و لكنى و أنا أكتب الآن تنسدل على خدى دمعة ساخنة - على غيرالمنتظر - فمن المفترض أن تأخذنى الحماسة و نشوة الفرحة الى حالة غير هذه، و لكن التفكير فى ابنتى الغالية يجعلنى أنسى نفسى و أنشغل بها وحدها. و حالها الآن يرثى له، بعد ٦ أشهر من القبوع داخل العناية المركزة دون تقدم ملحوظ فى حالتها اللهم الا التدهور الملحوظ فى مواقف كثيرة.
كلما تذكرت ذلك الفعل الباهر الذى قام به شباب مصر يوم ١٢ فبراير ٢٠١١، عندما انتفضنا جميعا دون سابق ترتيب أو اخطار نكنس و ننظف البلد بأكملها و كأننا نزينها لدخلتها؛ دعنا نتعمق معا فى ذلك المشهد الفريد الذى أبهر العالم:
إن مبدأ تنظيف مكان هو فعل يوضح أن هذا المكان يجهز لاستقبال حدث هام ، و مقولة "كنسنا الشوارع عليهم" تعنى أننا ننظف ورائهم ما خلفوه من فساد و احباط و تعب؛ و فى الاثنين رسالة واضحة أن ذلك الشباب يجهز مصر لبنائها من جديد و أعطى بالفعل اشارة أنه جاهز لحمل المسؤلية بقيامه باعداد المكان دون أن يطلب منه أحد.
بدأت من يومها الرسالات الاستخباراتية تتغير نبرتها فتظهر فيها الرحمة و هى فى باطنها العذاب حقا، لم أنسى عندما قالت هيلارى كلينتون (وزيرة الخارجية الأمريكية) "لقد أخطأنا فى دراسة الشعب الصرى و خاصة شبابه، و علينا أن نعيد دراستنا له الآن" .... من المفترض أن نفرح لخطأهم و أننا خذلنا عقولهم و أظهرنا أننا شعب متحضر بنّاء و حالم، و لكن قولها سنعيد النظر فى دراستكم من جديد هو ما يوضح أنهم سيعيدون البحث عن ثغائرنا من جديد.
لنعود لنقطتنا الأساسية، قام الشعب لكنس الشوارع خلف الفاسدين و المفسدين، و عاد لبيته واثقا فى جيشه المتمثل فى المجلس الأعلى للقوات المسلحة (الذى تولى ادارة البلاد بتكليف من رأس الفساد نفسه المخلوع حسنى مبارك !!!).
توالت الأحداث بعدها غير مفهومة المقصد و لا النية، بدأ المجلس العسكرى بقسم الشعب فى الاستفتاء الوهمى، ثم المماطلة و الابطاء فى اتخاذ أى قرار، ثم تولية المناصب لكل من هو فاشل.
يذكرنى موقف المجلس العسكرى ، بموقف مشابه حدث فى روسيا السوفيتية فى الخمسينيات، عندما جندت المخابرات الأمريكية عميل لها فى ادارة الاستخبارات الروسية و كان مهمته اختيار الوزراء، و لم تطلب منه أمريكا سوى أن يولى أفشل المرشحين المناصب الهامة و الحيوية فى الدولة، فما لبثت روسيا بضع سنوات حتى ذاقت الأمرين و بدت بوادر الانهيار الجارف عليها.
و هذا ما حدث فى مصر قام المخلوع باسناد مهمة ادارة البلاد لأقرانه من المجلس العسكرى، فقاموا هم بدورهم باسناد المناصب و المهام لأفشل من يرشح لهم. و بدأت أشعر أن الأمر طبيعي فقد ولى الخائن خائنا مثله. أعجبت؟! أعجبت من تلقيبى لهم بالخونة، لا تتعجب فأنا لا أعرف للمجاملات طريق، و الخيانة من وجهة نظرى هى أن تقبل بمنصب و أنت تعلم تماما أنك لا تفقه فيه شئ؛ أليس ذلك خيانة للأمانة ؟؟؟ ماذا يفقه ذلك العسكريون فى فن السياسة و الادارة حتى يوليهم الخائن ادارة شؤون البلاد؟
لقد خان المجلس العسكرى جموع الشباب الذين نزلوا و قدموا أرواحهم و دمائهم فداءا للحرية و الكرامة و الانتقال من عالم ثالث لعالم أول، خاننا عندما غض بصره عن تلك الارادة الملهمة لبناء البلد التى تمثلت فى كنس الشوارع و تنظيفها. لقد قالها الشباب نحن جاهزون للعمل ، جاهزون لننميها قُتلنا و أصيبنا لها و ليس لأحد غيرها، هلم علينا بالمهام ، و لكن الرسالة كانت أقوى على المحتل من الصاعقة، فهرول الديبلوماسيون الأمريكيون ( و كان منهم من اللوبى الصهيونى الكثير) الواحد تلو الآخر، يجلس مع أعضاء من المجلس العسكرى، يتساءلون ماذا أنتم فاعلون مع تلك العقول الباهرة ، و الحماسة المقلقة، لقد بدأ الشباب يجهز نفسه لاعمار البلد، و وجه نظره صوب فلسطين و قال إن تحريرها يبدأ بتحرير مصر و بنائها.
فلسطين !!! آآه بلى انها كلمة السر، عَلِمَ اليهود أن هذا الجيل لم ينسى بعد فلسطين و ظهرت الأعلام الفلسطينية فى أكثر من مشهد إبان الثورة المصرية، و ظهرت الرسالة متجلية فى تفجير خط الغاز الواصل لاسرائيل أكثر من مرة، و حصار السفارة الاسرائيلية و الضغط لتنزيل العلم الاسرائيلى من عليها. و الدعوة للزحف الى الحدود الذى لباها الكثير، نقاط أغفلناها جميعا و اعتبرناها أحداث عابرة، و لكنها نقاط واصلة و هامة لتكتمل لنا الصورة.
رئيس خان شعبه و بلده ٣٠ عاما، ثار عليه شعبه و أصر علي خلعه، سلم الخائن المخلوع السلطه لأقرانه، و كانوا وجوها جديدة على الشعب فوثقنا فيهم قبل أن يبدوا لنا ما فى نواياهم، وضع أصدقاء المخلوع همهم فى اطفاء حماس الشباب المتعطش لبناء بلده فبدأوا بتقسيمه الى فرق و شيع ثم اتخاذ أى قرار مضاد لرغباتهم حتى يقتلهم الاحباط، ثم يقوموا بتسليم السلطة عندما يُعطى لهم الضوء الأخضر من الأستانة (أمريكا) ، بعدما تتأكد أن حماسة الشعب انطفأت و لم يعودوا يسألوا عن أى تغيير حقيقى و جذرى للخروج من تلك الزجاجة، و يتأكدوا أنه عاد شعب مستأنس خامل حينها سيتم تسليم السلطة الى مدنيين؛ فلن يكون هناك عليهم ضرر و لا خوف من ذلك الشعب الأليف.
فهل علمت الآن لمصلحة مَنْ تتم تلك العمليات الممنهجة لوأد الثورة و قتل حماسة الشباب و دفن أحلامهم ؟؟!!!
و هل أنت جاهز للتحدى و التمسك بحلمك مهما كان الثمن ؟
عبدالله شلبى
الخميس ٢١ يوليو ٢٠١١
٠٤:٥٣ صباحا
مع انى لا استبعد من هم اصحاب المصلحة الخارجيين، إلا انى ارى ان هناك ايضا اصحاب مصلحة داخليين. هؤلاء كانوا و مازالوا يمصون دماء هذا الوطن و لا يريدون صحوة تهدد مصالحهم. هؤلاء اخطر من اى قوة خارجية لا تريد خيراً لهذا البلد، فهم من يجعلون اطلاق السموم الفكرية ممكنا و يمهدون الطرق و الوسائل لمن لا يريدون ان تقوم لمصر قائمة.
ردحذف