الجمعة، 5 أغسطس 2011

تصنيع الأعداء

جمعتنى الصدفة ليلة البارحة فى المقهى الايطالى المفضل الىّ، بصديق لم أره منذ شهور عديدة، هذا الصديق يتمتع بميزة فريدة و هى الحديث الحلو السهل ، فهو يستطيع أن يستأسرنى و يجعلنى منتبها مهما طال حديثه معى. هذا الصديق أيضا من أحد موظفي الدولة فى السلطة التشريعية و له من العلاقات و الاتصالات بأجهزة عديدة و حساسة في السلطتى التشريعية و التنفيذية.

كنا نتجاذب معا أطراف الحديث و استفضنا فى الكلام عن الثورة و عن مستقبل مصر و نتذكر الأيام التى قضيناها فى نفس المقهى، فى نحيب و لطيم على حال مصر قبل الثورة - فنحن لم نتقابل من حينها - رن هاتفى الجوال، فابتسمت و قلت له: أخيرا، هرد من غير ما عبدالسميع يراقبنى - و عبدالسميع هو الاسم الذى كنا نطلقه على أمن الدولة - فنظر الى ثم ضحك ضحكة صفراء لم تريحنى.

بعدما أنهيت المكالمة استطردت حديثى معه متعجلا سائلا عن سر تلك الضحكة الصفراء، فرد علىّ : "بلاش أكسر فرحتك" ، فضحكت و قلت له "ايه هتقوللى ان انت مش أبويا، و ان أنا ابن حرام؟!!" فضحك هو الآخر ثم سألنى: "مُصّر تعرف".. فهززت رأسى قالا: "أكيد" ، فقال فى صيغة رجاء و تحذير"بس متجبش اسمى خالص".

عدلت جلستى و بدأ الأدرينالين يُفرز و لكن بكمية قليلة، منتظرا ما سيشدو به على، ثم قال بعد تنهيدة: "أكثر هتاف أحزننى عندما سمعته كان الشعب أراد و أسقط النظام" .... فلمعت عيناى و تساءلت " أولم يسقط بعد مشاهدة حسنى فى القفص؟!!" فقال " و كيف يحق لك أيها السياسى أن تنطق مثل هذه الكلمة و لم تسقط بعد أى آلية من آليات النظام؟!! "
و أكمل قائلا " إن أمن الدولة يلعب الآن بقوة و ذكاء و دهاء و مكر غير مسبوقة فى تاريخه بالكامل" - حاولت أن أبقى على شكلى الهادئ و وجهى المبتسم و أن أتحكم فى تنفسى الذى يزداد تارة بعد الآخرى بفضل الأدرينالين الذى كثف من عمله حتى لا أربك صديقى و أستطيع أن أحصل على أكبر قدر من المعلومات - "أمن الدولة الآن يطبق نظرية الفيلم الأمريكى "Enemy of the State" بطولة ويل سميث، و الذى كانت تدور أحداثه عن أمن الدولة أيضا، فكان هذا الجهاز اذا أراد أن يلقى بالقبض على أحد المطلوبين لديه قام أولا بتشويه سمعته ثم تصويره فى أوضاع طبيعية و اذاعة تلك الصور على أنها جرائم تخل بالسمعة و الشرف، فيصبح هناك تأييدا شعبيا و ان كان نفسيا لالقاء القبض على هذا المطلوب أو حتى على الأقل عدم رفض.

