الأربعاء، 14 نوفمبر 2012

جلسات "ابن المفقوع" .. 1

فتحت لى "ليندا" الباب، خادمته البيلاروسية، ذات الشعر الذهبى و الوجه الوردى، و تنورتها الكحلية التى تكشف عن سيقانها البيضاء، و بابتسامة تجعلنى من فرط سحرها أنسى أين أنا فأبدأ أبحث عن جواز سفرى في جيوبى لأشهره حتى يؤذن لى بالدخول لتلك البلدة.
ثم كعادتها تطلق ضحكتها الموسيقية محاولة فك ربكتى و تجميع شتات ذهنى، فتأتى -كالعادة- طنط "ميرفت" على صوت ضحكتها، لترحب بى و تعاتبنى "يعنى عمرك ما وقفت معايا على الباب دقيقة!! ادخل بسرعة عشان هو مستنيك من بدرى".
 أتقدم على مهل متلكئا فى انتظار أن تأتى معى "ليندا" لترشدنى الي طريق حجرة مكتبه الذى أحفظه عن ظهر قلب، لأسمع صوت "طنط ميرفت" زاعقا تقول: "لأ هو لسه فى أوضته"، حينها تقابلنا أنا و "ليندا"، فرمقتني بنظرة انفرجت لها أساريري، فضحكت قائلة "بطل شقاوة بتكسف"، تسمرت مكانى أعيد على أذنى ما قالته، ثم سألتها "انتى اتعلمتى عربى امتي؟!" ، فترد على "طنط ميرفت" التى تطلع من تحت الأرض كأنها المترجم الفوري لليندا: "هو أستاذك سايبها في حالها!! ده كل لما أجيب واحدة جديدة و من بلد جديدة في ظرف أسبوعين يخليهم من شبرا!!"، فابتسمت و سمعت صوت أستاذى "ابن المفقوع" ينادى من غرفته "تعالى يا عبد الله و هات ليندا معاك، ليندا بس".
فضحكت و طنط ميرفت تتمتم ببعض الكلمات بوجه ينم عن نوايا لارتكاب جريمة، و لكني أسرعت أنا و ليندا الخطى نحو غرفته و دفعت الباب، لنجد "ابن المفقوع" يقف بشعره الثلجى و وجهه الوردى و بيجامته القرمزية أمام السرير واضعا عليه الروب الأخضر الصيفى و الروب البنى الشتوى -اللذان لا يفارقناه طوال موسمهما- سألنى "طيب احنا حاليا صيف ولا شتاء؟"، فردت ليندا في دلع:  "لسه الأخضر"، فرمقها بنظرته الدونجوانية قائلا "يا بت خفى المسائل لتسمعك، قلتلك اصبرى على ما تنزل"، و على الفور أجد "طنط ميرفت" ترد "انسي يا ***** ٢٧ سنة مسيبتكش فيهم يوم لوحدك و لحد ما تموت هفضل قعدالك"،  فيقول مازحا "مش ممكن ربنا يسامحنى و يخليكي تسبقى انتي؟؟"،  قتجاوبه "انسى ده هيسيبني عشان أفضل محافظة عليك و واخدة بالي منك". فأردف قائلا" طيب خدى المزة اللي خسارة في آل آدم كلهم الا أنا و سيبوني أقعد مع ابنى شوية ولا أقولكم احنا هنسيبلكم الأوضة و نروح المكتب".
ذهبت أنا و "ابن المفقوع" الى مكتبه، أجلسنى ثم قال بصوت عال "ليندا هاتي لعبد الله القطايف اللي عملتيها مع قهوته و هاتيلي انا قهوتي".
قلت له: "انت خليتها تعمل قطايف؟؟ بيلاروسيا؟!!".
فقال: "ياض هفضل أعلمك لحد امتى، أي ست تعرف تعمل أي حاجة، الرك على الراجل يعرف يدلع امتي و يؤمر امتي، اوعي تفتكر ان فيه ست متعرفش تعمل حاجة، بس تأكد ان فيه راجل مش عارف يساعد الست تكتشف قدراتها، بس انت أهم حاجة مترخيش أوي".
 
ابتسمت و نظرت للمكتبة التى دوما ما حلمت أن أقرأ كل ما فيها من كتب و أن أقتني في يوم من الأيام شبيهتها، قاطعنى قائلا: "شفت الخوجة عمل ايه انهارده؟" فقلت له "عمل ايه سيادة الاستبن"، فضحك قائلا "انهارده الثلاثاء مفيش صلاة و لا خطبة يبقي أكيد معملش حاجة!".
عودنى "ابن المفقوع" منذ أن توطدت علاقتنا و تبنانى فكريا أنه اذا بدأ فى الحديث أن أسكت تماما ولا أقاطعه الا للاستفسار، و هو يفعل ذلك أيضا معى.
بدأ حديثه قائلا "مشكلة الخوجة و جماعته يا اكسلانس، انهم بالضبط زى جماعة الأميش، و جماعة الأميش هم جماعات مسيحية على العهد القديم، يعيشون فى مناطق في ولاية كولومبيا و مناطق أخرى في أوروبا، لهم عادات غريبة، فمثلا هم يؤمنون أن التطور حرام و هو ضار على المجتمع، فلا يركبون السيارات، و لا يشاهدون التلفاز...الخ، و هو مجتمع قبيلى تماما يوقرون حاخامهم جدا و أمره مطاع مهما كان، و هم شعب محتشم، رجعى جدا في أفكاره، ليس له علاقة بالمجتمع من حوله منغلق تماما ثقافيا و اقتصاديا و اجتماعيا علي نفسه، و من عاداتهم عدم اكمال التعليم بعد المرحلة الاعدادية، فلا تجد فيهم طبيب ولا مهندس ولا حتي حامل دبلومة، واذا تمرد أحد شبابهم و هرب من مجتمع الأميش ليكمل تعليمه صار منبوذا من كل الأميشيون، حتي أهله ينبذونه و يتبرأون منه.
طبعا مع اختلاف العادات بين الأميش و الاخوان، لكن بينهم روابط كثيرة، و مشكلة خوجتنا الهمام أنه مهتم فقط برضاء أفراد جماعته عن أداؤه، فهو سفير عن الجماعة فى قصر الرئاسة و معين له طاقم من الجواسيس ليرفعوا لمكتب الارشاد و المرشد كل حركة و تنهيدة يفعلها أو يقولها، و الخوجة لا يعلم أن الانتخابات تكون بالديمقراطية الجماعية و لكن القرارات تكون بالشورى الديكتاتورية، و لا يصلح أن يحكم دولة "مكتب" و الخوجة هو اللي في وش المدفع، ثم أطلق تنهيدة طويلة و قال: "انا مش كاره الاخوان، بس كاره غبائهم، انا شديد الكره للغباء، عشان بغبائهم هيخلوا الناس تنزل و تطالب بعودة حكم العسكر عشان مفيش قوة غير الجيش هتقدر تزيحهم بس ساعتها الدم هيكون كتير، عشان شباب الاخوان دمهم رخيص علي أفاعي مكتب الارشاد، و القوة المدنية محتاجة تفهم ان البداية مش من الشارع، البداية من الأزهر، الأزهر لازم يقوم علي حيله، لازم "الخرة" اللى بيتحشى في عقول الناس من على المنابر و قنوات المخابرات البريطانية و الأمريكية ذات الطابع الوهابى السلفى يتنضف، لازم الأزهر اللي فتح أفريقيا و عمل النهضة في ماليزيا، هو اللي ينقذنا من اللي احنا داخلين عليه"
فسألته "داخلين على ايه بالضبط؟؟"


و للحديث بقية ان كان فى العمر بقية



عبد الله شلبى 
الأربعاء ١٤ نوفمبر ٢٠١٢ 
١٢:٣٤ صباحا

الأحد، 4 نوفمبر 2012

قصاقيص متناثرة

بأصابع صدأة أعود لكي أكتب من جديد، و بأفكار طال حبسها فاختمرت حتى باتت تسكرنى أعود لكى أكتب من جديد، و دوامة الدنيا التى لا تتوقف و تظل مستحوذة عليك مهما كنت عنيد. سأكتب لك الآن عن قصاقيص متناثرة و ما هى الا أفكار مبعثرة، مواضيع معنونة، و لكن غير مفسرة، من الممكن أن تعتبرها كحدوتة ليل، و لكن هل ستعجبك؟؟؟ سنرى .....

أنا الذى ..... صرت الذى
أنا الذى آمنت يوما فى هذا الشعب و استسلمت أن سبب فشله و هوانه هو قياداته الباطشة الظالمة، أنا الذى قررت يوما أن أدخل الى عش الدبابير غير مكترثا كثيرا على سلامتى، أنا الذى اعتقدت يوما أن داخلنا طاهر و لكن من كثرة الظلم لا نستطيع أن نظهر الا الوجه الفاجر، أنا الذى مات فى حضنه شاب كان كل حلمه فقط أن يعيش. و بعد أن انتهى المهرجان و انفضت الهوجة و سرق الشيخ الفرحة من عيون الشباب، كفرت.... صرت كافرا بهذا الشعب بعد أن ارتأيت أن ما داخله خارجه، و أن هذا الإناء لم يكن ينضح الا بما فيه، بل بالعكس كان ملجما بعض الشئ، و لكن الآن أصبح كالقيح المتفجر كلما وسعت له الفتحة كلما فار الصديد خارجا....


