الثلاثاء، 5 يوليو 2011

"غوروا يرحمكم الله"

هذه الكلمات التى تُقرأ الأن أمام عينيك، خلفها صرخات تخرج من بين ضلوع امتلأت بالأسي و الألم قادرة على أن تصم السليم و يسمعها أى أصم. ألم زرع فى النفس بعناية من هول ما أرى يوميا من هراء و خراء في ادارة تلك البلاد التي لم يكتب لها أن تفرح ليلة دخلتها علي شعبها الذي دفع مهرها دما و صبرا و نضالا.

رئيس وزراء حملناه على أكتافنا، وحمّلناه أحلامنا، و لكن للأسف لم يعى ولم يدرك للحظة تلك القوة الطاحنة التى يتمتع بها. لم يفهم أنه الآن أقوى رئيس وزراء فى العالم، لم يستوعب أن معه سلاح فتاك قادر على هزم المستحيل نفسه، هذا السلاح اسمه الشعب !!!

لا أعبأ كثيرا و لا أهتم بتلك النغمة التى أسمعها على شفاه الكثيرين، أنه مقيد من قبل المجلس العسكرى، أو أنه يخشى أن يقدم استقالته فيأتي المجلس بأحد لا يقول شئ غير "سمعنا و أطعنا"، أو أنه يخشى اذا قدمها أن تحدث وقيعة بين الجيش و شعبه.. ما هذا الملل و عدم الكلل من نبرات اللامبارك التي أصبحت تسرى فى عروقكم مسرى الدم ؟!! أى منطق هذا الذي ينص على أن أكون مقيد بأحد غير أقوى قوة فى البلاد و هى الشعب؟ ، أى منطق ذلك الذى يقول أن من أتوا بى و حمّلونى الأمانة سيتخلون عنّى عندما أحتاج اليهم؟، أى منطق يعقل أن تحدث وقيعة بين هذا الشعب الذكى الفطن الذى استطاع فى لمح البصر أن يفرق بين قوات الداخلية و قوات الجيش و حول غضبه الى هتاف "الجيش و الشعب ايد واحدة" و ذلك الجيش الأبى الذى نزل الى الشوارع يتعامل مع أهله بكل رفق و ترك الآلاف يركبون عرباته و مجنزراته و دباباته و لم يمنع أحدا و تدارك الفرق بين التعليمات و القوانين و بين فرحة شعب يرى النصر و يمد له يده.

لم أكن أتوقع للحظة و أنا ألملم أشيائى من الميدان أنه سيأتى علىّ يوما ثانيا و أشعر بكل هذا الهم و الغم بسبب تردى حالة ابنتي، لقد عدت يومها الى بيتى و أنا أتمشى و أكاد أطير من الفرح، عدت أفكر و أحلم و أخطط لمستقبل تلك الابنة الشقية التى لم تتمتع بشبابها و لم تزورها الفرحة منذ أزمان بعيدة.

لماذا فعلتم بنا هكذا ؟؟، لن أفتح لك يا سيادة رئيس الوزراء و لا لأحد من رجالك كشف حساب، فقط سأقول لك "اقرأ كتابك فكفى بنفسك اليوم عليك حسيبا". لأننى بالمصرى الفصيح "رميت طوبتك انت و حكومتك و المجلس العسكرى" و آمنت و بصمت بالعشرة علي مقولة شيخنا الجليل عبدالرحمن الكواكبى "لن يعيد لمصر شبابها الا شبابها" و أذكركم أنه "لم يعد لجورجيا شبابها الا شبابها" تلك الدولة التى لم يتعد فيها عمر أى مسؤول بها بعد الثورة السابعة و الأربعين من عمره، و لكن فى مصرنا و بعد الثورة؛ ألقت لنا دور المسنين بخيرة عجائزها و روادها ليمسك كل واحد منهم بمسبحته ليعد الأيام المتبقية له و لكن من على كرسى الحكم. (من الطبيعى أن أنهى تلك الفقرة بكلمة اعتراضية أولها مثل آخرها)

سأبدأ الآن لأحلم بصوت عال لعل الله يسمع دعائى الآن و أنا فى وقت السحر من الليل و يغير لنا جميع المسؤولين و يأتى لنا بشباب أشداء على قدر المسؤولية، و لعل كلامى يصل و يكون مساعدٌ لمن سيخلف هذا الذى خلّفنا ٥ أشهر أخرى، قادر يا كريم.

أولا سأحاول تحديد نقاط الخلل التى تعاني منها مصر الآن: فعندنا مشكلة عارمة فى حقوق الانسان و على رأسها الحرية بكافة أنواعها، و عندنا مشكلة فى القضاء، ثم عندنا مشكلة فى وزارة الداخلية (هذا الكيان الذى استشرى فيه الفساد) و عندنا مشكلة اقتصادية لها من الأسباب و النتائج المترتبة عليها.

١- حقوق الانسان:
لا تقلق، لن أطول عليك في تلك النقطة كثيرا فكم البيانات و الورق التى أصدرها- من يتخيلون أنفسهم -النخبة؛ كافية شافية علي أن أطلب منك تسميع بنود حقوق الانسان فى ميثاق الأمم المتحدة. كل ما نريده من رئيس الوزراء أن يطبق تلك البنود بحذافيرها و أى تعدى على بند واحد منها يكون بمثابة تعدي علي كرامة الشعب المصرى بأكمله و ان لم يستطع أن يأخذ لنا حقنا، فاستقالته خير وسيلة للرد على الاهانة.

