل ولديه خطة وبدأوا فى تنفيذها، وهناك شباب آخر مفعمون بالأمل ولديهم خطة ولكن لا يعرفون من أين يبدؤوا وللأسف تلك الفئة سرعان ما يفقدون الأمل إلا ما رحم ربي. وشباب آخر مفعمون بالأمل ولكن ليس لديهم خطة وبالتالي لا يعرفون من أين يبدؤوا. وآخرون ليس مشغولين أصلا بالبلد ولا يهمهم مصيرها من الأساس. أظن أن أميمة كانت من الفئة الثانية وكانت مفعمة بالأمل ولديها خطة ، ولكنها للأسف يئست من وجود خيط البداية فضاع الأمل وطويت الخطة. لم يعد فى هذا الجمع إلا أميرة وبهاء ولكنني لم استطع أن أكون عنهم انطباعا أقدر أن أبرهن عليه.

عدنا إلى خيماتنا ثم جلسنا جميعا فى "القعدة العربي" حيث كان قد عاد من البلدة آدم وكان بصحبته أربعة من بنات الفوج ، كن طلبن منه أن يصطحبهن ليعودن للموتيل "نور الواحة" وشراء بعض الأشياء اللازمة من البلدة بعد ذلك انصرف الأغلبية إلى النوم ولم يبقي مستيقظاً إلا أنا وآدم وبهاء وحازم وهبة ومنة وزيزى وعبد الرحمن، ابتعدنا قليلاً عن المعسكر فى اتجاه العين ولكننا لم نصل إليها جلسنا على الرمال فى ضوء القمر وتحت سماء تزينت لنا خصيصا فضمت أكثر عدد من النجوم الذى لم أرى مثله فى حياتي. بدأنا نسأل كما كنا نلعب قبل قليل وبدأ انطباعي عن حازم وعبد الرحمن يرسخ تماما. وأخذت انطباعات جديدة عن باقي الأصدقاء فزيزي أما حنونا جداً فى تعاملها مع منة ( أختها التي تصغرها)كانت الأمومة طاغية على علاقة الأخوات. أما منه فهيا مفعمة بالحيوية وأرى فيها إقبالا على الدنيا وأمالا تكفي جميع المحبطين.

أدم قصة جميلة كتبتها الطبيعة ورسمت معالمها وزخرفتها المدينة والناس . شخصية تمتزج بين الشباب والطفولة، وقراراته تمتزج أيضاً بين الإصرار والمرونة . ولكن لم استطع أيضاً أن ابني انطباعا عن هبة ولا عن بهاء ثانية ، يا لك من شخصية يا بهاء ، إما إنك شخصية معقدة وصعبة القراءة أم أنك السهل الممتنع .

بعد حديث طال الثلث الأخير من الليل عدنا إلى خيماتنا، وما أن دخلنا فيها حتي قامت موجة من الرياح الباردة تصول وتجول فى المكان ، وكأن الطبيعة كانت تأنس بنا وبحديثنا..

ليلة قارصة البرودة ولكن إرهاق وتعب لا تشعر به إلا عندما تضع جنبك لتنام ، كفيل بأن يجعلك لا تشعر بأي شئ من حولك.

عبد الله ، عبد الله ، صلاة الفجر قمت من نومي أشعر وكأنني لم أنم إلا خمس دقائق ذهبت لأتوضأ كان الريح قوى وبارد . أدينا صلاة الفجر وعدت إلى نومي مسرعاً لم أفق إلا وهم ينادوني للإفطار. لا داعي أن أحكي لكم ثانية عنه أو ماذا فعلت فالإجابة معروفة . جبنة ومربي. بعد الإفطار جهزنا أغراضنا واستعدينا للرحيل جاء الأوتوبيس ووضعنا أمتعتنا وسلمنا على العاملين هناك وودعناهم ثم انطلقنا توقفنا عند عطارة لشراء البلح السيوى وزيت الزيتون والزيتون ، ثم انطلقنا وتوقفنا عند بازار لشراء بعض الأشياء التذكارية، وبعد ذلك انطلقنا نحو مدينة شالي (أقدم مدينة عرفتها سيوة) فهي مدينة مبنية بالكامل على جبل شالي وعندما تصعد إليها تكتشف أنك فى وسط سيوة وأنك ترى من حولك سيرة بأكملها عدنا إلى الأوتوبيس وذهبنا إلى مطعم للغداء ، كان الغداء لذيذا حقا. كنت جالسا بجوار حميدة ، فكانت فرصة لأتعرف عليه، حميدة شخصية غريبة، فشخصية ممزوجة بين الأصالة والحضارة، فهو طيب وخلوق ومنفتح ، فالصحراء أكسبته البكارة بطبيعتها ، وأكسبته إتقان اللغات أيضا من زوارها ، ركبنا الأوتوبيس منطلقين فى طريق العودة الى القاهرة، بعد أن ودعنا حميدة، كنت جالساً بجوار عمرو وتكلمت معه كثيراً وبنيت عنه فكرة شبه مكتملة. ثم إقترح أدم أن يقول كل واحد فينا الإيجابيات والسلبيات وانطباعه عن الرحلة .