الشارع لا يصلح للتشريع
أنثروبولوجيا أو علم الانسان..... هجرت الكتب السياسية بعد صدمتى مما وصلنا اليه. لأحاول أن أجمع أشتاتى و أنا أبحث لماذا حدث هكذا؟ و لأحاول أن أفهم و أتفهم طبيعة و تركيبة الانسان المصرى الغريب المريب "بالنسبة لى". لا أحد يستطيع أن ينكر حالة الانفلات الأخلاقى الذى أصبحنا نعانى منها بشكل مفرط، و كأن الغوغائية و البلطجة يجريان فى عروق المصرى مجرى الدم!!، أصبح بيتيِّ شعر هشام الجخ خير ما يصفان حالنا الآن فقد قال عنا "شعب غرقان فى النطاعة.... كل شئ بقى ريحته نطاعة"، و أتوقع أن على ساقية الصاوى أن تسمي تلك الأعوام التى نمر بها "أعوام الاستنطاع". فتجد مثلا ظاهرة "سايس العربيات" منتشرة تعيد على أذهاننا "عصر الحرافيش" و عادت شوارع العاصمة الى قانون الحارات، فعلى كل من يقود سيارة أن يدفع "إتاوة" ليصف سيارته في مكان هو يمتلكه!!. و ظاهرة "نصبة الشاى" التى باتت منتشرة عند كل ناصية و كل فتحة دوران للخلف، و كأنهم يبيعون "مياه المحاياة"، و  كل شغلتهم الأساسية فى الأصل هى نشر الفيروسات بعنف و توسيخ المكان الذى يجلسون فيه. ناهيك عن الأكثر شراسة و هم محتلو الكبارى و كورنيش النيل، فكل واحد منهم رزقه الله بخمسة أو عشرة كراسى بلاستيكية و "بابور شاى" أو "حمص الشام"، و لا يحق لك أن تقف فى سلام أو تسبح فى خيالك في هدوء، فعليك أولا أن تدفع "مرغما و صاغرا" و تبتاع منه أى شئ و الا "شوفلك حتة تانية اقف فيها ده مكان أكل عيش". هذا غير العطلات الرسمية التى تحولت الى أيام رسمية للتحرش الجماعى بكل خسة و دناوة، و يعلق صديقى الكاتب الجميل حمور زيادة على هذا الخلل و يقول "من عجائب الأمور أن الرجل الذي تستفزه أنثى ترتدي زي خليع فلا يستطيع ان يتحكم في نفسه ويتحرش بها، نفس هذا الرجل ستستفزه نفس الأنثى بنفس الزي الخليع لكنه يستطيع أن يتحكم في نفسه لو كانت تمشي مع رجل ضخم الجثة منتفخ العضلات!! سبحان الله". و سائقى الميكروباصات و الاتوبيسات الخاصة الذين يشعرون أن الشوارع ملكا لهم فكل مكان يصلح أن يكون موقفا، و كل الاتجاهات مسموح لهم أن يسيروا فيها، و اذا اعترضت يكون رد السائق: "ما تنجز يا برنس ورانا أشغال!!"، و المضحك المبكى هو هذا المشهد عندما ترى كل الجالسين بجوار نافذة فى هذا الأوتوبيس المخالف خارجين من النوافذ مرددين نفس جملة السائق فى أداء كورالى رائع  في غاية النشاز. و بالتأكيد أنصحك اذا قابلت رجلا من رجال الشرطة صدفة فى الطريق، اذهب على الفور و خذ لك صورة بجانبه لأنهم أصبحوا و لله الحمد كدبابات الجيش ينزلون الى الشارع ليس لتأمينه بل ليلتقط المارة و المواطنون "الشرفاء" الصور معهم.
هذا هو الشارع، و هو الوحيد المنوط بتشريع دستوره، فكل ما يحدث الآن فى اللجنة التأسيسية للدستور لا يعبر عن الشارع فى شئ. ففى لجنة الدستور يتقاتلون على وضع كلمة "مبادئ" فبل كلمة الشريعة أم حذفها، و الشارع يتقاتل على "بروتين" السبكى فى دور العرض و السينمات فهو الوحيد الذى أدخل تجارة اللحم الى السينما دون أي اعتراض من جهاز حماية المستهلك أو الحجر الصحى. فإذا آتينا بالشارع الحقيقى و تركنا له حق التشريع، ستكون المادة الأولى "النطاعة كنز لا يفنى"، و المادة الثانية "كل مواطن له الحق فى أخذ راتب شهرى ليعيش به كملك دون أى واجبات عليه" و المادة الثالثة "كل النساء عاهرات و لى كمواطن حق التحرش بهن الا أمى و أختى و زوجتى فهن الوحيدات المحترمات".....الخ
اذا أردنا حقا أن نكتب دستورا يعبر فيه الشارع عن شريعته بحق، فمن الأولى أن نبدأ بتربية الشارع، فكل ما نحتاج اليه الأن هو فقط اعلان دستورى مؤقت يحدد لنا فقط بعض صلاحيات الرئيس و علاقة السلطات ببعضها البعض.
ما نحن فى أمس الحاجة اليه الآن هو "الحلم"، يجب أن نخلق الحلم لأن على قدر سمو أهدافنا سترتقى أخلاقنا و معاملاتنا، فالحلم هو الذى حول ماليزيا من حقل لدولة رائعة، و هو الذى حول الهند من الفقر لرابع أقوى دول العالم فى الرعاية الصحية و أولى دول العالم فى انتاج البرمجيات و هو الذي حول اندونيسيا من دولة قبائل متناحرة الى دولة صناعية رائدة و هو الذى جعل فيها نسبة الأمية أقل من 4%!!!
الله .. الحلم .. الوطن




قبضة الأزهر
أصبحت خطبة الجمعة هم ثقيل على قلبى كل أسبوع، فمضطر أن أجلس لأستمع لدروس عفي عليها الزمن و مللتها من كثرة ما سمعتها، و كأن هذا الدين كله كتابان "جيب" صغيران. و حتى يصبح الدور محبوكا يبدأ الخطيب فى الصراخ فينا و تهديدنا و وعيدنا بأن النار حق و أننا جميعا مدركيها لأننا أصلا "منستهلش نخش الجنة" و يحثنا على مراجعة أنفسنا و أننا "شووووووف عملت اييييييه، شوووووووف أكيد انت عارف أحسن مني"!!!. فبدأت أتساءل لماذا يتركنا الأزهر هكذا، لماذا لا تكون هنا لجنة مسؤولة عن خطبة الجمعة و يكون فيها عدد من الشيوخ العلماء فعلا و بحق، و يكون كل شيخ مسؤول عن حى أو منطقة، و يكون عليه ارسال خطبة الجمعة للعدد المسؤول عنه من المساجد، و تكون وظيفة خطيب المسجد فقط هى القراءة من الورق دون تزويد شئ أو انتقاص شئ، هذا سيفيد في خلق حراك فكرى حول موضوع الخطبة بين أهالي كل منطقة، و أظن أن هذا سيكون علاجا فعالا لهذه السطحية المفروضة علينا كل جمعة!!

ديموقراطية الكنيسة
لم أرى عرسا ديمقراطيا بحق كهذا العرس الرائع الذى شاهدناه جميعا فى اختيار بطريرك الكنيسة الأرثوذوكسية الجديد، عدد محدود من العلماء له حق الانتخاب، ليصعد الثلاثة الحاصلين على أعلى الأصوات للهيكلة النهائية، فيتقدم طفل صغير لم يتعد الأربع سنوات ليسحب ورقة عليها اسم واحد، مستبشرين جميعا أن ذلك كان اختيار الله.
ما المانع أن يتم تطبيق تلك التجربة في عملية اختيار القادة في جميع المراكز، ما المعنى أن يشارك فى تحديد مصير البلاد و العباد من يجهل أصلا كيفية تحديد مصيره أو تغييره؟!! ما المنطق أن يتساوى صوت واحد عكف على الدراسة و الاجتهاد مع واحد كل بطولته أن معه بطاقة رقم قومي!!
قل هل يستوى الذين يعلمون و الذين لا يعلمون انما يتذكر أولو الألباب "الزمر:9"

الرئيس الاستبن
لم يستطع الرئيس المنتخب محمد مرسى أن يرتق و ينسينا بأفعاله -و ليس بخطبه الحنجورية- أنه كان -و ما زال- دوبليرا أو استبنا أو بديلا عن خيرت الشاطر، فهو رجل طيب و عفوي يمكن أن نقبله كوزيرا للمرافق أو نائب مجلس شعب و لكن كواجهة للشعب و ممثلا عنه في المحافل الدولية، فهو للأسف "فضيحة" و ليس له "حضور" على الاطلاق، أو كما يقول عليه أحد أحبائي "ما شاء الله الراجل ده لو انصراف عالي أوي"!!.
كانت مثلا من قرارات حكومة القنديل في عهد المرسى  اغلاق المحلات في العاشرة مساءا، هذا قرار جميل و أنا من المؤيدين له جدا، و لكن فى فرنسا و ليس هنا. فأنت يا سيدى اذا كنت استعنت بأحد خبراء العلوم النفسية و الاجتماعية، أتوقع أنهم كانوا سيقولون لك أن مواعيد غلق المحلات تأتى كرد فعل و ليس فعل. بمعني أننى اذا أردت أن أغلق المحلات حتى في الثامنة مساءا، فكل ما على فعله هو تبدير مواعيد العمل في البلاد فتصبح من الساعة السادسة صباحا علي سبيل المثال، حينها سيضطر المواطنون أن يقبعوا في منازلهم من الساعة التاسعة حتي يستطيعوا أن يأتوا في مواعيدهم، و حينها سنجد أن المحلات تغلق بطريقة ردة فعلية لعدم وجود زبائن!!.
لن أتحدث كثيرا عن سوء ادارة البلاد حاليا و لا قدرة الرئيس الفذة الأسطورية فى الصلاة كل جمعة فى مكان ما مصطحبا معه جيشه الجرار، فسيناء خير شاهد و دليل على ذلك، و أخشي أن يأتى يوما نبكي عليها كالنساء لأننا لم نستطع أن نحافظ عليها كالرجال...