٢ - القضاء:
أولا يجب اقالة النائب العام فورا، فذلك الرجل تربي علي أخذ الأوامر من الحاكم (أيا كان) اذا قال له طرمخْ طرمخَ و اذا قال له احكمْ حكم.َ
ثانيا لا مجاملات لأحد فى القضاء، فان الله يقيم الدولة العادلة و لو كانت كافرة و يهدم الدولة الظالمة و لو كانت مسلمة، لا معنى أن يعامل اللامبارك بطريقة غير التى يعامل بها المتهمون أمثاله، فكلنا سواسية عند الله و أمام القضاء، و اذا اعترض أحد او تذمجر من أشقائنا العرب أحباب مبارك، سنجعل القانون الذى اخترعه و اتبعه بوش الابن هو قانوننا ألا و هو (shoes talk) أو (الكلمة للحذاء)، و لن نعبأ بما سيفعلونه بالمصريين الذين يعملون عندهم، لأن الأرزاق على الله، و اذا وجدنا الله نؤيد العدل و ننصره سيرزقنا من حيث لا ندرى و لا نحتسب، و اذا وجدنا نضع العدل فى كفة و المصالح فى كفة و نرجح كفة المصالح، فحالنا خير شاهد و دليل.

٣- وزارة الداخلية:
هذه المؤسسة التى تحارب كل يوم لتثبت أنها أكبر مؤسسة فساد ممنهجة فى مصر، لم نرى أن قدم وزيرها ذو الأربعة و السبعون عاما قناصة الداخلية للتحقيق حتي يتبين لنا قتلة الثوار منهم أو يتبين لنا براءتهم، و يثبت أنه كان هناك أياد خارجية، فيتحول جهاز المخابرات بأكمله و علي رأسهم كبيرهم اللواء عمر سليمان للتحقيق. نريد أن نرى اقالات جماعية للصف الأول من القيادات مساعدو اللاحبيب اللاعادلى و أى من القيادات التى يثبت و لو للحظة تورطها فى أى فساد أو تقاعصها عن أداء عملها، و كما نحب أن نرى تطهير شامل و جارف للميليشات التي تطلق على نفسها أمناء الشرطة. و الافراج الفورى عن نصف أو ثلاثة أرباع الجيش المصرى المضاد للمصريين الذى يدعى بالأمن المركزى.
ان هناك عقول فى الداخلية تستحق كل احترام و تقدير و يجب علينا أن ندفع بهؤلاء ليتقلدوا مراكز القيادة لاعادة هيكلة هذا الكيان الفاسد، و علي سبيل المثال لا الحصر ذلك الضباط الذين ظهروا مع بلال فضل فى برنامجه فى الميدان.

٤- الاقتصاد:
ان الاقتصاد و الأمان و الأحلام ثلاثي مرتبط ببعضه البعض كالمثلث لا يجوز فصلهم، ان اقتصاد الدولة يعتمد علي قدرتها فى توفير الأمان للمستثمرين، و أمان الدولة يعتمد على مدى التفاف الشعب حول هدف قومى محدد و برّاق. و أظننا جميعنا لاحظنا أن مصر عاشت ١٨ يوما كانوا أأمن أيام مرت علينا فى تاريخنا برغم غياب كامل لأفراد الشرطة، اللهم الا بعض الأكاذيب الذى روجها التلفزيون المصرى كعادته، و كان السبب أن هناك هدف قومى واحد ألا و هو هدم دولة الفساد و الظلم و اسقاط نظامها.
هذا ما نحتاج له ليس فقط فى المرحلة الراهنة و لكن دائما؛ و سأعطى مثالين على هذا:
المثال الأول هو مشروع حلم مصر الذى كتبه و نشره المهندس الجوهرى أبو الحسن الجوهرى فى جريدة الأهرام (عدد الاثنين ٦ يونيو ٢٠١١ صفحة ١٩). نريد أن يتم الاهتمام بتلك الأفكار و لو حتى بالتعديل عليها و فتح النقاش حولها ، حتى نخلق حالة من العاصفة الفكرية تقودنا نحو الأفضل.
المثال الثانى نعانى الآن من أزمة فى السياحة، لماذا لا تطلب حكومة الثورة مثلا ١٠ ألاف مواطن متطوع و تقوم بتدريبهم على رقصات استعراضية ، ليقوموا بأكبر استعراض فى الأقصر و أسوان و عند سفح الأهرامات و يكون حدث تسويقى عالمى للسياحة فى مصر.

هذه الأفكار و غيرها الكثير لن تنفذ من قبل تلك الحكومة العاجزة التى تنأى بمسمعها عن الشعب، تلك الحكومة التى كتب عنها المستشار السياسى لرئيس وزرائها، أن نصف الوزراء يعتقدون أنهم فى حكومة ثورة و النصف الآخر يعتقد أنه فى حكومة تيسير أعمال. و أنا أعتقد أنهم جميعهم مؤمنون أنهم فى حكومة (ازاحة الأيام) قابعون على كراسيهم مثل الموظفون البليدون، و كلهم يستحقون عن جدارة لقب (وزراء علي ما تفرج) .

أتمنى الآن أن نعلى مطلب تغيير تلك الحكومة و نشترط أن تكون حكومة من الشباب و نؤمن جميعا أنه "لن يعيد لمصر شبابها الا شبابها" لننطلق جميعا و نعلنها أمام مجلس الوزراء هاتفين "غوروا يرحمكم الله".

عبدالله شلبى
٥ يوليو ٢٠١١
٥:٥٥ صباحا

هناك تعليق واحد:

  1. ممتاز، كسبت متابع جيد ليك،لأن كلامك ملئ بالفكر والتدبر...
    شكرا عالمقال الجميل ده

    ردحذف