الأحد، 22 مايو 2011

عبارة السلام "٢٠١١"

كلما أمعنت النظر في المشهد الحالى لمصر، كلما تذكرت حادث "عبارة السلام ٩٨"، و تذكرت التسجيل الصوتى للصندوق الأسود الذى تم اذاعته على أكثر من قناة فضائية و محلية.

أتذكر جيدا كلمات التوسل التى كان مساعدوا القبطان و العاملون علي متن العبارة يترجون بها القبطان ليطلقوا صافرات الانذار و يطلبوا الاستغاثة، و لكن - و الله أعلى و أعلم- كان القبطان مغرورا و متعجرفا حيث رفض رفضا قاطعا مدعيا أنه سوف يحل الأمر و هو فى فى عرض البحر !!! . و ما لبثوا الا قليلا حتى وجد كل من كان على متن العبارة، الماء تغطي أقدامهم و ترتفع مندفعة لتبتلعم و تغطى أعناقهم.

نعم ، هذا ما يحدث الآن، المجلس العسكرى لا يريد أن يعترف أن لا علاقة له بكيفية الادارة السياسية للبلاد، و يظل كل من حوله من العقلاء و المفكرين و السياسين و النشطاء يتوسل اليه، لتسليم البلاد الى مجلس رئاسى مدنى أو الى مشاركة الشعب فى حكم بلاده و تحديد مصيره. و لكن مع الأسف، يظل لواءات الجيش ينظرون لنا أننا عساكر فى جيش الوطن ، و لا يصح أن يأخذ اللواء أوامره أو حتى مشورة من عساكره. و يتجلى ذلك الموقف كل يوم باصدار قوانين مفاجئة تنزل على اشعب كالأقدار، و لا يحق لأحد أن يعارض أو يناقش سعادة اللواءات.

أحب أن أحيط سيادتكم علما أنه لا يوجد واحد ممن شاركوا فى أحداث ٢٨ يناير و حتى ١١ فبراير لم يتعرض الى الموت مرة على الأقل، و كطبيب و قارئ فى علم النفس فإن أقوى و أقصر الطرق لتقتل ما تخشى منه هو أن تواجهه، و بالتالى من كان منا يخشى الموت للحظة فى حياته لم يعد يأبه به و لا يكترث له أى أهمية.

و أيضا لا يوجد واحد ممن شاركوا الا و يشعر أن استكمال جميع أهداف الثورة و التى كان أساسها "أن يستعيد الشعب بلاده" - بمعنى أن يعامل المواطنون جميعا أنهم مشاركون فى بناء الوطن و تحديد مستقبله و ليس أنهم فقط عبيد يعيشون علي أرضه و ليس عليهم شئ سوى السمع و الطاعة - دين كلفنا به الشهداء و هو فى رقابنا الى يوم الدين.

سيادة المجلس العسكرى، أمامك طريقان لا ثالث لهم، اما أن تعود الى تلك الشخصية التى أبهرتنا و كتبت بيان رقم "١" و من ثم تعود الى ثكناتك و تقوم بدورك فى حماية حدود الوطن، و تترك السياسة الى أهل السياسة أو تشركنا معك فى كل صغيرة و كبيرة تتعلق بحاضر و مستقبل مصرنا الغالية، و تصارحنا جميعا حتى نعينك على ما ابتلاك الله به.

اما أن تسجل فى كتاب التاريخ الذى لا ينسى و لا ينافق، أنك أغرقت البلاد و أهدرت الدماء التى بذلت لاستعادتها، و أعدك أنك لن تطلق النار على مواطن مصرى أيا كان ، ليس لأنك لن تعطى الأوامر ، و لكن لأن رسول الله (صلى الله عليه و سلم) وعدنا أننا فى رباط الى يوم القيامة و لن يستطيع أحد أن يفرق بيننا، فلن يطلق الجنود المصريون على المواطنيين طلقة واحدة.

سننزل يوم ٢٧ مايو و سنعلنها لك وحدك اما أن تشركنا و تشاركنا فى قيادة السفينة التى تقلنا جميعا، و اما عدت بلا رجعة من حيث أتيت، فالشعب المصرى أثبت أنه لا يحتاج الى واص عليه و أظن أنك تعى ما أقصده.


