فتحت لى "ليندا" الباب، خادمته البيلاروسية، ذات الشعر الذهبى و الوجه الوردى، و تنورتها الكحلية التى تكشف عن سيقانها البيضاء، و بابتسامة تجعلنى من فرط سحرها أنسى أين أنا فأبدأ أبحث عن جواز سفرى في جيوبى لأشهره حتى يؤذن لى بالدخول لتلك البلدة.
ثم كعادتها تطلق ضحكتها الموسيقية محاولة فك ربكتى و تجميع شتات ذهنى، فتأتى -كالعادة- طنط "ميرفت" على صوت ضحكتها، لترحب بى و تعاتبنى "يعنى عمرك ما وقفت معايا على الباب دقيقة!! ادخل بسرعة عشان هو مستنيك من بدرى".
أتقدم على مهل متلكئا فى انتظار أن تأتى معى "ليندا" لترشدنى الي طريق حجرة مكتبه الذى أحفظه عن ظهر قلب، لأسمع صوت "طنط ميرفت" زاعقا تقول: "لأ هو لسه فى أوضته"، حينها تقابلنا أنا و "ليندا"، فرمقتني بنظرة انفرجت لها أساريري، فضحكت قائلة "بطل شقاوة بتكسف"، تسمرت مكانى أعيد على أذنى ما قالته، ثم سألتها "انتى اتعلمتى عربى امتي؟!" ، فترد على "طنط ميرفت" التى تطلع من تحت الأرض كأنها المترجم الفوري لليندا: "هو أستاذك سايبها في حالها!! ده كل لما أجيب واحدة جديدة و من بلد جديدة في ظرف أسبوعين يخليهم من شبرا!!"، فابتسمت و سمعت صوت أستاذى "ابن المفقوع" ينادى من غرفته "تعالى يا عبد الله و هات ليندا معاك، ليندا بس".
فضحكت و طنط ميرفت تتمتم ببعض الكلمات بوجه ينم عن نوايا لارتكاب جريمة، و لكني أسرعت أنا و ليندا الخطى نحو غرفته و دفعت الباب، لنجد "ابن المفقوع" يقف بشعره الثلجى و وجهه الوردى و بيجامته القرمزية أمام السرير واضعا عليه الروب الأخضر الصيفى و الروب البنى الشتوى -اللذان لا يفارقناه طوال موسمهما- سألنى "طيب احنا حاليا صيف ولا شتاء؟"، فردت ليندا في دلع: "لسه الأخضر"، فرمقها بنظرته الدونجوانية قائلا "يا بت خفى المسائل لتسمعك، قلتلك اصبرى على ما تنزل"، و على الفور أجد "طنط ميرفت" ترد "انسي يا ***** ٢٧ سنة مسيبتكش فيهم يوم لوحدك و لحد ما تموت هفضل قعدالك"، فيقول مازحا "مش ممكن ربنا يسامحنى و يخليكي تسبقى انتي؟؟"، قتجاوبه "انسى ده هيسيبني عشان أفضل محافظة عليك و واخدة بالي منك". فأردف قائلا" طيب خدى المزة اللي خسارة في آل آدم كلهم الا أنا و سيبوني أقعد مع ابنى شوية ولا أقولكم احنا هنسيبلكم الأوضة و نروح المكتب".
ذهبت أنا و "ابن المفقوع" الى مكتبه، أجلسنى ثم قال بصوت عال "ليندا هاتي لعبد الله القطايف اللي عملتيها مع قهوته و هاتيلي انا قهوتي".
قلت له: "انت خليتها تعمل قطايف؟؟ بيلاروسيا؟!!".
فقال: "ياض هفضل أعلمك لحد امتى، أي ست تعرف تعمل أي حاجة، الرك على الراجل يعرف يدلع امتي و يؤمر امتي، اوعي تفتكر ان فيه ست متعرفش تعمل حاجة، بس تأكد ان فيه راجل مش عارف يساعد الست تكتشف قدراتها، بس انت أهم حاجة مترخيش أوي".