عبد الله شلبى
٤ /١١ /٢٠١١ 
١٠:١٦ مساءا



السبت، 8 سبتمبر 2012

قصاقيص متناثرة-- الحلم

سامحنى فى السطور الأولى من الكتابة، فأيام كثيرة مضت على أخر تدوينة كتبتها. مشاعر كثيرة مررت بها فى الفترة الآخيرة من حياتى، تجارب جديدة أضيفت لشخصية الطفل - و سأشرح لك ما هي حكاية "شخصية الطفل" فيما بعد.

فرح، و أمل ، حزن و ألم، ذكريات و أحلام.... آآآآآه هى الأحلام، تلك الكلمة التى باستطاعتها أن تخلق في عين الواحد منا نورا و تشعل عزيمته كجندي فى نهاية حرب بدآ يسمع أبواق النصر تصيح و هو يحرر آخر قطعة آرض يدافع عنها. آآه من تلك الكلمة، كلمة جمعتنى فى يوم من الأيام بأنبل و أشجع من عرفت طوال حياتي، شباب حملوا أرواحهم علي كفوفهم قاسمون على تغيير هذه البلدة مهما كلفهم ذلك من عناء. كلمة جعلت صيحات الهتاف يوما تعلو أصوات الرصاص. كلمة جعلت الزغاريط فى جنازات الشهداء تعلو النحيب و البكاء. كلمة كانت في يوم كالغربال تنقي الشعب و تقسمه الى "حالمين" و "عبيد أنذال".

كلمة ظلت أجهزة الدولة و المنتفعون يحاربونها طيلة عام و نصف العام. كلمة كان وأدها مطلب لتلجيم شباب اقتربوا فجأة من اعادة ترتيب الزمان و تغيير مفاهيم القوي و هزم الطغيان. تلك الكلمة التى طُعنت ألاف الطعنات و كفنوها شيوخا ثم ألقوا بالجثة للغربان.

بلى، مات الحلم، مات الذي مات من أجله عماد عفت و كريم بنونة و مينا دانيال. مات الذي قتل الخوف في نصرت و نوارة و توفيق و رناء و سلمى و شيماء. مات الذى بات فى العراء من أجله أطهر الشباب، مات الذي قُصفت من أجله محصنات أشرف البنات. مات الذى كُشفت من أجله عورات أطهر البنات. مات الحلم.. بلي قُتل و مات....

مات الحلم الذى جعلنى أنسى طابور السفارات و أبعث بالايميلات اليهم لم أعد بحاجة الى بلادكم، شكرا لكم صنيعكم، و لكن بلادي اليوم هى أجمل البلاد و لن أبرحها حتى أُدفن فيها مع الآجداد و ينمو على أرضها الأحفاد. مات الحلم و مات معه كل شهيد غدر، مات الحلم و لم يحاسب أحد على قتل و اصابة ألاف الأبرياء و ضاع حقهم كالعادة هباء.

مات حلم "مصر التى لا يُظلم فيها أحد"، مات الحلم العظيم الذي ليتنى ما عشت بعده....

عبدالله شلبى 
القاهرة فى 8 سبتمبر 2012
2:13 صباحا

الأحد، 3 يونيو 2012

غثاء السيل

"ها، و بعدين يا عم عبدالله و آخرتها؟!!" هكذا بدأت حوارى مع نفسى عقب سماع الحكم "التاريخى" على مبارك و أعوانه فى قضيتى قتل المتظاهرين و اهدار المال العام.
 و كعادتى أخذت الجانب المؤيد حتى أحاول أرى ما رأى القاضى. ففى تبرئته لمساعدى المجرم حبيب العادلى لقد أخذ القاضى بمبدأ أن وزارة الداخلية تنتهج النهج العسكرى فى الأساس، و لا يُسمح لمرؤوس بمخالفة أوامر رئيسه أيا كانت و اذا فعل فالاعدام رميا بالرصاص هو الحكم عليه من قبل المحكمة العسكرية. و لكن اذا كان احتكم القاضى لشرع الله "فلا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق"، فأتوقع أن أخف حكم عليهم كان ٧ سنوات، و لاستطعنا حينها أن نقبض على باقى الضباط المتورطين في قتل الورود التى تفتحت فى ميادين مصر.

أما فى قضية اهدار المال العام و تبرئة حسين سالم و علاء مبارك و جمال مبارك؛ تذكرت فى حينها أن هناك محافظتين و هم أهم محافظتين في السياحة (شرم الشيخ و الغردقة) قد تم بيعهم بالكامل، و تخصيص كل شبر فيهم. فكيف بالله عليكم أن يخرج الجميع من تهمة بيع مصر!! و الأنكي من ذلك عندما يخرج علينا مفوض الاتحاد الأوروبى و وزير الخارجية البريطانية يفضحان السلطات المصرية أنهم لم يرسلوا أى طلبات للاستعلام عن حسابات أفراد النظام و لا لاسترداد أموالنا المنهوبة بالخارج، ثم يحكم القضاء المصرى الشامخ بتبرئة الجميع!!.

و لكن للانصاف لا نستطيع أن نلقى كل اللوم على مايسترو عرس العدالة، فالأهم منه هم العازفون على أنغام الظلم و طمث الحقائق؛ أجهزة التحريات من نيابة و مباحث، وهم مخرجو تلك المقطوعة الفريدة من الأساس. لأن القاضى فى النهاية مثله مثل المايسترو، الاثنان يتلوان ما أمامهما فى الأوراق.

عقب الحكم انهمر الناس فى عدة محافظات الى الميادين من كل فج عميق، ينددون و يشجبون، و صيحات غضب تتعالى، و مرشحون رئاسة ساقطين نزلوا ليركبوا "كعاداتهم" على أعناق الشباب. و كل ذلك و أنا فى حالة سكون و هدوء شديدين جعلانى متهم بالسلبية من أنقى و أنبل من أهدانى الميدان.

فشرحت ببساطة وجهة نظرى، و كانت كالآتى:
اننا كغثاء السيل، كثر و لكننا متشرذمين، و تشرذمنا دوما يفشلنا، ونكبتنا فى نخبتنا. كلنا يهتف يسقط يسقط ..... عام و نصف العام نطالب باسقاطات عدة و لم نستطع فى يوم واحد أن نسمى و نجتمع على بديل لمن نسقطه. نلاعب بجهلنا جهاز مخابرات يُنفق على تعليم من فيه المليارات سنويا. أفراده طوروا أنفسهم و عدلوا من أخطائهم و نحن مازلنا نكرر نفس الأخطاء بنفس الخطوات. تعلمت المخابرات فى تلك الفترة أن تواجه غضب الشارع بالاختفاء، فما من يوم ينزل الغاضبون الى الميادين حتى لا تجد شرطى مرور فى الشارع، عملا بميدأ "دعهم يهتفون، دعهم ينفثون و يخمدون"، تعلمت المخابرات أن وحدتنا فى قوتنا فلعبت على فرقتنا، و هزيمتنا بفزعنا من بعضنا البعض. فى بادئ الأمر استخدموا وسائل اعلامهم فى تهمة كل من فى الميدان أنهم أصحاب أجندات و مندسون و عملاء، فأوجز أعضاء الكنبات فى أنفسهم خيفة من كل من يطلق عليه شباب الثورة، ثم بعدها انقلبوا على التيار الليبرالى - و هم فى الأصل تربة خصبة للاختلافات و لم يحدث أن اجتمعت الأحزاب الليبرالية فى يوم علي كلمة سواء - و بدأوا تسويقهم على أنهم دعاة عراة و انفلات دينى و أخلاقى. ثم انقلبوا على التيار الاسلامى المحافظ ليسوقوهم على أنهم أذناب جهنم فى الأرض، و أن حكمهم مبدأه التزمت و المغالاة، و أنهم يروننا جميعا كفار فيما سواهم و المشنقة لمن يخالفهم.

كل هذا و لم يستطع الشباب الثورى أن يعى أن كلمة السر دوما و أبدا فى قضايا الحقوق الانسانية هى "التعاطف" فالتعاطف يتحول الى تأييد و التأييد يتحول الى دعم و الدعم يتحول الى تبني القضية و التبني يتحول الى الدفاع عنها و الموت لأجل تحقيقها. فمن دون تعاطف الشعب معك و مع قضيتك فأنت مهزوم و لن يبكى عليك أحد حتى و هو يراك تُـقـتل أمام عينيه. فمن دون موقعة الجمل ما كان سيرحل مبارك.
 و هذا ما وعيه جيدا و تفهمته المخابرات، و هى كيفية التخلص من تعاطف الشعب مع الثورة. فلجأت أولا بتمثيلية الانفلات الأمنى، ثم الى فزاعات الأيدولوجيات و افتعال الأزمات (الكهرباء و البنزين) ثم تطورت جدا فباتت تخترق بالمجندين الاعتصامات السلمية، حتى اكتشفنا أن جنود الأمن المركزى هم من كانوا يقفون على بوابات الميدان فى اعتصام يوليو. ففكرة قطع الطرق و غلق الميادين و هكذا، كلها أفعال تفقدنا تعاطف الجاهل بقضيتنا معنا.