عبدالله شلبى
٢٣ مايو ٢٠١١
١٢:١٢ صباحا

الأحد، 8 مايو 2011

جراحة عاجلة (ميثاق مصر)

ثلاثة أشهر مضت علىّ و أنا جالس بجوار ابنتى الجميلة "مصر" فى غرفة العناية العناية المركزة، أتأمل وجهها الذى لا أمل النظر اليه و أتابع باهتمام حركة مؤشرات الأجهزة من حولها و تمتمات الأطباء الخبراء و المحللين. و أقضى السهرة فى الليل بجوارها أفكر و أخطط و أحلم بها بعد أن تتماثل للشفاء و تعود لشبابها بزهوتها البراقة، و ضحكتها الخاطفة، و ريادتها القاطرة.


كانت الأيام تسير فى العادة بهدوء حتى بدأ الأطباء يقللون من الحديث معى و مع أهلها جميعا فبدأ الشك ينتابنا و لا نعلم هل مصر فى خطر؟، هل بها مرض مزمن؟، و لكن دوما تأتينا الاجابات بعكس ما نرى و نشعر، و لانشعر فى كلامهم الصدق الا قليلا. و لا أعلم لماذا لا يصارحوننا و يشركونا معهم فى الأمر، ألسنا معكم؟! ألسنا جميعا نتحمل المسؤلية؟ ألسنا في نفس الخندق؟ أليس من الممكن إن صارحتمونا بالحقيقة كاملة تجدوا عندنا حلولا؟ أو على الأقل تجدون تحملا أكثر للمسؤلية من ناحيتنا و رعاية أكثر لمصر؟


الى هنا كان الأمر محتمل ، حتى حدثت الطامة الكبرى ، رأيتها أمام عينى فى ليل السبت المشؤوم ترتجف بقوة و ينتفض جسدها من حين لآخر، و نحن نصرخ و نستغيث، ولكن لا مغيث، و فجأة أصيبت بنزيف حاد، و ظل يزداد النزيف، و نحن نصرخ حتى آتى بضعة من الممرضين، أوقفوا النزيف و أخلوا المكان، و لكن الى الآن لم يدخل أى طبيب حتى يدلى بدلوه فى تشخيص تلك الحالة، و تركونا شاخصة أبصارنا لا نعلم الى أين مصيرنا و مصيرها.


فاقت ابنتى الحبيبة، بوجه شاحب لا تستطيع أن تحرك شفتيها، و لا تعلم ما حدث لها، و كم الدماء الهائلة التى نزفتها، جلست بجوارها بعينين غارقة فى الدموع على حالها و على حظها الذى أوقعها فى يد أطباء فاشلون بعد ما خلصها شبابها من يد عصابة المغتصبين. ربط على يدها الباردة و قبلتها على خدها و استأذنتها أن أخرج لبرهة و أعود اليها، فسألتنى: الى أين؟، فأجبتها: يجب أن أجد حلا، لن أتركك تضيعين أمام عيناى و أقف مكتوف الأيدى، مسلوب الارادة.


أتيت بورقة و قلم و بدأت أكتب ما رأيته بعينى حتى أستطيع أن أصل الى مسبب تلك الحالة:

مجموعة يقال عليهم "سلفيون" تجمهروا أمام الكنيسة مطالبين بالافراج عن شخصية وهمية تدعى "عبير" ، مناواشات من كلا الجانبين، أعيرة نارية لا يسمع الا دويها و لا يعرف من أين، قتلى يتساقطون، دماء تسيل، مصابون بالمئات، أم تتثكل ، و زوجة تترمل، و أبناء يتيتمون كل هذا فجأة !!! ، كل هذا بسبب اشاعة و شخصية وهمية !!! ، ثم خبر آتى مسرعا اعتصام لمجموعة من الأقباط أمام السفارة "الأمريكية" !!! ماذا يريدون؟ حماية دولية!!! أليس هذه بلدكم أيضا؟ شعب يريد احتلال دولى لبلده ؟؟!!! اذا هناك فخ ....


