٧٨ جثة جديدة، فى ليلة ذكرى موقعة الجمل، ذكرى عقول دبرت و أدارت و دفعت ليتقاتل أخوة فى وطن واحد و يَسفك كل منهم دماء الآخر. مشهد عاد لشاشات التلفاز مباغتا عقولنا بتكراره فى نفس التاريخ مع اختلاف السنة و اختلاف المكان، فمن ميدان تحرير لاستاد كرة قدم قديم، و من الصمود تحت راية الوطن الى الفُرقة تحت رايات الفرق الأهلى و المصرى، ليُقسم لنا أمام أعيننا ألا شئ تغير فى مصر الى الآن سوى الأرقام فى النتيجة.
بعدها بيوم أو فى يوم ذكرى موقعة الجمل تحديدا، خرج شباب غاضب معلنا رفضه لسوء و جهل الادارة الأمنية للحدث الذى تسبب في تثكيل ٧٨ أم فى لحظات معدودة. بدأ اليوم بمسيرات من نادى الأهلى الى ميدان التحرير، ثم تخطت المسيرة الميدان لتمر من شارع "عيون الشهداء"- محمد محمود سابقا- لتصوب وجهتها فى النهاية نحو وزارة الداخلية !!
مشهد محفوظة ملامحه و كلما تكررت بوادره عُرفت نهايته، فهو لا يجدد نفسه و لا يغير من ترتيباته، لكن فقط يجدد كشوف الشهداء و المصابين و الدموع.
لم يخطئ أحد فى تسليط الضوء و تصويب اشارات الاتهام نحو المجلس العسكرى و أنه هو المتهم الأول فى وقوع تلك الأحداث المؤلمة، بما أنه يلعب دور الديكتاتور الآمر الناهى فى البلاد الآن. و لم ينسى أحد كم الجرائم التى ارتكبها هذا المجلس منذ أن تسلم السلطة و أدار البلاد من يوم الجمعة ١١ فبراير ٢٠١١. و لعل اتفق الشعب آخيرا و توحد أن على المجلس العسكرى الابتعاد تماما عن السياسة و لا يشغل نفسه بما ليس له، و لكن اختلفنا على موعد استلام السلطة منه.
فاض الكيل بالشباب. فكلما شاهدوا جلسات "مجلس الشعب" و رأوا الشعر الأبيض الجالس على الكراسى و تذكروا الشعر الأسود النائم فى القبور، و استمعوا الي التوصيات الهزلية و القرارات المرتخية التى يتخذها المجلس (و التي ما تكون في أقصاها تشكيل لجنة "دفن الحقائق"). يفور الدم فى العروق و يصعدوا الى الميدان ليزأروا و يلعنوا الظلم و الظالمين. و لكن سرعان ما تبدأ الاشتباكات بينهم و بين أفراد الأمن ليبدأوا فى التساقط الواحد تلو الآخر اثر الاختناقات من الغاز المسيل للدموع، و الرصاص الخرطوش الذى يفقع الأعين و يخترق الصدور.
ان العبث كل العبث أن تسير للامكان، و تجرى وراء اللاهدف، ثم تموت من أجل اللاء شئ فتضيع دماؤك كهباءا منثورا. و هذا للأسف ما يحدث الآن ...
فالشباب يريدون أن يرحل الذى قتل أصدقائهم عن السلطة، و لكنهم يجهزون المسيرات لتنطلق الى نقاط النار "وزارتى الداخلية و الدفاع"، فيشتبكون بغضبهم مع الجنود و يتساقطون لأنهم عُزّل من السلاح. و يتناسون أولئك الفتية أن حتي يرحل المجلس العسكرى يجب أن يتسلم مجلس الشعب السلطة منه أو أن تُجرى انتخابات رئاسية مبكرة و يفتح باب الترشح قبل موعده. فالأولى -من وجهة نظرى- أن تُسير المسيرات فى كل المحافظات المصرية صوب المقار الإنتخابية لأعضاء مجلس الشعب، و تُسيَّر أيضا لمكتب الارشاد فى المنيل و المقر الرئيسى لحزب الحرية و العدالة فى المقطم بما أنهم يمثلون الغالبية الآن فى البرلمان. فعلينا أن نضغط على أعضاء المجلس ليسترجلوا و يطالبوا المجلس العسكرى بتسليم السلطة فورا اما لمجلس الشعب الذي ينتخب رئيسا مؤقتا منهم لمدة ٦٠ يوما أو بتعجيل الانتخابات الرئاسية، و كفى الله المؤمنين شر القتال.
عبدالله شلبى
الجمعة ٣ فبراير ٢٠١٢
٢:٠٥ صباحا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق