السبت، 10 سبتمبر 2011

٩/٩ بين النجاح و الاجتياح

٩ سبتمبر يوم جديد سيسجل فى تاريخ الثورة رغم أنف الحاقدين و المتآمرين ، يوم كلله الله بالنجاح و لكن به بعض الوعكات التى أراها من وجهة نظرى تعسير من الله حتى يفتح لنا بعدها يسرا و خيرا كثيرا، فهو الصادق حين قال "ان مع العسر يسرا..ان مع العسر يسرا" .

بدأ الحمدلله اليوم كما تم التنسيق له بالضبط، مسيرات تحشد الناس و توقظهم من سكونهم و لنوصل الثورة بهتافنا داخل بيوت الشعب بالغصب، و حتى لا نغلق كعادتنا على أنفسنا الميدان و نصبح كسرب من الغربان ينعق و لا نسمع الا أنفسنا. انطلقت المسيرات من كل حدب و صوب حاشدة للناس و مفعمة بالأمل، حتي شعرنا أن الأسفلت تحت أقدامنا يرقص فرحانا مستعيدا ذكريات أحداث يناير العظيمة، لقد عدنا للشوارع التى أوصلتنا للميدان و عادت الشوارع لنا.

بدى الميدان فى أول اليوم كخدعة لكل الناظرين اليه، لا يوجد فيه سوى العشرات، بينما الآلاف قادمون عليه يزأرون معلنون عودة الثورة فى شرايين الأحرار، ثم بدأت المسيرات تتوافد على الميدان فى منظر مهيب جعل الميكروفونات تصمت و الكاميرات تثبت ، حتى تخيل الناس أن أرض الميدان تخفى الثوار تحتها و هاهى تنشق عنهم ليظهروا للنور و يملأوا الدنيا بالأمل.

كان اليوم من أحشد الأيام التى شهدتها الثورة، بينما غاب عن اليوم التيار السياسى المتأسلم رافضا المشاركة.
كانت المطالب واضحة و هى :
- استقلال القضاء و الغاء وزارة العدل.
- وقف المحاكمات العسكرية للمدنيين فورا و اعادة النظر فى قضايا المحكوم عليهم عسكريا أمام قاضيهم الطبيعى.
- تطهير الداخلية من جميع قيادات وزيرها السابق حبيب العادلى.

توجهنا في تمام الساعة الخامسة، فى مسيرة ضخمة الى دار القضاء العالى لنهتف طالبين باستقلال القضاء، ثم توجهنا الى السفارة الاسرائيلية فى تمام الساعة السادسة و الربع بعد أن علمنا أن هناك مسيرة أخري توجهت الى هناك بالفعل و أطلقوا عليها "مسيرة الشواكيش".
عندما وصلنا وجدنا أن المسيرة الرمزية تحولت لفعل على أرض الواقع، و قرر الثوار هدم الجدار العازل الذي أقامه المجلس العسكري لتحتمى به سفارة الصهاينة. بدأ التهليل و التكبير بعد سماع أول طرقة للشواكيش علي الجدار ثم بدأت تتحول الأحلام الى حقيقة و النفوس تمتلئ بالعزيمة عند سقوط أول جدار، كنا غير آهبين أى شئ لا عساكر الأمن المركزى و لا مدرعات الجيش و لا حتى عصى الشرطة العسكرية الكهربائية.
بعد أن تساقط معظم الجدار، رأينا ٤ شباب يحاولون التسلق على جدار السفارة الاسرائيلية علي غرار" أحمد الشحات" لينزلوا العلم الاسرائيلى من عليها.. بدأت الأنفاس تُحبس شيئا فشيئا كلما أصبحت أجسادهم معلقة فى الهواء، أثبتوا أن فى مصر وحدها المعجزات تتكرر، و أن مصر ليس بها "رجل عنكبوت" واحد و لكن بها الكثيرون منه.
وصل أحدهم الى سرية العلم، و أنزله من عليها. و رفع علم مصر مكانه ليرفرف فى سماء القاهرة،


الى هنا و كان اليوم مقدوا له بأن يكون أسطوريا بجميع المقاييس، فالمسيرات أتت بثمارها و حشدت أعداد مهولة في تنظيم لم يحدث منذ الأيام الأولى للثورة، وصلت الرسالة عالية و محددة بأوامر الشعب الثائر، أسقطنا جدار الخزى و العار، و تم انزال العلم الصهيوني فى رسالة شديدة اللهجة أننا نرفض كليا و جذريا هذا الكيان السرطانى.

بعد هذا بحوالي ثلاث ساعات و بالتحديد على الساعة العاشرة بدأت تأتى أنباء بمحاولات لاقتحام السفارة الصهيونية، و أنباء عن مناوشات خفيفة أمام سفارة "السعودية" لأن بعض الثوار قد ذهبوا يهتفون أمامها منددين بما لقاه المصريون فى رحلة عمرة رمضان الآخيرة.
ثم جاءت الأخبار بالفعل تم اقتحام مبنى السفارة الصهيونية بل و القاء الأوراق من الشباك!!! توجهت الى هناك مسرعا، لأجد أن الساحة تحولت الي ساحة قتال بالفعل، عشرات المدرعات و ناقلات الجنود تصف فى الطريق، و آلاف العساكر منتشرة في تشكيلات في كل مكان، ثم نظرت الي السماء وجدتها محجوبة بألالف الأوراق التي تتطاير كالعصافير من شباك السفارة!!
بدأ الشك ينتابني بشدة، مَن هؤلاء؟؟؟ و كيف سمح لهم بهذه السذاجة و البساطة الوصول الى داخل السفارة؟ لمصلحة من يفسد هذا اليوم الجميل الأسطورى ؟!!!
أمام عمارة السفارة الصهيونية كوبري يحدها و بينهما ممر، هذا الممر في المعتاد كان به ناقلة جنود و مجنزرة و دوريات ثابتة لتأمين السفارة، فتوجهت الي هناك، فلم أجد منهم نفر !!!! بل وجدت آلاف المواطنون يقفون بدلا منهم فى الممر !!!