"سلفيون" اسم جديد علي مسامع المصريين، بدأ يتردد بعد انتشار القنوات الفضائية الدينية ذات التمويل السعودى و التوجه الوهابى، مشايخ تلك القنوات، أناس انتقلوا من تحت خط الفقر الى قصور و سيارات فارهة، مرتب الواحد منهم يتراوح بين ستون ألفا و مائة و أربعون ألفا شهريا !!!! من المتوقع أن يكونوا هم ذراع آل سعود فى مصر (لا أقصد السلفيين المدنيين و الأفراد أقصد المشايخ الكبار ذوى الأتباع و المريدين الجهلاء) ، مثلما كان لهم ذراع "السُنّة" فى لبنان (الثمانينيات - الحرب الأهلية). آل سعود حذروا المصريين من محاكمة مبارك - و فعلناها غير آسفيين - ثم تم سحب أرض توشكى من الوليد بن الطلال لبطلان بيعها، مصر تحاول فتح صفحة جديدة مع ايران (العدو الأول لدول الخليج و خاصة السعودية)، قضت المحكمة ببطلان بيع عمر أفندى لشركة أنوال السعودية.


"مايكل منير" مصرى مسيحى، له نشاط حقوقى فى أمريكا، يدافع عن من يسميهم الأقليات المظلومة، جاء الى مصر قبل أيام من التنحى، و يا لسخرية القدر مايكل نفسه هو قائد مظاهرة و اعتصام المسيحين عند السفارة "الأمريكية" مطالبين بحماية دولية !!!! اسرائيل غير راضية عن دور مصر الاقليمى الجديد و حل مشكلة الانقسام الفلسطينى، واشنطن غير راضية عن أسلوب مصر الجديد فى التعامل معها و رفضها أى معونات مشروطة و تقول انها "سياسة خطرة" !!! واشنطن و اسرائيل تحثان مصر على مراجعة نفسها بشأن مشروع اصلاح العلاقات المصرية - الايرانية !!!


ثم نقول هذا استنتاج و تحليل شخصى ، و ذلك أيضا جزء الأيادى الخارجية، لنأتي اذا الي الأيادي الداخلية:


علاقة المسلمين و الأقباط علاقة هلامية لا ينظمها أى قانون، تعتمد على تقبيل اللحى كل عيد بين شيخ الأزهر و بطريرك الكنيسة المرقسية، حقوق المسلمين و الأقباط لا ينص عليها أى قانون، المعادلة المرعبة: جهل + شخصية روحانية = قنبلة ذرية في وجه الديموقراطية، غياب و تواطؤ أمني واضح امتد لأكثر من ثلاث ساعات مما تسبب فى سقوط تلك الأعداد الغفيرة من القتلي و المصابين ، جهة ما ستسفيد بالتأكيد من نشر الذعر و عدم الاستقرار فى البلاد لتقتنص الفرصة و تقفز على الحكم باسم ارساء الأمان ، هل عرفتها؟ (اللى ميشوفش من الغربال يبقى أعمى ، و اللى علي راسه بطحة يحسس عليها)



هذه كانت محاولة لتجميع الخيوط و توصيل النقاط ببعضها حتى يتضح المخطط شيئا فشيئا ، ثم نأتى الى الحل الذى فكرت فيه:


الحل يتلخص فى كلمتين هما "ميثاق مصر" مثل ما فعل رسول الله -صلى الله عليه و سلم- حين دخل المدينة و بها أطياف و قبائل كثيرة فعمل "ميثاق المدينة" لينظم بها كافة الحقوق و الواجبات لكل أهل المدينة و العقوبات التى تقع على من يخالف ذلك.


هذا ما نحتاج اليه الآن و فى تلك اللحظات الفارقة، حتى نضيع على أى حذق متربص بأحلامنا و آمالنا فرصته فى تدمير بلادنا و تقسيمها، نعم تقسيمها، اياكم أن تنسوا أو تتناسوا فى يوم مشروع "اسرائيل الكبرى" من الفرات الى النيل .


فلنعقد مؤتمرا شعبيا جامعا لكل التيارات و الأطياف الدينية و نجلس معا لنكتب بكل شفافية و صراحة "ميثاق مصر" متضمنا (كمثال):

١- حق كل مواطن فى اختيار ديانته بكل حرية و من غير وصاية من أحد.

٢ - الموقف من توحيد بناء دور العبادة (بُناءا على النسبة و التعداد)

٣- حق المواطن أن يحاكم بما تنص عليه شريعته .


أرجوكم جميعا أن نفيق و ننتبه و نبدأ في الحلول الجذرية قبل أن نندم فى يوم لا ينفع فيه الندم


عبدالله شلبى

القاهرة في ،

٩ مايو ٢٠١١

١:٣١ صباحا