الاثنين، 12 أبريل 2010

حكم العساكر

أخذنى القدر الى مكان جديد ، ليزداد عشقى و ليزود من حبى لبلاد طيبة . أصبحت أؤمن أنها محتلة ، و أنها لم تتخلص بعد من بطش و اغتصاب المحتل . و يا له من إحساس عندما يهينك ضناك ، أو يحجر عليك فلذة كبدك ، أو يورثك و أنت ما زلت حيا.

ذهبت الى وادى الريان بالفيوم ، حيث الشلالات العذبة التى تصب فى البحيرة المالحة ، و حيث الطيور المهاجرة التى تتفاخر بألوانها ، وحيث الشمس الناعمة التى تتأنى و تتلطف و هى ترسل أشعتها الذهبية.

و ذهبت أيضا الى وادى الحيتان ، لأجد فى انتظارى آلة الزمان تعود بى ٤٠ مليون سنة للوراء ، و تجعلنى أسير فى أعماق بحر مسافة ٤،٨ كم ، لأرى من حولى الحيتان بأحجامها الضخمة متحجرة ، و أسماك و كائنات أخرى كثيرة . و أرى جبال من الشعاب المرجانية ، و أسير بقدماى فوق قواقع و محار لا حصر لها . و ناهيك عن المعادن الناجمة من جفاف ذلك البحر .

انفصلت عن الفوج و صعدت وحيدا شارد الذهن ، الى قمة جبل من تلك الشعاب ، و أخذت أبث همّى و حزنى الى الله ، على تلك الثروات المهدرة ، و تلك الشابة التى شابت قبل آوانها من أفعالنا و من اهمالنا و جهلنا . فأنا لم أسمع من قبل عن تلك الأماكن و لا عن تاريخها ، شعرت للحظة أننى مهاجر فى بلدى أو ربما عابر سبيل أكتشف بمحض الصدفة أماكن يكاد أن تذهب من جمالها العقول . تاريخ يتحدث عن نفسه و يثبت للإنسان فى كل لحظة ضآلة حجمه و قدرة خالقه .

و بينما أنا حزين و سارح فى كل ذلك الجمال من حولى ، جائنى طفل كان معى فى الفوج و همس فى أذنى " لماذا تجلس وحيدا؟" ... فجاوبته "لأننى مهموم" .... فسكت قليلا ثم قال " هل تعلم أن هذا المكان لو كان فى أى دولة كان كفيلا أن يدخل لها ملايين ؟ " لماذا لا يعلنون عن تلك الأماكن ؟" ...

و غلى الدم فى عروقى و كدت أن أنفجر من الغيظ عندما تذكرت إعلانات السياحة فى مصر التى لا تظهر شيئا غير بعض الكباريهات و الراقصات ثم ينتهى الاعلان بجملة " مصر متتنسيش " و هم يقصدون " نسوان مصر متتنسيش" ، و الإعلان الآخر الذى نرى فيه الكاميرا تجوب شوارع و كبارى مصر مظهرة مدى زحامتها و اختناق شوارعها و ينتهى هو الآخر بجملة "نورت مصر" و هم يقصدون أيضا "متزحمش مصر" أكثر من زحمتها .

ثم تمالكت أعصابى بقدر ما استطعت و جاوبته قائلا " المشكلة فى حكم العساكر اللى احنا عايشين فيه ، الناس اللى ماسكيننا متعلموش حاجة غير صف و انتباه ، ان شاء الله لما نأخد بلدنا تانى منهم أكيد اللى هيحكمنا ساعتها ان شاء الله علماء و ناس بتفهم ، ساعتها بس هنلاقى اللى يعرف يعلن عن الأماكن دى "

و فوجئت بيده الصغيرة تمتد نحو وجهى ، و تمسح دموعى التى لم أستطع أن أتمالكها هى الآخرى ......


عبدالله شلبى
٢٠١٠/٤/١٣
٠٩:١٧ م

هناك 3 تعليقات:

  1. you cried fe3lan

    ردحذف
  2. السلام عليكم ....

    نصك جميل وهادئ يحمل في طياته معان جميله ,وأظنّك نجحت في نقل مشاعرك من خلاله.

    عن نفسي فلم افاجئ ببكائك كما فوجئت باليد اللطيفة التي مدت اليك فربّتت على كتفك وأطفات القليل من نارك , وأهنّئك على صحوتك في وقت لا نرى فيه سوى النيام بكافّة ألوانهم , وأطلب أن أحادثك بشكل خاص .... فما ردّك .؟؟

    ردحذف
  3. أشكرك على تعليقك الجميل و للتواصل الخاص : abdullah.shalaby@gmail.com

    ردحذف