كان هناك البارحة دعوات فى الميدان لتشكيل مجلس رئاسى انتقالى و الغاء الانتخابات!! حينما سمعت تلك الدعوة أصابتنى حالة من الضحك الهيستيرى من فرط جهلنا لمدة دقيقة؛ فتذكرت نكتة قديمة تحكى أن: ذهب رجل مصرى ليتزوج من مصرية بعد أن قضى معظم حياته فى الغرب، فعندما قابل والد العروس بعد مقابلتها، قال له: لي شرط حتى أستطيع أن أشكل رأى النهائى، وهو أن أري بنت سعادتك عريانة تماما، فأتأكد أن جسدها خالى من أى ندبات أو عاهات. فرفضت العروس و والدها فى بادئ الأمر، ثم تنازل والد العروس و وافق بحجة أن هذا يمكن أن تكون العادات و التقاليد فى الغرب و أقنع ابنته. ثم بعد أن نال ما طلب خرج العريس قائلا: كله تمام لكن مناخيرها شكلها كبيرة أوي، أنا مش موافق!!!..... هذا ما فعلناه بالضبط فكيف بعد أن طالبنا بالانتخابات أولا ، و الرئيس قبل الدستور، تأتون اليوم بعد أن نلتم ما طلبتم تطالبون بتشكيل مجلس رئاسي و الغاء الانتخابات!!! كنتم تعلمون جيدا من البداية أن اللجنة العليا للانتخابات ستكون من تشكيل المجلس العسكرى كما كانت اللجنة العليا للانتخابات البرلمانية، أنتم و مرشحينكم من قبلتم شروط اللعبة، فعلى ماذا تتباكون الآن؟!! 

ليس أمامنا سوى أن تجتمع نكبتنا (نخبتنا سابقا) و يتفقون و يتوافقون على تشكيل فريق رئاسى مساعد لمحمد مرسى فى الانتخابات و يستقووا بثوار مصر، حتى نستطيع أن نطمئن الجموع الخائفة من حكم المرشد لمصر، و يستطيع الناس بمختلف تياراتهم و أيدولوجياتهم أن يتعاطفوا ثانية مع فكرة التغيير أصلا. و لكن هل سيوافق على ذلك أعضاء مكتب الارشاد ؟؟؟؟ الله أعلى و أعلم، و لكن ما أتوقعه فى حالة رفضهم لذلك الاقتراح، سنبارك خامس حاكم عسكرى للجمهورية المصرية، و سيتعجب كتبة التاريخ من المصريين كيف طالبوا باسقاط حكم العسكر و انتخبوا "الفريق" شفيق..... ولكن المصرى مشهور بجبروته.

لن يعيد لمصر شبابها الا شبابها

عبدالله شلبى 
الأحد ٣ يونيو ٢٠١٢
٦:٤١ مساءا


الأحد، 20 مايو 2012

قبل المعككة

٦٨ ساعة يفصلوننا عن معككة تاريخية ستضاف بحروف من شوك فى كتاب التاريخ فى باب "مصر تحت حكم العسكر"، انتخابات رئاسية تحت حكم غير دستورى من الأساس، ليقسم الرئيس المنتخب المنزوع الصلاحيات على الحفاظ على أمن و سلامة البلاد و العباد.

و بعد تسريبات لاعلان دستورى مكمل فى الغالب ستكون حقيقية، نرى و بكل وضوح أننا ماضون نحو النظام التركى الأتاتوركى، حيث أعلن المجلس العسكرى حمايته للشرعية الدستورية و لمكتسبات الثورة الذى حماها!!! و من ثم لن يكون هناك تسليم فعلى للسلطة بل دولة عسكرية حاكمة خلف الستار، و دولة مدنية ماريونيتية منفذة أمام أعيننا.

من قراءاتى لتلك المرحلة تحت حكم العسكر أرى ثلاث سيناريوهات فى باطنهم الرحمة و لكن جميعهم من قبلهم العذاب:

السيناريو الأول (فوز عمرو موسى):
سيكون هذا هو السيناريو الأخف وطأة على البلاد لأن سيكون عمرو موسى بمثابة همزة الوصل بين المجلس العسكرى الحاكم، و الحكومة الاخوانية التى سوف تشكل من دون الحق لها بالاقتراب من الوزارات السيادية، و سنمضى بخطوات متثاقلة نحو تسليم السلطة من العسكر الى المدنيين و لكن هذا سيعتمد بالأساس على قوة عمرو موسى (اذا كان أصلا قويا) و قدرته على اثبات جدارته بالامساك بزمام الأمور، و سنستفيد على الأقل بعد فترة حكمه أننا سنربى كشعب أن الرئيس من الطبيعى أن يؤتي به و يرحل دون أن يموت على كرسيه أو نخلعه من عليه، فلن نجد بعد أربع سنوات لا حازمون و لا شاطرون أو فاتحون.

السيناريو الثانى (فوز أحمد شفيق):
أولا، ان كل من سيذهب ليدلى بصوته لهذا الشخص، أظنه يحتاج جديا لعلاج نفسى مكثف للمازوخية، و أظن أنه لن يجدى معه حقا الا الاستحمام مرارا و تكرارا بماء نار، حتى يستطيع أن يجلى طبقات الجلد المتراكمة على جسده التى تمنعه من الاحساس و التمييز. فالفريق شفيق كان هو رئيس وزراء موقعة الجمل، و لأذكرك بما فعله، لقد قبع الرجل فى بيته يشاهد الدماء تسيل لأكثر من ١٨ ساعة على الهواء مباشرة، ثم خرج كالفأر يعتذر، و يقول أنه لا يتحكم فى شئ !!! و لم يخرج فى لحظتها كالرجال يعلن استقالته لأنه قد غرر به و تم خداعه. ثانيا الفريق شفيق يُحكم و لا يَحكم، و هذا ان دل على شئ يدل على أن قوانين اللعبة ستظل كما هى احتقان بين العسكر و الاخوان، و الشعب يحاول أن يجد مخرج من بين الفكين.

السيناريو الثالث (فوز محمد مرسى):
سيكون هذا هو السيناريو الأبشع، حينها سيتم تسليم البلاد كلها الى جماعة الاخوان؛ بعيدا عن أنها كارثة أن يتسلم تيار واحد كل مفاتيح البلاد، فان تسلم جماعة أو حزب واحد لجميع المفاتيح فهى مقبرة لفظيا و ما عهد الحزب الوطنى البائد عنا ببعيد. ناهيك عن الاحتقان و الصراع المحتدم بين الجماعة و المجلس العسكرى، فأتوقع أنه سيتم تجويع العباد من قبل العسكر حتى يحدث اما ثورة شعبية على الاخوان أو انقلاب عسكرى بمباركة الشعب يعيدهم الى السجون و يعيد علينا سيناريو ١٩٥٤، و لكن حينها سنجد المشانق يتمرجح فيها المرشد و الشاطر و الكتاتنى و مرسى.

بعد اطلاعى على نتائج الأصوات فى الخارج و بعد تحليلها أنثروبولوجيا و جغرافيا، و جدت أن مرسى أخذ أعلى نسبة تصويت له فى كل من السعودية و البحرين و السودان و اليمن و سلطنة عُمان، و تلك البلاد يقصدها الطبقة الأفقر علميا و اقتصاديا و هى الطبقة الأعرض فى الشعب. بينما اكتسح أبو الفتوح فى كل من أوروبا و روسيا و أمريكا، و هى البلاد التى يقصدها الصفوة أو تستقبل فقط الصفوة من الشعب و هم لا يشكلون فى الأغلب غير ١٨ ٪ من الشعب.

بعد تصريحات بجاتو أن فرز الأصوات سيكون داخل مقار اللجان الفرعية، هذا يجعل عملية التزوير تكاد أن تكون مستحيلة، أو أنه لن يكون هناك تدخل من قبل المخابرات فى عملية اختيار رئيس الجمهورية القادم. لذا فاننى أرى أن السيناريو الثالث و الأبشع هو الأقرب للتنفيذ.

و لكننى مازلت مؤمن أن الثورة بمعناها الحرفى لم تحدث بعد، و أنها آتية لا ريب فيها فاستعدوا لها إنى معكم من المستعدين.


عبدالله شلبى 
الأحد ٢٠ مايو ٢٠١٢
٢:٣٣ مساءا

الثلاثاء، 17 أبريل 2012

بدون عنوان


مازلت أتذكر تلك الأيام التى انضممت فيها لحملة البرادعى، و أول مقابلة بينى و بينه. مقابلة غيرت مجرى حياتى و أعادت تشكيل فكرى و عقلى. انبهرت من أداء البرادعى فى حديثه الذى امتاز بالثقة و كأنه معه وعد من الله أن الثورة قادمة و التغيير آت لا محالة. لا أنكر أننى كثير استشعرت أنه رجل حالم موهوم جاء من بلاد الفرنجة لا يعلم شئ عن طباعنا، قضى معظم حياته بين الخواجات ذوى التعليم المتقدم و الأفق المدركة، و المدارك الواسعة، و لا يعلم أننا هنا نتخرج من جامعات و كليات قمة لا نستطيع أن نقرأ مقالة عربية دون أن أن نخطئ في الاملاء و الصرف. و لكن كان كل يوم يثبت لى أنه يعرف عنا ما لا نعرفه و يقرأ الطالع و المستخبى كعراف أفريقى قضى حياته كلها فى التنجيم.

بدأ التحليل السياسى يشغل تفكيرى و أهتم به، شعرت بغيرة حقيقية من البرادعى، كيف له أن يستطيع أن يقرأ الأحداث و يصل النقاط و يحل الألغاز و الشفرات، و يستنتج لنا الحدث قبل وقوعه. حتى أننى من كثرة غيرتى منه قررت ذات يوم أن أترك الطب و ألتحق بكلية الاقتصاد و العلوم السياسية؛ فكانت الصدمة مدوية فى أرجاء المنزل، و بدأت أمى تلوم و تلعن اليوم الذى عاد فيه البرادعي الى مصر سرا و جهرا. حاول أبى أن يتدارك الموقف و ينصحنى بالانشغال بدراسة اطب فهى الأبقى و لكنه كان يعلم فى قرارة نفسه أن ابنه لن يهدأ له بال طالما وضع هذا الأمر فى دماغه. فبحث عن مخرج لهذا المطب حتى وجد أن الحل الجذرى أن أدرس السياسة حق دراستها ثم أتعمق فيها حتى أكتسب القدرة و المهارة فى فن التحليل السياسى.