و قال مكملا حديثه "لقد وجد قيادات أمن الدولة أنه من قمة الغباء أن يقبض علي أحد و يقوم بتعذيبه و هتك عرضه ...الخ، ثم يظهر دائما فى دور الشيطان الشرير، فقرر أن يلعب دور الشيطان الملاك فلن يقبض على أحد قبل أن يكون هناك عدم رفض شعبى بل و تأييد بسيط للقبض على ذلك المطلوبين لديه.
إن أمن الدولة الآن يحاول البقاء علي قيد الحياة بكل ما أوتي من عقل و امكانيات ، فبدأ عمله بتلك الخطة البديلة منذ قيام الثورة و تلك الطريقة في العمل تلقوها في تدريب أمريكى عام ٢٠٠٦ و لكن غطرستهم و نرجسيتهم بل و ساديتهم هى ما جعلتهم يغضون عنها أبصارهم و يمارسون فنون الاعتقالات الهمجية و بث الرعب فى نفوس الشعب. و وجد أمن الدولة التربة الخصبة و الفرصة السانحة فى عملية الاستفتاء التى أجريت فكانت بالنسبة له ثغرة يجب اغتنامها لشق الصف و اعادة نفسه رقما قائما في المعادلة؛ و نجح مع الأسف نجاحا مبهرا في جعل فريقين اسلاميين "مرعبين" و ليبراليين"كفرة و متحررين".
ثم أخذ ينفخ كل فترة في فريق منهم حتى يزيد من سخونة المباراة، ثم يدخل في الفريق الواحد و يقسمه الى فرق، حتى يخسر الاثنين أكبر عدد ممكن من اللاعبين و يعودوا الي أحجامهم الطبيعية فرق كثيرة و قلائل مبعثرة. (لاحظ ما يحدث كل يوم في حركة ٦ أبريل و انشقاقات جماعة الاخوان).
لم يتنازل أمن الدولة فى لحظة عن سلاحه الأهم "ماسبيرو" ، و الذى لا يعلمه الكثيرون أنه انتقل الى مبني ماسبيرو فى فترة من الفترات "جميع قيادات أمن الدولة " و كانت تعقد بداخل المبنى نفسه اجتماعاتهم، و هى كانت رسالة ذو شقين، الأولى للعاملين بالمبني و هي : "اياكم و الخروج عن طوعنا" و الثانية للشعب على لسان المذيعين"لم تسقطوا النظام و لكن خلعنا لكم رؤوسه" ان ذلك المبني هو الأخطر على مصر و ليس الثورة وحدها. فتبسمت قائلا "اذا علينا حرقه". فرد "لا المبنى ليس له أى ذنب، اذا أردت فعلا قم بهولوكوست (محرقة) لجميع قيادات أمن الدولة و جميع العاملين بماسبيرو، و لا تخف فالمظلومين فيهم لا يحصوا على الأصابع و لكن المنفعة الناتجة أشمل و تستاهل" . أحسست و هو يقول تلك الكلمات بين حالتين من السخرية و الجدية بمدى خطورة ما يفعله ذلك المبنى النووى.
أكمل حديثه قائلا" هذا بغض النظر عن تشويه النشطاء بأساميهم ، حتى اذا دعت الحاجة في يوم من الأيام لالقاء القبض عليهم ؛و الشهداء الذين يحاولون بكل ألاعيبهم الدنيئة أن يصدروا للشعب فكرة أن جميعهم بلطجية ماتوا أثناء محاولة الشرفاء من ضباط الشرطة الدفاع عن أقسامهم، و ناهيك عن فتح الباب على مصرعيه لشيوخ أمن الدولة لبث الرعب فى نفوس الشعب و أنهم الأقرب الى السلطة فى حالة وجود ديمقراطية حقيقية و أنهم سيحكمون بالحديد و النار" . "و كل ما أحكى لك عليه الآن، ما هو الا مبادرات بسيطة جدا و استعدادات لما سيحدث قبل الانتخابات القادمة...ربنا يستر"

أطلقت تنهيدة طويلة بثثت فيها ذلك الهم و الغم اللذان ملئت بهما، ثم تساءلت " و ما العمل؟؟!!" ...

قال" يجب أولا أن تتأكد و تيقن أنك تتعامل مع جهاز فى الغالب كفار قريش أقرب منه رحمة علي هذا الشعب، و هو يقاتل من أجل بقاءه، لأن اذا استمر الشعب فى فهم ممارساته و أيدولوجياته سيتم اعادة هيكلته و تسريح أغلب موظفوه فى أول تغيير وزارى مدنى قادم، و لاحظ أنه مازال يتحكم فى الموانئ البحرية يعنى أنه يتحكم فى التجار و حركة التجارة و أسعار السلع الغذائية، فكل همه أن يستطيع أن يجعل الناس يكفرون بالثورة و يلعنون الثوار من علي المنابر قبل الانتخابات القادمة بأى ثمن كان" .
و أجيب علي سؤالك" العمل الآن هو مبادرة سياسية محترمة متعقلة من جميع القوي لقلب الموازين من جديد، و هى تجميع لجميع القوى الديمقراطية، لا أريد أن يرى الشعب أمامه فى الفترة المقبلة حتى الانتخابات الا فريقين فقط، فريق القوى الديمقراطية، و فريق القوى الديكتاتورية ، و اياكم أن تنبذوا أى فريق ينادى الآن بالديمقراطية حتى و لو كان عضوا من أعضاء الحزب الوطنى " قاطعته ممتعضا "أعضاء الحزب الوطنى؟؟!!! دول هدوا البلد" فرد على فى حزم "لقد ثرت علي الظلم و الديكتاتورية فاياك الآن أن تظلم أحد. ارسى العدل بين جموع الشعب مهما كانت كلفته حتى لا تخلق فريق كل شغله الشاغل هو احاكة المصائب و العراقيل فى وجهك و يشغلك عن مواصلة سيرك بتفادى المطبات و ازاحة العراقيل. فالشعب الآن يحتاج أن يرى البلد تسير بسرعة ١٠٠٠ ميل / الدقيقة و ليس الساعة حتى يؤمنون ثانية بالثورة و يعملون لأجلها.

لا تنسى قصة الرجل العجوز و صبيانه الأربعة "الاتحاد قوة ، و الفُرقة ضعف".

تمت


عبدالله شلبى
الجمعة ٥ أغسطس ٢٠١١
٣:١٩ مساءا

هناك تعليق واحد: