الأحد، 16 يناير 2011

لا أريدها تونسا أخرى

سقط زين العابدين بن على كما سقط نيكولاى تشاوشيسكو ، و مَن يُمتع نفسه بقرأة التاريخ يجد أن المتشابهات بينهم كثيرة : حالة السخط الاجتماعى و انتشار البطالة ، و الفقر المدقع ، و الفساد ، و الاستبداد ؛ ثم بائس سكران يجلس فى إحدى الخمارات برومانيا و يرطم بيده الطاولة قائلا "يسقط تشاوشيسكو ، يسقط تشاوشيسكو " ، و تبدأ الدائرة فى الاتساع ؛ كلمة رددها شخص ثم الجالسين من حوله ثم رددتها رومانيا بأكملها حتى سقط تشاوشيسكو.
و فى تونس ، شاب جامعى بائس عزت عليه كرامته حين لطمته شرطية على وجهه بعدما صادرت بضاعته التى يتكسب منها قوت يومه ، فأضرم "محمد بو عزيزى" النار فى نفسه ، فاشتعل جسده و اشتعلت قلوب التونسيين جميعا ، و بدأت أيضا الدائرة في الاتساع حتى خرجت من "سيدى بو زيد" لتشمل جل المحافظات و القطاعات ، فخرج الشعب رافعا شعار " خبز.. ماء.. بن على لا " و سقط بن على .

و خلف هذا الشعار تكمن الفاجعة ، لقد خرج الشعب و ثار من أجل حاجته البهيمية ( من مأكل و مشرب) , و لم يخرج من أجل حاجته الانسانية (من عدالة و حرية و كرامة) . فهم يريدون وزير تموين أريبا لبيبا و ليس رئيسا عادلا و رشيدا , فحلمهم لم يرتق بعد الى نظام ديمقراطى بحق.

و الأنظمة العربية بالرغم من رفعها لشعار "لقد اتفقنا على ألا نتفق" ، وحدّتهم جميعا وصفة ضابط المخابرات الأمريكية "مايلز كوبلاند" التى جاءت فى كتابه "لعبة الأمم" ، و كانت تلك الوصفة تنص على تجميد الأحزاب السياسية لمدة عشرون عاما و من ثم سيتم القضاء على الحياة السياسية برمتها - بضم الراء - ثم أعيدوها للملعب مجددا ، حينها سيُفرَز لكم أشباه رجال و أنصاف متعلمين , و ستكون الأحزاب السياسية برمتها - بكسر أو ضم الراء - ما هى الا منابر للثرثرة و الجدال الهش.

لذا ما حدث فى تونس سيسفر عن : سيطرة الجيش على الحكم - بما أنه الجهة الوحيدة المنظمة - أو سيطرة أحد رجالات الحزب الحاكم على الحكم بما أنها الجهة الوحيدة التى لها خبرة فى إدارة البلاد ؛ كما حدث أيضا فى رومانيا و أصبح إيون إيليسكو (أحد أعضاء الحزب الشيوعى) رئيسا بالإنابة لرومانيا.

هذا الجزء من المقال تم كتابته يوم الخميس 13 يناير، و لكننى فضلت ألا أسارع فى نشره و أسبق الأحداث، و الحمد لله فقد تحققت معظم التحليلات التى وردت بالمقال .

أحزننى جدا طريقة تفاعل المنشغلين بالسياسة من الشباب فى مصر ، و شعرت للأسف بالطفولة السياسية التى تخيم على عقولنا. فمنهم من رأى أن ما حدث فى تونس هو خير مثال يحتذى به . و كأن مشكلتنا تكمن فى شخص الرئيس فقط و ليس فى النظام بأكمله بأيدولوجياته و ميثودولوجياته ، فاختزلوا حلم الديمقراطية و الحرية فى استبدال الرئيس بأخر .
و آخرون أصابونى حقا بالذهول عندما أعلنوا يوم 25 يناير يوم ثورة التغيير فى مصر ، و كأنه من المفترض أن أنبهك قبل أن أصفعك على وجهك ، و من الممكن أن تُبقى حينها وجهك عاريا دون حماية لأصفعك عليه كيفما شئت !!!