كانت هناك دبلومة للراغبين فى الالتحاق بوزارة الخارجية كديبلوماسيين و سفراء، فقدمت فيها و التحقت بها، لأكتشف بعد ذلك أنها دورة مكثفة لكلية الاقتصاد و العلوم السياسية. فدرست فى هذه الدورة الاقتصاد السياسى و الدولى، و القانون الدولى، و العلاقات الدولية و الاقليمية، و أهم العقود و الاتفاقيات الاتفاقيات التى أبرمتها مصر، و دول حوض النيل و مشاكله، و علاقات مصر بالدول العظمى، و ملف القضية الفلسطينية، و الملف النووى الايرانى، و آخرون.
من أكثر المحاضرين الذين تأثرت بهم كانا الدكتور فخرى الطهطاوى، و السفير رخا حسن؛ فالدكتور فخرى الطهطاوى حرص على تعليمنا هرم التفكير الادارى للدول، و كما حرص السفير رخا حسن على تفهيمنا كيف تدار الأزمان و يدار العالم. كان السفير رخا حسن له نظرية اعتنقتها بعد أن استوعبتها، و هى: "لكل زمان امبراطورية، و عليك التسليم بهذا الأمر، دونما التفريط فى كرامة شعبك أو الافراط فى معاداة تلك الامبراطورية". و كان يطلق على واشنطن لفظ "الأستانة" نسبة الى الامبراطورية الأمريكية الحالية.

استوقفنى كما استوقف معظم المصريون حول العالم مشهد السباق الرئاسى العبثى، و ترك أبو اسماعيل لصرف كل هذه المبالغ على الدعاية ثم ظهور موضوع جنسية والدته التى لم تسفر التحقيقات عن ثبوتها أو نفيها الى الآن، ثم أنباء عن ترشح الشاطر عن جماعة الاخوان التى وعدت سابقا بعدم ترشيح أى عضو لها للرئاسة، يليه ترشح رئيس المخابرات السابق عمر سليمان رغم اعتذاره قبلها بيومين فقط!!!.ثم بعد كل ذلك قرار اللجنة العليا للانتخابات باستبعاد هؤلاء الثلاثة (الأكثر ضجيجا) مع سبعة مرشحين آخرين. 

بدأت حينها أتذكر كلمات السفير رخا حسن عن الامبراطورية الأمريكية، و أننا فى الآخر ولاية من الولايات، و الناظر المتعمق فى الفترة السابقة منذ أن تولى المجلس العسكرى ادارة البلاد يستشف بكل سهولة، أن هذا العقل الذرى الذى دفع بسليمان للترشح ثم أخرجه و فى يده اليمنى الشاطر و الأخرى أبواسماعيل، لا يمكن أن يكون أحد العقول التى عرفناها فى تلك الفترة التى اتسمت بالتخبط و التيه، و عدم القدرة على قراءة الحاضر و التخطيط للمستقبل. و تذكرت لقاءات السيناتور جون ماكين، و جو بايدن نائب الرئيس الأمريكي، فضلا عن الاجتماعات العديدة السرية التى جمعت بين أعضاء من المجلس العسكرى و مراد موافى مدير الاستخبارات المصرية و جيمس كلابر مدير الاستخبارات الأمريكية؛ فبدأت تتكشف أمامى الصورة بعض الشئ. و لكننى الى الآن لا أستطيع أن أحدد هل قبلت الادارة الأمريكية أن يطبق فى مصر الرؤية الباكستانية - التى تعنى أن المجلس العسكرى هو الحاكم الأعلى للبلاد و هو من يحدد الميزانية العامة و أن الحكومة حزبية و هى بمثابة المدير التنفيذى للدولة - كما يحلم و يتمنى المشير طنطاوى، أم سيتم تطبيق الرؤية التركية الأتاتوركية و يتقلد الجيش دور حامى الشرعية الدستورية؟، خشيت عندما ترشح عمر سليمان أن يكون تم طرح رؤية جديدة لمصر و هى الرؤية الباكستاروسية أى أن المخابرات تدخل لاعب أساسى فى دور ادارة البلاد مع المجلس العسكري، و يصبح منصب رئيس الجمهورية حكرا على مؤسسة المخابرات كما فعل فلاديمير بوتين فى روسيا.

على صعيد آخر، كنت قد بدأت فى دراسة و تفنيد البرامج الرئاسية للمرشحين المحتملين، و هالني تلقيب بعض المرشحين لأنفسهم بــ "مرشح اسلامى"، لكننا نجد بكل وضوح أن السنة النبوية قد حذرت من طلب الإمارة بجلاء وتفصيل في أكثر من حديث للنبي r_20.jpg لأكثر من صحابي، فنراه r_20.jpg قائلا لعبد الرحمن بن سمرة t_20.jpg في حديث أخرجه الإمامان البخاري ومسلم: "يا عبدالرحمن بن سمرة لا تسأل الإمارة، فإنك إن أوتيتها عن مسألة وكلت إليها، وإن أوتيتها من غير مسألة أعنت عليها". ونراه r_20.jpg قائلا للصحابي الجليل أبي ذر t_20.jpg بعد ما سأله الإمارة: "يا أبا ذر، إنك ضعيف وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها". ويقول: "مامن أمير يلي أمر المسلمين، ثم لا يجهد لهم وينصح إلا لم يدخل معهم الجنة". وفي حديث آخر يتحدث r_20.jpg عن الإمارة الصغرى: "ما من أمير عشرة إلا يؤتى به يوم القيامة مغلولا لا يفكه إلا العدل أو يوبقه الجور". و كما قال عمر بن الخطاب ناصحا ابنه عبدالله "كفى بآل الخطاب أن يحاسب واحدا منهم عن الأمة" أو كما قال رضى الله عنه. فهل يتخيل واحد من هؤلاء المتأسلمين أنه قبل أن يضع لقمة فى فمه عليه أن يتأكد أن آخر رجل فى شلاتين عنده قوت يومه، و قبل أن يضع الغطاء على جسده في آخر الليل محاسب عن كل فرد ينام فى تلك الليلة بردانا  لا يملك غطاء. و الله لو فكر كل واحد منهم لدقيقة واحدة من هذا المنطلق ما وجدنا أحد على قائمة المرشحين (أنفسهم) للرئاسة.

و ما صدمنى أكثر، افتقار جل برامج المرشحين لقضية مياه النيل و ملف مشكلات حوض النيل التى ظلت المخابرات المصرية تديره طيلة ١٥عام و أثبتت بجدارة فشلها فيه. و المصيبة الكبرى أن ما يرمى عليه الآن الدول الاستعمارية هى قضية المياه و ظهر هذا متجليا في فيلم الرسوم المتحركة "رانجو"، فقال رئيس العصابة "تحكم فى المياه، تسخرهم لك و تتحكم فى حياتهم". و ايانا أن نتصور أن للعلم الحدود أو أنهم لن يستطيعوا فى يوم من الأيام أن يجعلونا نبتهل و نتضرع الى الله باكيين من العطش و نحن نرى مياه النيل تصب فى المحيط الهندى.

كانت تلك السطور بعض من الأفكار المبعثرة فى أروقة عقلي لهذا لم أجد لها عنوان أنسب من "بدون عنوان"

الجمعة، 30 مارس 2012

جمهورية السمك

أيام كثيرة، و أوقات طويلة مضت علىّ دون أن أفتح تلك المدونة لأكتب فيها كما تعودت و عودتكم. فكلما وقع جديد يستحق الكتابة وجدت أنه ليس بجديد و أن هذا الموقف تكرار مماثل سبق و أن حدث و كتبت عنه بالفعل، فأكتفى باعادة نشر المقال المتعلق به.

عسر هضم فكرى انتابنى بفضل ما يدور حولى، جعلنى أعزف عن السياسة و قراءة الجرائد و حتى سماع الأخبار. مواقف متتالية تجعلنى ألعن اليوم الذى سارع فيه الفتيان بدمائهم و أرواحهم ليغيروا واقعهم السئ، ثم سلموا حلمهم لعجائز فحولوا الواقع الى أسوأ....

قررت اليوم أن أعود للكتابة و لكننى أخصص اليوم مقالى هذا لرفقاء "جمهورية تحريريوبيا"، الذين جعلوا من ميدان عمومى كعبة مقدسة يحج اليها كل المظلومين و المطحونين ليشتكوا الى الواحد القاهر ظلم حكامنا. 

أعلم أنكم مثلى منتظرون الفرج من عند الله و أيقن أن الحلم بداخلكم لا يموت و لكنه ينتكس و يمرض من حين لآخر؛ أرى منكم من يتابع عن كثب موجة الأحداث ليحاول تقدير متى ستندلع الثورة الحقيقية التى َنَجَهز فيها على كل المتلونين و المتشعلقين و الهابطين من السماء، و أرى فيكم أيضا من كفر بالشعب و يلعنه صبحا و عشيا لارتضائه الذل بعد الكرامة، و الخسة بعد العزة.

لا أخفى عليكم، لقد كان تشخيص الحالة النفسية و المزاجية لهذا الشعب هو شغلى الشاغل و همى الذى لا ينجلى طيلة فترة انقطاعى تلك. فتحليلات الزكى نجيب محمود و الشيخ محمد الغزالى و عمنا نجيب محفوظ هم موارد جدا قيمة لتدعبس فيها عن نواة هذا الشعب، و القرآن الكريم خير رفيق فى طريق البحث داخل مخلوقات الخالق.