لقد وصلتنى الأنباء ليلة التاسع من سبتمبر أن بالفعل تم عقد اتفاق بين أفراد من الداخلية و الشرطة العسكرية و بعض رؤوس البلطجية، و لكن ما فهمته من الكلام أن هؤلاء البلطجية سيهاجموننا نحن، و لما مر أول اليوم بسلام حمدنا الله أن خيب ظنوننا و لم يتجرأ أحد علي المساس بنا.
و لكن بعد قليل بدأت عمليات التراشق بالحجارة بين مجموعة من الأشخاص و جنود الأمن المركزى، و هؤلاء الأشخاص لم يجدى معهم أى حديث أو رجاء، فبدأ بعدها الرد على الحجارة بقنابل الغاز المسيل للدموع، ثم وجدنا حريقا قد نشب فى حديقة الأورمان، اصطحبت صديقى "عمر نصرت" بعد أن وصف الوضع بنظرة ثاقبة قائلا "أهلا بكم فى مدينة البهائم" و انصرفنا لنعود من حيث أتينا.

في الطريق الي السيارة، وجدنا أنفسنا فى صفوف الأمن المركزي نقف بينهم و بجوارهم، فكانت تلك المرة الأولى أن تقف فى هذا الموضع نرى ما يحدث في الجبهة الأخرى، الجدير بالذكر أننا اكتشفنا أن الشرطة كلها لها نظام واحد فى اعطاء الأوامر و هو يمتاز بتتخين الصوت مع الشخط في آن واحد!!! نعم ، بدأت أعطى الأوامر للعساكر بعدم القاء الحجارة علي المتمردين حتى لا يعاودوا قذفهم بها و أن يحتموا وراء دروعهم فقط ، فوجدهم يلبون التعليمات دون أن يسألوا مَن أنا !!!! ثم وجدت ضابط برتبة نقيب يوجه القنابل المسيلة للدموع كقذيفة ليصيب بها أحدهم، و بنفس الأسلوب أعطته أمر بتوجيها لأعلى حتي لا يصيب أحد .. فوجدته أيضا ينفذ الأمر!!! أخذناها كلعبة لبضع الوقت نعطى الأوامر ، يتم تنفيذها بالحرف، نكب فى أنفسنا ضاحكين.

ثم وجدنا بجوارنا نقطة اطفاء الحريق، فتوجهنا لها مسرعين لنبلغهم عن حريق حديقة الأورمان، و لكنهم رفضوا الا فى وجود قوة تحميهم، بحثت بين صفوف أفراد الشرطة عن رتبة كبيرة فوجدت عميد، فقمت بإبلاغه فاستجاب لى و لكنه ذهب دون أن يتخذ أى فعل، لمحنا رقعة النار تزداد فى الحديقة، فلم أجد غير أسلوب المجنون طريق لانقاذ حديقة الخديوى اسماعيل، فصحت بأعلى صوتى أسب فى الشرطة و كل الواقفين بمن فيهم من لواءات و عمداء ثم توجهت للواء منهم و صحت فيه كالمجنون "سأحملك المسؤلية كامله ان لم تأمر حالا بإرسال عربة الاطفاء للحديقة"، وجدت بعض الضباط يلتفون حولي و يحاولون تهدأتى، و يقولون "كل اللى انت عايزه هيحصل بس بالهداوة" فأزيد من وتيرة الجنان حتى يسرعوا، و بالفعل تحركت سيارة الاطفاء و تحركت أنا و مجموعة من الشباب معها لنساعدهم و نؤمنهم اذا واجهوا أى مشاحنات من قبل المتمردون، كسرنا الجنزير الذى وصد به باب الحديقة و الحمدلله تم انقاذها .

أخيرا و ليس آخرا ما حدث ليل التاسع من سبتمبر هو ما تم تحذيرنا منه و هى مواجهة البلطجية، و لكن اليوم كانت مواجهة من نوع خاص بأن تراشقوا معنا فى الصفوف و بدأوا في استفزاز الشرطة، بالطوب و المولوتوف ، و تطور الأمر أن أطلق أحدهم - بينما أنا واقف فى جبهة الشرطة - علينا طلقة خرطوش فأصابتنى في خدى الأيسر و أصابت جندي بجوارى في كتفه.

هذه شهادتي علي هذا اليوم ، و أدعو الثوار الأحرار أن يكملوا مسيراتهم غدا و كل يوم فى أسبوع "سيادة الشعب" ، بنفس السلمية، مبتعدين عن الفخاخ التى تنصب لثورتنا كل يوم، للأسف من الأعداء و الأصدقاء، و نثبت على مطالبنا حتى نقتنصها.

عبدالله شلبى
١٠ سبتمبر ٢٠١١
٣:١٢ صباحا

هناك تعليق واحد:

  1. الهم بارك لنا في امثالك و شباب الثوره واجعلها ثوره مباركه علي مصر و علي شعب مصر الغلبان

    ردحذف