إذا أردتموها ثورة شعبية بحق ، تجنى ثمارها من ديمقراطية و عدالة و تغيير شامل للنظام ، يجب توافر القائد المحرك للشعب ، الذى يستطيع أن يقسم الشعب لفرق - و ليكن من حيث التوزيع الجغرافى - بحيث تكون هناك فرق لحماية المنشآت السياحية و الآثار ، و أخرى لحماية السجون ، و أخرى لحماية المناطق السكانية و المحال التجارية؛ ليستطيع هذا القائد أيضا أن يثبت للجيش أنه قادر على الإمساك بزمام الأمور . حتى نستطيع أن نخرج من الثورة بأعلى المكاسب و أقل الخسائر الممكنة .

و ضعوا فى حسبانكم أن حالة الفوضى و الانفلات الأمنى التى تحدث فى تونس الآن ، ستحدث فى مصر إذا لم يتوافر ذلك القائد و لكنها ستحدث بثمانية أضعاف ، فبحسبة بسيطة ، إن الشعب التونسى يبلغ تعداده 10 ملايين نسمة بينما يبلغ تعداد الشعب المصرى 80 مليون نسمة . و حينها لن نجد مفر من تسليم الدولة للجيش مجددا ، حتى إذا استطعنا أن نسقط شخص الرئيس أو لا - بما أن الجيش كله شارب شاى بالياسمين .

و حينها ستعود ريمة الى عادتها القديمة و ربما أسوأ !!!!

عبدالله شلبى

القاهرة فى 16 يناير 2011

الخميس، 6 يناير 2011

فانتظروا إنى معكم من المنتظرين

أبدأ كلامى اليوم ، بتحية تقدير و احترام و عيون مغرورقة فى الدموع ، لذلك الرجل الذى وعد فأوفى ، و عمل فأخلص ، و اجتهد فأتقن ، و أخذ بأسباب الدنيا فوصل و حقق ما أراد .

هذا الرجل الذى ينال و يستحق كل تبجيل و احترام ، هو "عاموس يادلين" الرئيس السابق للاستخبارات الحربية الإسرائيلية «أمان»، الذى أدلى تصريحه بكل عزة و شموخ و فخر فى احتفالية نهاية خدمته ، و كانت من بينها تلك الكلمات المدوية «لقد أحدثنا الاختراقات السياسية والأمنية والاقتصادية والعسكرية فى أكثر من موقع، ونجحنا فى تصعيد التوتر والاحتقان الطائفى والاجتماعى، لتوليد بيئة متصارعة متوترة دائماً، ومنقسمة إلى أكثر من شطر في سبيل تعميق حالة الاهتراء داخل البنية والمجتمع والدولة المصرية، لكى يعجز أى نظام يأتى بعد حسنى مبارك في معالجة الانقسام والتخلف والوهن المتفشى في مصر».

و أظن - و كثير من الظن لا يخطئ - أن ما حدث للمصريين فى كنيسة القديسيين ليلة رأس السنة ، كان بمثابة تطبيق عملى لكلماته ، و تأكيدا لمن خلفه على قوة امكانياته و مهارته .

و بعد ما جاء رد فعل الشارع المصرع سريعا و قويا ، ملتحما مرتبا لصفه رافعا لشعار الوحدة الوطنية ، باعثا برسالة "ليادلين" أنك لم تكلل مجهودك بالنجاح بعد ، كان لذلك موقف أثر خاص فى نفوس جميع المصريين ، و كانت محاولة للم الشمل و جمع العائلة من جديد.
و بعد كل ما كتب عن المشاعر النبيلة فى المقالات و التدوينات ، اكتشفت أننا نسير على الخط الذى وُضِع لنا حتى كدنا نصل الى الوقوع فى حفرة الفتنة الطائفية عاجلا و ليس آجلا .

لقد علمنى الطب أن الجروح التى تُهمل - مهما صغر حجمها - و يُربط عليها لإخفائها ، عاجلا ما تلتهب ثم تتقيح ثم تموت الأنسجة و تحدث الغرغرينة فيموت الطرف بأكمله ويتم بتره.
و ها نحن الآن نقوم بتضميد الجرح الملتهب أصلا !! ، و نعطى الجسد (الوطن) بعض من المسكنات سريعة و قوية المفعول ، و كعادتنا لن يمض سوى بضع أيام حتى يسكن الجسد و يتوقف عن الأنين ، و سرعان ما سننسى - أو سنتناسى - فعلتنا الحمقاء فى تغطية الجرح دون علاج ، و تحدث المصيبة و نقول - لو بس كنا !! - أو نعلق المشكلة على أى أحد ، بما أننا جبناء كفاية ما لا يدع لنا طاقة لتحمل المسؤولية و مواجهة ما صنعناه بأيدينا.