"آفة حارتنا النسيان"، هكذا لخص الراحل الجميل عم نجيب محفوظ مشكلتنا اللامتناهية، آلا و هى النسيان و ذاكرة السمك التى نتمتع بها. و لكن استوقفنى فى القرآن تسمية الله لنا بـ "انسان"؛ و اذا بحثت عنها فى المعجم لوجدتها في (ن - س - ى)، أى أن النسيان ليس عيب أو خصلة فينا و انما هو تركيبة أصيلة بداخلنا و هو فضل و نعمة من الله أيضا، و بالطبع تتفاوت درجاته من واحد لآخر و لكن هذا لا يغير من الأصل فى شئ.
و لاحظت أيضا أن أكثر ما وصى الله به رسولنا محمد - صلوات الله و سلامه عليه - هو التذكير، "فذكر انما أنت مذكر لست عليهم بمصيطر"، "فذكر ان الذكرى تنفع المؤمنون"، "و ما يذكر الا أولو الألباب". 
و هذا ما خشيه عدو الثورة الأول "المجلس العسكرى" و أعانه على ذلك من اتفق معه على الاجهاز على كل القوى الثورية و اجهاض حماسهم مقابل السيطرة معه على الحكم. فتم احتكار الاعلام بشتى وسائله و اعلان وزارة الاعلام وزارة سيادية تتبع جهاز المخابرات مباشرة الذي يتبع المجلس العسكرى، و من هنا بدأت مسيرة الثورة للخلف در.

"احتلو شوارعكم" هكذا وجدت نفسى أردد تلك الكلمات و أنا علي مشارف الانتهاء من بحثى فى مزاج العقلية المصرية، التى خلصت منه أننا شعب نكره الروتين بطبعنا و نحرص علي التجديد مهما كان طفيفا، و فى حدود الممكن مهما كان صعبا. مازالت حملات "كاذبون، و لا جدران، و الجرافيتى" هى الأقوى فى صداها على العقلية المصرية و أقسم أن ذلك الطريق مازال هو السلاح الباقى معنا. لقد كانت المعجزة فى تلك الحملات هو التجديد و التغيير و التأثير المباشر و اللعب على أكثر من حاسة، و هذا ما نحتاجه الآن.... اذا أردتم العودة للحياة.

لا تكونوا نيكروفيليون عشاق هدم، و تكتبوا و تتظاهروا و ترفعوا أصواتكم مناديين باسقطاط كذا و كذا، لا تجعلونا نقع في نفس حفرة ٢٥ يناير عندما طالبنا باسقاط النظام و خلع الرئيس دون أن نعرف ماذا سنفعل بعدها، فسلمنا البلد لمن لا يخاف الله فينا بأيدينا.
بل لنكون بيوفيليون عشاق بناء، دعونا نكتب على الجدران دستورنا الذى نبتغيه، دعونا نزين الحوائط بما نحلمه لمصر، دعونا نظهر للناس أن ما نحلم به لمصر سيخدمنا جميعا و أن ما يحملوه لمصر سيخدمهم وحدهم، دعونا ندشن حملة "لا تنسى" و نعرض فيها مساوئ نظام مبارك و حاشيته و فضائحهم مرورا بالثورة و فضائح العسكر و البرلمان، دعونا نبدأ أكبر عملية غسيل عقول يشهدها العالم،دعونا نعلنها صريحة "لنا اعلامنا و لكم اعلامكم"، دعونا نجلى العقول من براثين القهر و النفاق، دعونا ننير الطريق بقلوب و عقول مستنيرة.

دعونا نصنع الثورة، دعونا ننتصر......


عبدالله شلبى 
الجمعة ٣٠ مارس ٢٠١١
٠٤:٥٥ مساءا

السبت، 25 فبراير 2012

الفرق المبين بين حسان و اليونانيين

أخطاء مربكة، و خطايا موثقة، و زلات لا تغتفر. بهذا تتسم الفترة الانتقامية -أنجانا الله منها و قصرها- في ظل القيادة المترنحة للمجلس العسكرى.

بعد فضيحة المجلس العسكرى و جميع قياداته علي الملأ بفضل حملة "عسكر كاذبون"، التى دشنها و طاف بها البلاد ثلة من أنقى و أطهر شباب مصر؛ الذين أخذوا علي عاتقهم نزع آخر ورقة توت يستتر خلفها أعضاء المجلس ليكشفوا ليس للمصريين فقط بل للعالم أجمع عوار الفكر العسكرى عندما يتدخل في الشئون السياسية لدولة بحجم مصر.

و بات نظام مبارك مهدد بالزوال فعلا، و باتت الادارة الأمريكية تتوجس خيفة لما تخبئه لها الأيام فهل ستبقى الادارة الجديدة علي نفس علاقاتها مع واشنطن أم ستتخذ منهجا آخر يتطلب اعادة دراسة و تمهيد و تحديد مفاهيم جديدة من قبل وكالة المخابرات الأميريكية.

خوف الجنرالات العجائز على كراسيهم و خوفهم من كشف أوراق تاريخ عملهم و سجلاتهم، جعلهم يتلطمون حتى ارتموا فى حجر أمهم "أميركا"، و لأن "أميركا" لا تعرف تضييع الفرص و لا تنتظر المفاجآت، وفرت المساعدة لجنرالاتها المخلصين كدليل على وفائها لعملاءها و رسالة لعملائها أيضا في شتى دول العالم، و أشارت عليهم أن يلعبوا بكارت "القومية" و يعلو من اللهجة الحنجورية في حديثهم، في محاولة بائسة لاعادة التفاف جزء من الشعب حولهم و اكتساب تأييد أي مواطن غير عسكرى.

و بالفعل تم القاء القبض على عدد من موظفى مكاتب مراقبة حقوق الانسان المختلفة، و بالطبع كان منهم أجانب من مختلف الجنسيات، و كأن تلك المكاتب تم افتحاحها من أيام و لم يتم تأسيسها منذ سنوات معدودة!!! و بدأ بوق اعلامهم و سحرتهم يصدعوننا في كل ليلة باكتشاف مخططات لتقسيم مصر و اكتشاف أموال و أجهزة تنصت و كأن ما تمت مداهمتهم هي مغارات على بابا، و ليست مكاتب مفتوحة أبوابها منذ سنون!!. و لم ينتبه أى أحد من المخابرات المصرية أو من جهاز الشؤون المعنوية أن ما يقال في الاعلام يدينهم أكثر مما ينفعهم لأنهم اذا كانوا يعلمون عن نشاط تلك المكاتب طيلة هذه السنون الماضية و لم يتكلموا فتلك مصيبة، و ان كانوا لا يعلموا فالمصيبة أكبر.

تم بعد حركة الشطرنج المتفق عليها مسبقا بين الادارتين الأميريكية و المصرية، بتحريك ملف "المعونة" ليزيد الزخم فى الشارع المصرى، فاستثمر المجلس العسكرى تلك الخطوة للاستعانة بأحد الذقون ذات التأثير على العقول المُحبْة لله غيبا و تغييبا، ليتحدث عن شأن سياسى اقتصادى في منتهى الدقة، و يدعوا الشعب لعمل جمعية للاستغناء عن المعونة شريطة أن يقبض تلك الجمعية في كل مرة المجلس العسكرى.

و لم يتذكر شيخنا الجليل قول الشاعر "و زن الكلام اذا نطقت ... و لا تكن ثرثارا فى كل ناد يخطب"، فقام ليتحدث و يدعوا الناس على جهل للاستغناء عن المعونة الأمريكية و كأننا نتسولها. و ليست هى حق لنا منصوص عليه في معاهدة كامب ديفيد، و هى بمثابة دفع للجزية حتى يدرأوا عن آل اسرائيل الحرب.

من حسن حظى و من سوء حظ الشيخ حسان أن اليونان كانت تفاوض الدول الأوروبية بشأن معونة بعد اقتراب لاشهار افلاسها تماما، فتعنت الأوروبيون في بادئ الأمر، قال المفوض اليونانى لدى الاتحاد الأوروبى جملة واحدة جعلت أعضاء الدول الأخرى جميعهم يجلسون صامتين و كأن على رؤوسهم الطير و هى: "ستدفعون لنا كل ما نريد ليس لأننا فقراء بل لأننا أقوياء، اننا نملك البحر -يقصد البحر المتوسط- و لن نتورع أن نحولها الى أوروبا السوداء، حتى نطعم شعبنا" في محاولة منه بالتلويح لفتح حدود اليونان للمهاجرين الغير شرعيين. و ربح ذلك الرجل و ربحت بلاده بتلك الجملة فقط ١٥٠ مليار يورو.

انتظرت من الشيخ حسان و ساستنا العظام، بأن يحذو حذو اليونان و يخرجون على كل منبر، يتوعدون أميركا ان لم تتم زيادة المعونة، و مساعدة مصر على النهوض بسرعة عالية، سنحول اسرائيل الي اسرائيل السوداء، و سنجعل سيناء بأكملها نفقا للجميع.