اتفقنا جميعاً أن الرحلة كانت ممتعة وأمتع ما فيها هو جو الصداقة والألفة الذى كان يشعرنا دائماً أننا أصدقاء منذ زمن وكان الشئ السلبي الوحيد هو أن الوقت مر سريعاً جداً وانتهت . كانت ابتهال تجلس أمامي فكنا نتكلم ونضحك وفجأة تأكدت أن هذه ليست أول مرة أتعامل مع شخصية ابتهال ، إن شخصيتها كانت تشبه كثيراً شخصية أختي (رحمها الله)، شردت قليلاً وقلت فى نفسى:"آآه منك يا ابتهال لقد لمست جرح قد كدت أشفي من آلامه ، وها أنت الآن تطرقين على قلبي تيقظين ذكريات طويتها بعد معاناة ، فماذا تريدين الآن ، هل أرسلك الله لتيقظي تلك الذكريات الجميلة وتتركيني أعود إلى آلامي مرة أخرى ، أم أرسلها ثانية لي متجسدة فيك . عدت من شرودي وقرأت لأختي الفاتحة ، واستمرينا فى الحديث والضحك والنوم، فكان الواحد منا يصمت قليلاً ثم فجأة نجده نائماً كأنه أغشي عليه وكنا نتساقط واحدا تلو الآخر ثم نفيق وهكذا.قررت أنا وعمرو أن نغنى أعلم أن صوتي ليس جميلاً لكنني كنت فى حالة تستدعي للغناء كنت أغني مستمتعا جداً ولا أدرى هل كان هذا هو تعبيراً ما داخلي عن تلك الأيام الجميلة أم تعبير لكل من حولي أنني قد قضيت وقتاً ممتعاً معهم . طلبنا من منة الغناء ، كنت أعلم أن صوتها جميل ولكن يومها كان ممتلئاً بالشجن والفرح والأنغام فكنت عندما أسرح مع صوتها تجعلني ألامس بإحساسي كل معاني الكلمات. كان طربا وليس غناءاً . بعد ساعات طويلة توقفنا عند "الرست هاوس " فنزلنا ودخلنا ، ولكن حدث شئ طريف جداً ؛ توجهنا نحن الشباب إلى الحمام وعندما دخلنا ووجدناه مرتبا وبه مرايا ، اعتلت علامات الفرح والشوق وجوهنا وصيحنا مهللين فى فرح شديد ، فتعجب العاملون فى المكان. لقد كانت هذه أول مرة لي منذ أربعة أيام أن أرى نفسي فى مرايا ، إنه اختراع جميل حقا لقد كنت على وشك أن أنسي بعض ملامحي ، وتفاجأت حينما تفقدت لون وجهي، لقد كان تأثير أشعة الشمس واضحاً جداً ، لقد تبدل لون وجهي وصرت أسمر اللون.

عدنا إلى الأوتوبيس ووصلنا بحمد الله إلى القاهرة، ثم اندهشنا جميعاً عندما نظرنا إلى سمائها ، كم أنت ملوثة يا بنت المعز، السماء يملأها الدخان والقمر يعاني حتي يظهر، وعندما نزلنا من الأوتوبيس وجدنا أنفسنا يطلق كل واحد فينا "كحة" عندما يأخذ أول نفس وكأنه ترحيب بالعودة وأخذت تاكسي عائداً الى بيتي بعد أن ودعت أحلي وأطيب أصدقاء تعرفت عليهم.


كانت هذه الرحلة من أجمل الرحلات في حيات وستبقي بإذن الله دائماً في الذاكرة والى لقاء آخر في رحلة أخرى إن شاء الله.


من مذكرات مفكر

عبد الله شلبي

28/2/2010

صباحاً 6.48