إن هناك أربع أطراف هم المسؤلون عن ما حدث :
الرئيس و نظامه ، البابا شنودة و قساوسته ، شيخ الأزهر و مشايخ الأوقاف ، الشعب المصرى .

البابا شنودة و قساوسته:
منذ تولى البابا شنودة كرسي البابوية في الكاتدرائية المرقسية الكبرى بالقاهرة في ١٤ نوفمبر ١٩٧١ ، و معلوم عنه ولعه بالسياسة و الزعامة . حتى استطاع فى غضون سبع سنوات أن يرسخ فى فكر القساوسة و الكهنة فكرة إنشاء الدولة المصرية المسيحية من داخل الدولة الأم . و عمل بالفعل على مخططه ، حتى حدثت القطيعة بينه و بين الرئيس الراحل السادات ثم أحداث الزاوية . ثم جاء حكم مبارك ليترك له الحبل على الغارب ، فأصبح البابا شنودة رئيسا للشعب المسيحى المصرى ، فإذا ظل ولاء البابا للحزب الحاكم ظل ولاء شعب البابا للحزب الحاكم - بالأمر و الكهنوت - و العكس صحيح .

شيخ الأزهر و مشايخ الأوقاف :
حفنة من نموذج المصرى الأسوأ تاريخيا ، ارتضوا مع علمهم الغزير أن يكونوا بعض من الموظفين الحكومين الذين لا يفعلوا شيئا الا إذا أملى عليهم ، و لا يتفوهوا بقول إلا إذا طلب منهم ، فأصبحوا بلا قيمة ولا أهمية و لا مصداقية و لا تأثير ، اللهم الا على بعض الغلابة من الأميين .

الرئيس و نظامه :
دأب الرئيس على تطبيق المقولة الخالدة " إذا أردت أن تظل الفرد الأوحد فيجب أن يظل الناس أفرادا " ، فاستجاب لرغبة البابا فى الزعامة ما دام سيظل تحت جناحه هو و شعبه ، و جعل المؤسسة الدينية الإسلامية التى ظل فضلها على العالم قرون ، مؤسسة حكومية تأكل البيروقراطية جوانباها يوما بعد يوم . كما عمل على تجنيب فكرة الدولة المدنية ، حتى يظل الاحتقان الطائفى هو الشبح المرعب و يظل الشعب ممسكا فى أيدى النظام خشية ظهور العفريت و احتراق الوطن بأكمله .

الشعب المصرى :
هؤلاء الناس الذى نسوا و تناسوا و أنسوا أنفسهم ، طريق الوصول و النجاة ، و أثبتوا لموسى ديان مقولته " العرب لا يقرأون ، و إذا قرأوا لا يفهمون ، و إذا فهموا لا يطبقون " ، و اعتمدوا على أذانهم فى تلقى المعلومات و المفاهيم دون مراجعة و بحث و تنقيب ، و كأن زمن الأنبياء و الرسل لم ينته بعد ، فظهر لنا ( هولى أكتورز) - الممثلون المقدسون - بدلا من (هولى وود) ، و عكفنا على مشاهدتهم و ابتلاع سمومهم ليل نهار .

إذا أردتم - و الكلام للشعب فهو المخطئ و هو الحل - أن تنظفوا الجروح و تنقذوا أنفسكم ، مما نحن قادمون عليه لا محالة عاجلا و ليس آجلا ، أناشدكم بالله و أناشدكم بكل عزيز عليكم ، أن تضعوا أصابعكم فى أذانكم و توصدوا عليكم الأبواب و تعودوا لمصاحفكم و أناجيلكم ، و أن تقرأوها بتدبر و حكمة ، و بعدما تتحصنوا جيدا ، ستكونون حينها جماعات و ليس أفرادا و لا يستطيع أن يحكم الجماعات الا مؤسسات .

الا تفعلوه ، فانتظروا الفتنة التى تأكل الأخضر و اليابس إنى معكم من المنتظرين

عبدالله شلبى
٦ /١ / ٢٠١١
٤:٠٠ صباحا