فهكذا تلعب السياسة، فالحنجورية و الافتعالية و اللعب على وتر القومية لن يسمنا و لن يغنينا من جوع، فالسياسة فن و علم، و ان لم يوسد الأمر الى أهله الآن فقل على تلك البلد يا رحمن يا رحيم

عبدالله شلبى
٢٥ فبراير ٢٠١٢
١٢:١٨ صباحا

الجمعة، 3 فبراير 2012

أركان المتاهة الخمسة

٢٥ يناير جديد، بعد عام على كسر حاجز الصمت، وعام على الجراح التى لم تندمل بعد، و عام فى المتاهة التى حاصرنا أنفسنا فيها لعدم وجود رؤية محددة، و عام على الشهداء فى ظلمة القبور.
مررت ليلة أمس (٢٤ من يناير) بالتحرير، فوجدت التحضير للاحتفال الراقص بمناسبة مرور عام على الثورة!!، و هل انتهت و حان وقت الاحتفال؟ هكذا تساءلت؛ و بالطبع كانت هناك دعوات لمسيرات ضخمة من كل حدب و صوب للتذكير بأن الثورة مستمرة و التأكيد على وجوب رحيل العسكر من السلطة، و هل اتفقتم و توافقتم على خطة فعل قابلة للتنفيذ و التطبيق ؟، هكذا تساءلت أيضا. فقررت في نهاية الأمر أن أقبع فى منزلى مع أسرتى أراقب ماذا يحدث و أفرد المجال و الوقت للتفكير و التحليل بعمق، فخرجت بالآتي  بعد تأمل و تفكير و استماع و استمتاع بالحديث مع خالتى التى ناقشت معها الأمر و خرجنا بأركان المتاهة التى نقبع فيها منذ عام الا ١٨ يوما.
١- الأغلبية الفاعلة:
خرجت اليوم الأغلبية الفاعلة فى مسيرات فى معظم المحافظات المصرية، جزء منهم يطالب بتسليم السلطة للبرلمان، و الجزء الآخر يطالب بتعجيل انتخابات الرئاسة، اختلفوا كالعادة فى المطالب، و لكن توحدوا أيضا كالعادة في الرفض، فالكل يهتف مطالبا برحيل المجلس العسكرى و تنحيه عن ادارة شؤون البلاد و ابتعاده عن السياسة، و كأن الأيام تعيد نفسها من جديد، نزلنا و احتشدنا بالميدان مطالبين برحيل "اللا مبارك" و لم نحدد من يتسلم السلطة منه فتركناها لأصدقائه و استبدلنا مبارك بتسعة عشر مبارك آخر.

٢- برلمان ما بعد الثورة:
بدى البرلمان في جلسته الأولى واعدا و باعثا على التفاؤل، فكانت الطلبات في الجلسة الأولى كلها تتعلق بالقصاص من قتلة الشهداء، و الغاء أحكام القضاء العسكرى على المدنيين، و علاج مصابى الثورة على نفقة الدولة، و تعويض أهالى الشهداء و المصابين، و محاكمة رموز النظام البائد سياسيا.
و لكنه لم يخلو أيضا من المناوشات العقيمة التى تستدعى أن نقف عندها لإمعان النظر فيها و تحليلها جيدا:
- وقف النائب الدكتور محمد أبو حامد المنتمى لحزب المصريين الأحرار زاعقا فى وسط القاعة معترضا على ترشيح كتلة الاخوان لأعضائهم على مقاعد جميع اللجان، واصفا أنهم يعيدون ممارسات الحزب الوطني في ثوب جديد، متجاهلا تماما أن من حقهم الطبيعى الترشح لتلك المناصب و أنهم أعضاء مثلهم مثله جاءوا اثر انتخابات منضبطة و نزيهة، و أن من حقهم أيضا أن يفوزوا بتلك المقاعد كونهم أغلبية فى البرلمان ؛ و متناسيا أيضا أن دور اللجان هى فقط مناقشة مقترحات النواب ثم عرضها مرة أخرى على البرلمان للتصويت عليها.
- صرح الدكتور عمرو حمزاوى لقناة روتانا مصرية أنه و الدكتور مصطفى النجار اتفقا ألا يترشحا فى أى لجنة بعد أن رأوا أن فوزهم شبه مستحيل !!!. و نسيا الدكتوران أن هروبهم من المواجهة يفضح ضعفهم و يوضح مدى نظرتهم الدونية لأحجامهم بين أعضاء الأغلبية و يفسر أيضا التمثيل الرمزى للتيار الليبرالي فى المجلس الحالى.
فبرلمان أغلبيته الاخوان و يرأسه اخوانى، مغضوب عليهم لغالبيتهم الممثلة و قطاعات أخرى تخشى تشددهم فى صياغة الدستور، و نطالب نحن بتسليم السلطة للبرلمان، أى لرئيسه أي للمرشد !!!

٣- المجلس العسكرى: 
صار الآن بيننا و بين المجلس العسكرى دماء و شهداء و غضب، و الأعداد التى تطالب برحيله تزداد يوما بعد يوم، و لكنهم مطمئنين أن ليس لهذا الشعب قيادة توافقية تتسلم البلاد، و هؤلاء الجنرالات يتحكمون فى ٤٠٪ من اقتصاد مصر أي من اقتصاد الشعب، و يقتطعون لأنفسهم النصيب الأكبر من ميزانية الأمة، فهل يعقل أنهم سيسلمون الراية و يبتعدوا عن الساحة دون أن يؤمنوا أنفسهم من الملاحقة القانونية، و التأكيد على مميزاتهم ؟!!

٤- الرئيس المنتظر:
مطلب حشد خلفه مئات الآلاف، و هو التعجيل بالانتخابات الرئاسية، و لكن أي صلاحيات ستكون فى يد ذلك الرئيس ؟، و من هو هذا الشخص الملائكى الذى سيقبل أن يترشح و صلاحياته تحت التهديد لعدم كتابة الدستور بعد؟. هناك ردود أن الرئيس سيترشح على نفس صلاحيات رئيس المجلس العسكرى، و نسينا أن من صلاحيات رئيس المجلس العسكرى من ضمنها رئاسة القوات المسلحة و الشرطة، و حل البرلمان و الاعتراض على قرارات مجلس الشعب. فإذا تم بالفعل و وصل شخص ما لذلك المنصب بهذه الصلاحيات، فيكفيه بافتعال مشكلة، أن يحل البرلمان، و من بعدها ندخل فى دوامة جديدة و هى اعادة الانتخابات البرلمانية، لتنتخب هيئة وضع الدستور، و نظل هكذا حتى يبت الله في أمرنا. و اذا لم يحدث هذا و بالفعل تم كتابة الدستور و تم تقليص مهام و صلاحيات الرئيس أو تحولنا الى دولة برلمانية، هل حينها نعيد اجراء الانتخابات الرئاسية أم نتركه فى مكانه لسد الخانة ؟!!

٥- الدستور:
بات الحديث عن كتابة الدستور كأننا دولة نشأت حديثا و لسنا من أول مَنْ صاغ الدساتير فى العالم، بل و صيغنا دساتير دول أخرى. الحديث عن كتابة الدستور من أول و جديد هو حديث مترهل و عار تماما من الصحة، لأننا أولا لا نعانى من عوار دستورى الا فى المواد المتعلقة بمهام الرئيس و مهام السلطات الثلاثة و الفصل بينهم، و تلك المواد تم صياغتها بالفعل و أكثر من جهة و فقيه دستورى أعلنوا ذلك و أنهم جاهزون للمناقشة. ثانيا إن ما يحكمنا هي القوانين المترتبة على المواد الستورية، و هى ما تعاني بالفعل من عوار و مغالطة، و هي ما تحتاج للوقت و الجهد حتى نستطيع تعديلها و تجديدها.

ما أراه الآن حتى نتفادى أي تعطيل أو تطويل للفترة الانتقالية، أن تبدأ الأغلبية الصامتة بالضغط أولا على أعضاء البرلمان و تذكيرهم أننا في فترة بناء نحتاج فيها لانكار الذات كما نحتاج فيها للتوافق لا التناحر، للتكامل لا الادعاء بالكمال، و أن يتراشقوا ليكونوا صفا واحدا فاعلا من أجل البناء الجاد. ثانيا أن يرحل أعضاء المجلس العسكرى بعد مساومتهم على عدم ملاحقتهم قضائيا بشرط أن تتقلص ميزانيتهم و يدخل الفرق فى الميزانية العامة للدولة و أن يتم تقاعد كل من هو فوق ال ٦٢ عاما، و أن يتم انشاء مجلس دفاع وطنى يشارك فيه مدنيون. ثالثا أن تتم كتابة الدستور أولا ثم ترشيح الرئيس و أن يقسم الرئيس أمام مجلسى الشعب و الشورى فى اليوم الأخير من شهر يونيو.

هذا ما أراه حاليا حتى لا نتكبد دماء أكثر أو نضيع مجهودنا فى الدوران حول أنفسنا دونما نتيجة ملحوظة. و مهما ضعف الأمل أو قلت الحيل، تذكروا أن الحياة تولد من ظلمة الرحم، و أن الحى يخرج من داخل الميت.

عبدالله شلبى 
٢٦ يناير ٢٠١١
١:٥٥ صباحا










الهـبــاء المـنـثـــور

٧٨ جثة جديدة، فى ليلة ذكرى موقعة الجمل، ذكرى عقول دبرت و أدارت و دفعت ليتقاتل أخوة فى وطن واحد و يَسفك كل منهم دماء الآخر. مشهد عاد لشاشات التلفاز مباغتا عقولنا بتكراره فى نفس التاريخ مع اختلاف السنة و اختلاف المكان، فمن ميدان تحرير لاستاد كرة قدم قديم، و من الصمود تحت راية الوطن الى الفُرقة تحت رايات الفرق الأهلى و المصرى، ليُقسم لنا أمام أعيننا ألا شئ تغير فى مصر الى الآن سوى الأرقام فى النتيجة.

بعدها بيوم أو فى يوم ذكرى موقعة الجمل تحديدا، خرج شباب غاضب معلنا رفضه لسوء و جهل الادارة الأمنية للحدث الذى تسبب في تثكيل ٧٨ أم فى لحظات معدودة. بدأ اليوم بمسيرات من نادى الأهلى الى ميدان التحرير، ثم تخطت المسيرة الميدان لتمر من شارع "عيون الشهداء"- محمد محمود سابقا-  لتصوب وجهتها فى النهاية نحو وزارة الداخلية !!

