الجمعة، 30 مارس 2012

جمهورية السمك

أيام كثيرة، و أوقات طويلة مضت علىّ دون أن أفتح تلك المدونة لأكتب فيها كما تعودت و عودتكم. فكلما وقع جديد يستحق الكتابة وجدت أنه ليس بجديد و أن هذا الموقف تكرار مماثل سبق و أن حدث و كتبت عنه بالفعل، فأكتفى باعادة نشر المقال المتعلق به.

عسر هضم فكرى انتابنى بفضل ما يدور حولى، جعلنى أعزف عن السياسة و قراءة الجرائد و حتى سماع الأخبار. مواقف متتالية تجعلنى ألعن اليوم الذى سارع فيه الفتيان بدمائهم و أرواحهم ليغيروا واقعهم السئ، ثم سلموا حلمهم لعجائز فحولوا الواقع الى أسوأ....

قررت اليوم أن أعود للكتابة و لكننى أخصص اليوم مقالى هذا لرفقاء "جمهورية تحريريوبيا"، الذين جعلوا من ميدان عمومى كعبة مقدسة يحج اليها كل المظلومين و المطحونين ليشتكوا الى الواحد القاهر ظلم حكامنا. 

أعلم أنكم مثلى منتظرون الفرج من عند الله و أيقن أن الحلم بداخلكم لا يموت و لكنه ينتكس و يمرض من حين لآخر؛ أرى منكم من يتابع عن كثب موجة الأحداث ليحاول تقدير متى ستندلع الثورة الحقيقية التى َنَجَهز فيها على كل المتلونين و المتشعلقين و الهابطين من السماء، و أرى فيكم أيضا من كفر بالشعب و يلعنه صبحا و عشيا لارتضائه الذل بعد الكرامة، و الخسة بعد العزة.

لا أخفى عليكم، لقد كان تشخيص الحالة النفسية و المزاجية لهذا الشعب هو شغلى الشاغل و همى الذى لا ينجلى طيلة فترة انقطاعى تلك. فتحليلات الزكى نجيب محمود و الشيخ محمد الغزالى و عمنا نجيب محفوظ هم موارد جدا قيمة لتدعبس فيها عن نواة هذا الشعب، و القرآن الكريم خير رفيق فى طريق البحث داخل مخلوقات الخالق.

"آفة حارتنا النسيان"، هكذا لخص الراحل الجميل عم نجيب محفوظ مشكلتنا اللامتناهية، آلا و هى النسيان و ذاكرة السمك التى نتمتع بها. و لكن استوقفنى فى القرآن تسمية الله لنا بـ "انسان"؛ و اذا بحثت عنها فى المعجم لوجدتها في (ن - س - ى)، أى أن النسيان ليس عيب أو خصلة فينا و انما هو تركيبة أصيلة بداخلنا و هو فضل و نعمة من الله أيضا، و بالطبع تتفاوت درجاته من واحد لآخر و لكن هذا لا يغير من الأصل فى شئ.
و لاحظت أيضا أن أكثر ما وصى الله به رسولنا محمد - صلوات الله و سلامه عليه - هو التذكير، "فذكر انما أنت مذكر لست عليهم بمصيطر"، "فذكر ان الذكرى تنفع المؤمنون"، "و ما يذكر الا أولو الألباب". 
و هذا ما خشيه عدو الثورة الأول "المجلس العسكرى" و أعانه على ذلك من اتفق معه على الاجهاز على كل القوى الثورية و اجهاض حماسهم مقابل السيطرة معه على الحكم. فتم احتكار الاعلام بشتى وسائله و اعلان وزارة الاعلام وزارة سيادية تتبع جهاز المخابرات مباشرة الذي يتبع المجلس العسكرى، و من هنا بدأت مسيرة الثورة للخلف در.

"احتلو شوارعكم" هكذا وجدت نفسى أردد تلك الكلمات و أنا علي مشارف الانتهاء من بحثى فى مزاج العقلية المصرية، التى خلصت منه أننا شعب نكره الروتين بطبعنا و نحرص علي التجديد مهما كان طفيفا، و فى حدود الممكن مهما كان صعبا. مازالت حملات "كاذبون، و لا جدران، و الجرافيتى" هى الأقوى فى صداها على العقلية المصرية و أقسم أن ذلك الطريق مازال هو السلاح الباقى معنا. لقد كانت المعجزة فى تلك الحملات هو التجديد و التغيير و التأثير المباشر و اللعب على أكثر من حاسة، و هذا ما نحتاجه الآن.... اذا أردتم العودة للحياة.

لا تكونوا نيكروفيليون عشاق هدم، و تكتبوا و تتظاهروا و ترفعوا أصواتكم مناديين باسقطاط كذا و كذا، لا تجعلونا نقع في نفس حفرة ٢٥ يناير عندما طالبنا باسقاط النظام و خلع الرئيس دون أن نعرف ماذا سنفعل بعدها، فسلمنا البلد لمن لا يخاف الله فينا بأيدينا.
بل لنكون بيوفيليون عشاق بناء، دعونا نكتب على الجدران دستورنا الذى نبتغيه، دعونا نزين الحوائط بما نحلمه لمصر، دعونا نظهر للناس أن ما نحلم به لمصر سيخدمنا جميعا و أن ما يحملوه لمصر سيخدمهم وحدهم، دعونا ندشن حملة "لا تنسى" و نعرض فيها مساوئ نظام مبارك و حاشيته و فضائحهم مرورا بالثورة و فضائح العسكر و البرلمان، دعونا نبدأ أكبر عملية غسيل عقول يشهدها العالم،دعونا نعلنها صريحة "لنا اعلامنا و لكم اعلامكم"، دعونا نجلى العقول من براثين القهر و النفاق، دعونا ننير الطريق بقلوب و عقول مستنيرة.

دعونا نصنع الثورة، دعونا ننتصر......


عبدالله شلبى 
الجمعة ٣٠ مارس ٢٠١١
٠٤:٥٥ مساءا