ابتسمت و نظرت للمكتبة التى دوما ما حلمت أن أقرأ كل ما فيها من كتب و أن أقتني في يوم من الأيام شبيهتها، قاطعنى قائلا: "شفت الخوجة عمل ايه انهارده؟" فقلت له "عمل ايه سيادة الاستبن"، فضحك قائلا "انهارده الثلاثاء مفيش صلاة و لا خطبة يبقي أكيد معملش حاجة!".
عودنى "ابن المفقوع" منذ أن توطدت علاقتنا و تبنانى فكريا أنه اذا بدأ فى الحديث أن أسكت تماما ولا أقاطعه الا للاستفسار، و هو يفعل ذلك أيضا معى.
بدأ حديثه قائلا "مشكلة الخوجة و جماعته يا اكسلانس، انهم بالضبط زى جماعة الأميش، و جماعة الأميش هم جماعات مسيحية على العهد القديم، يعيشون فى مناطق في ولاية كولومبيا و مناطق أخرى في أوروبا، لهم عادات غريبة، فمثلا هم يؤمنون أن التطور حرام و هو ضار على المجتمع، فلا يركبون السيارات، و لا يشاهدون التلفاز...الخ، و هو مجتمع قبيلى تماما يوقرون حاخامهم جدا و أمره مطاع مهما كان، و هم شعب محتشم، رجعى جدا في أفكاره، ليس له علاقة بالمجتمع من حوله منغلق تماما ثقافيا و اقتصاديا و اجتماعيا علي نفسه، و من عاداتهم عدم اكمال التعليم بعد المرحلة الاعدادية، فلا تجد فيهم طبيب ولا مهندس ولا حتي حامل دبلومة، واذا تمرد أحد شبابهم و هرب من مجتمع الأميش ليكمل تعليمه صار منبوذا من كل الأميشيون، حتي أهله ينبذونه و يتبرأون منه.
طبعا مع اختلاف العادات بين الأميش و الاخوان، لكن بينهم روابط كثيرة، و مشكلة خوجتنا الهمام أنه مهتم فقط برضاء أفراد جماعته عن أداؤه، فهو سفير عن الجماعة فى قصر الرئاسة و معين له طاقم من الجواسيس ليرفعوا لمكتب الارشاد و المرشد كل حركة و تنهيدة يفعلها أو يقولها، و الخوجة لا يعلم أن الانتخابات تكون بالديمقراطية الجماعية و لكن القرارات تكون بالشورى الديكتاتورية، و لا يصلح أن يحكم دولة "مكتب" و الخوجة هو اللي في وش المدفع، ثم أطلق تنهيدة طويلة و قال: "انا مش كاره الاخوان، بس كاره غبائهم، انا شديد الكره للغباء، عشان بغبائهم هيخلوا الناس تنزل و تطالب بعودة حكم العسكر عشان مفيش قوة غير الجيش هتقدر تزيحهم بس ساعتها الدم هيكون كتير، عشان شباب الاخوان دمهم رخيص علي أفاعي مكتب الارشاد، و القوة المدنية محتاجة تفهم ان البداية مش من الشارع، البداية من الأزهر، الأزهر لازم يقوم علي حيله، لازم "الخرة" اللى بيتحشى في عقول الناس من على المنابر و قنوات المخابرات البريطانية و الأمريكية ذات الطابع الوهابى السلفى يتنضف، لازم الأزهر اللي فتح أفريقيا و عمل النهضة في ماليزيا، هو اللي ينقذنا من اللي احنا داخلين عليه"
فسألته "داخلين على ايه بالضبط؟؟"
و للحديث بقية ان كان فى العمر بقية
عبد الله شلبى
الأربعاء ١٤ نوفمبر ٢٠١٢
١٢:٣٤ صباحا