مشهد محفوظة ملامحه و كلما تكررت بوادره عُرفت نهايته، فهو لا يجدد نفسه و لا يغير من ترتيباته، لكن فقط يجدد كشوف الشهداء و المصابين و الدموع.

لم يخطئ أحد فى تسليط الضوء و تصويب اشارات الاتهام نحو المجلس العسكرى و أنه هو المتهم الأول فى وقوع تلك الأحداث المؤلمة، بما أنه يلعب دور الديكتاتور الآمر الناهى فى البلاد الآن. و لم ينسى أحد كم الجرائم التى ارتكبها هذا المجلس منذ أن تسلم السلطة و أدار البلاد من يوم الجمعة ١١ فبراير ٢٠١١. و لعل اتفق الشعب آخيرا و توحد أن على المجلس العسكرى الابتعاد تماما عن السياسة و لا يشغل نفسه بما ليس له، و لكن اختلفنا على موعد استلام السلطة منه.

فاض الكيل بالشباب. فكلما شاهدوا جلسات "مجلس الشعب" و رأوا الشعر الأبيض الجالس على الكراسى و تذكروا الشعر الأسود النائم فى القبور، و استمعوا الي التوصيات الهزلية و القرارات المرتخية التى يتخذها المجلس (و التي ما تكون في أقصاها تشكيل لجنة "دفن الحقائق"). يفور الدم فى العروق و يصعدوا الى الميدان ليزأروا و يلعنوا الظلم و الظالمين. و لكن سرعان ما تبدأ الاشتباكات بينهم و بين أفراد الأمن ليبدأوا فى التساقط الواحد تلو الآخر اثر الاختناقات من الغاز المسيل للدموع، و الرصاص الخرطوش الذى يفقع الأعين و يخترق الصدور.

ان العبث كل العبث أن تسير للامكان، و تجرى وراء اللاهدف، ثم تموت من أجل اللاء شئ فتضيع دماؤك كهباءا منثورا. و هذا للأسف ما يحدث الآن ...
فالشباب يريدون أن يرحل الذى قتل أصدقائهم عن السلطة، و لكنهم يجهزون المسيرات لتنطلق الى نقاط النار "وزارتى الداخلية و الدفاع"، فيشتبكون بغضبهم مع الجنود و يتساقطون لأنهم عُزّل من السلاح. و يتناسون أولئك الفتية أن حتي يرحل المجلس العسكرى يجب أن يتسلم مجلس الشعب السلطة منه أو أن تُجرى انتخابات رئاسية مبكرة و يفتح باب الترشح قبل موعده. فالأولى -من وجهة نظرى- أن تُسير المسيرات فى كل المحافظات المصرية صوب المقار الإنتخابية لأعضاء مجلس الشعب، و تُسيَّر أيضا لمكتب الارشاد فى المنيل و المقر الرئيسى لحزب الحرية و العدالة فى المقطم بما أنهم يمثلون الغالبية الآن فى البرلمان. فعلينا أن نضغط على أعضاء المجلس ليسترجلوا و يطالبوا المجلس العسكرى بتسليم السلطة فورا اما لمجلس الشعب الذي ينتخب رئيسا مؤقتا منهم لمدة ٦٠ يوما أو بتعجيل الانتخابات الرئاسية، و كفى الله المؤمنين شر القتال.

عبدالله شلبى 
الجمعة ٣ فبراير ٢٠١٢
٢:٠٥ صباحا

الخميس، 12 يناير 2012

عام على الحضن

السبت ٢٩ يناير ٢٠١١، 
 شارع الشيخ ريحان، محيط وزارة الداخلية المصرية

شقشق فجر يوم جديد، بعد أن اجتاز الثوار حاجز الخوف من الموت و اقتحموا ميدان التحرير، معلنين انهاء عصر الظلم و الظلام، ٢١ ساعة و لم تزل المعركة دائرة على أشدها علي خطوط العدو. ثوار لا يملكون الا الإيمان و الهتاف، و طغاة تمدهم سيارات الاسعاف كل ربع ساعة بأسلحة و ذخيرة.
أقف تارة أفكر و تارة أضمض جراح من يصابون و تارة أهتف و تارة ... و تارة.....، مزيج من الحالات تجتاحني و أنا أخوض تلك التجربة التى لم تكن حتي لتخطر على بال بشر.

هدأ الميدان قليلا و تراجع جنود هامان الى الشوارع المؤدية الى وزارة الداخلية، ثم هدأتالأجواء تماما بعد برهة من الوقت، و بعد أن أخذت قسطا من الراحة، توجهت نحو شارع الشيخ ريحان لأقف على أخر مستجدات الموقف.
شارع محمد محمود لم يكن ساحة معركة فحسب و لكن كان منظره أن قذائف ثقيلة متعددة سقطت عليه. فواجهات المحال مهشمة و الأسفلت محترق، و دخان يصعد من أماكن كثيرة و متفرقة، و الهواء مشبع بالغاز المسيل للدموع.
 وصلت الي مقصدى، فوجدت شباب واقف يهتف و آخرين مستلقين على ظهورهم في الشارع و علي الأرصفة من شدة الجهد و الاعياء و آخرين يحاولون اسعافهم. باشرت معهم مهمتى الأساسية كطبيب و بدأت فى انعاش الواحد تلو الآخر، مضى الوقت هادئا و لم يتبقي من المصابين الا اثنين - كما أتذكر.

فجأة و بلا أى مقدمات و جدت مجموعة كبيرة من الشباب يهرولون علينا من أمام مبنى الوزارة فى حالة من الجنون و الفزع !، ثبت فى مكانى مسندا ظهرى الى الجدار أتساءل ماذا يحدث ؟؟، لم أسمع أى صوت اطلاق نار أو قنابل، و لم يتبقى أى عسكرى فى الشارع حتى تكون هناك مواجهات !! ، وجدت فتاة تمر بجوارى مسرعة ثم توقفت و عادت صارخة فى وجهى "بقولك اجرى ، اجرى بيضربونا بقناصة"، "قناصة" لمعت عينتاى متسائلا "احنا وصلنا للقنص ؟؟، ايه التخريف ده؟!"، و لم أكمل الجملة حتى وجدتها ممددة يداها نحو كوفيتي لتجرنى منها حتى أركض.

بدأت فعلا بالركض معها، و مازلت لا أستوعب هل كلامها صدق أم هى حالة من حالات الفزع الزائد. سمعت صوت يأتى من خلفى كشئ يرتطم بشدة على الأرض، فنظرت فوجدت شابا سقط بالفعل على وجهه، فوقفت ، فنظرت تلك الفتاة الىّ صوب عينيّ و قبل أن تنطق ببنت شفه صرخت فى وجهها "مش هسيبه اجرى انتى ، مش هسيبه اجرى قلتلك"، عادت الفتاة للركوض و سرت وحدى عكس تيار البشر المتدافع حتى وصلت اليه، و جدته يتألم بشدة، و كان يرتدى بلوڤرا أسودا، فلم يظهر عليه أي علامات نزيف، لم أستطع اسعافه فى المكان من الزحام و لم أستطع أن أوقف أحدا من الراكضين من شدة فزعهم و تدافعهم، ظللت أحاول حتى حملته محتضنه في صدرى، و بدأت أحاول السير بظهرى، حينها كنا أنا و هو الوحيدون فى الشارع و لكن ساعدتنى قلة حجمه بالنسبة الىّ من السير بسرعة بضع الشئ.
حاولت أن أخفف من ألمه و أنا حامله فهدأ و ابتسم الىّ، و كنت كلما نظرت فى وجهه رأيته ناظرا الىّ بنفس الابتسامة، كأنما يحاول أن يخفف عنّى أو يشكرنى، وصلت الى شارع جانبى بجوار بقالة "القواسمى" فوضعته على الرصيف و قلت له "ها يا عم ايه اللي بيوجعك ؟، أدينا وصلنا" فلم يرد عليّ، فتفحصت وجهه وجدته مازال مبتسما اليّ، فابتسمت و قلت له "انطق بقي خلصنى ورايا مصابين تانيين غيرك" فلم يرد علىّ الا بابتسامته ذاتها، مسكت بيده لأفحص نبضه، فلم أجد، و كذلك رقبته، كشفت صدره لأستمع لقلبه مباشرة، اذ بى أفاجأ بفتحة فى منتصف صدره، قلبته على ظهره فوجدت فتحة مقابلة لها.
لم أصدق، و انتابنى حينها صدمة هيستيرية فانقضت عليه بكلتا يداى ممسكا برقبته صارخا فى وجهه "متموتش مننى، بقولك متموتش مننى، احنا وصلنا خلاص" و استمريت في الصراخ حتى هرول علينا الناس يحاولون سحبى من فوقه و تهدأتى. جلست بجواره على الرصيف أبكى، ثم أتت سيارة اسعاف حملته بداخلها و لم أعرف حتى اسمه الى الآن !!

عام على الحضن الذى حملنى أمانة دم و ثأر فى رقبتى موقعا عليها بابتسامة، عام مضى كلما تذكرت هذا المشهد تنفجر عيناى بالدموع دون سابق انذار، عام على الحضن الذى جعلنى أخشى الموت حتى لا أقابل صاحبه من غير أن أكون أعدت له حقه، عام على الحضن الذى تمنيت أن أستشهد بجوار صاحبه قبل أن يحملنى ذلك العهد. عام مر دون أن يأتى حقه أو حق أحد في تلك الضيعة التى نعيش فيها، و يا ترى كم عام سيمر علينا بنفس الحال؟!!
عام على حضن ليتني ما احتضنته !!!

عبدالله شلبى 
الخميس ١٢ يناير ٢٠١٢
٠٧:٤٠ مساءا