الجمعة، 30 سبتمبر 2011

الزعيموفيليا

أربعة مرات، تم تأجيل كتابة هذا المقال، فى كل مرة كنت حين أستجمع نقاط ما سأكتب عنه أصاب بارتفاع شديد فى ضغط الدم؛ لدرجة أننى فى المحاولة الأولى للكتابة و من شدة ارتفاع ضغط دمى، انطلقت الدماء من أنفى تتساقط علي لوحة المفاتيح فى مشهد غريب أوضح لى شدة تأثرى بالحدث.

جاء أردوغان الى مصر الثورة، و كان يعلم أن مصر الثورة تختلف كثيرا عن مصر التى عرفها العالم لعقود طويلة. فالشعب صنع ثورته، و قاتل و اقتنص كرامته و ها هو يوما بعد يوم يعلى و يثبت كلمته. أتى أردوغان مستشعرا رهبة و قدسية الميدان التى غيرت حتى رائحة الجو فى مصر الثورة. كنت فرحا لمجيئ واحد من صناع الحضارات الحديثة لمصرنا و هو يشعر بكبر هذا البلد و شعبه، و جعلنى أستشعر العزة رغم تأخرنا لسنوات عن تركيا.

جاء اليوم التى وطأت فيه قدمى أردوغان القاهرة، و بدأت الأنباء تأتينى صادمة كل ساعتين تقريبا. أولا اتصال من احدى الصديقات تسألنى هل مررت من على كوبرى أكتوبر اليوم؟ فتساءلت مستنكرا: و لماذا؟ فقالت لى أن هناك اعلانات ضخمة موضوعة عليه مرحبة بقدوم "الزعيم" رجب أردوغان !!، فقلت لها يمكن أن يكون ترحيب ديبلوماسى و لكن فرط العقد منهم بعض الشئ. ثم ما لبثت الا بضع ساعات حتى تناقلت الأخبار أن وفدا من جماعة الاخوان يستقبلون أردوغان فى المطار بالأعلام التركية و المصرية !!!! . بدأت أقول فى نفسى يبدو أن المازوخية فى هذه الجماعة أصبحت عقيدة أكثر من أنها مرض، فما الذى يجعلهم يتشدقون الى أن يكونوا أتباع و يبحثون عن زعيم فى وقت الشعب فيه هو الزعيم أصلا.
ساعات قليلة و كان موعد خطابه فى دار الأوبرا المصرية، و فى خطابه غلقت شوارع القاهرة من شدة الازدحام بسبب أشخاص يقفون أمام الأوبرا يهتفون بحياة أردوغان، و يتراقصون تحت الأعلام التركية. ثم جاءنى اتصال من أحد الحضور يسخر مما حدث عند دخول أردوغان القاعة، فقام فريق يكبر "الله أكبر و لله الحمد" و فريق آخر يهتف" بالروح و الدم نفديك يا أردوغان".

كل تلك الأنباء تتوالى على و شريط يوم ٢٨ يناير يمر أمام عينى، لقد نزلت و شاركت في هذه الثورة لأن لم يكن لها زعيم، نزلت لأؤكد أن الشعب هو الزعيم و هو السيد. هل كنت سأموت فى تلك اليوم من أجل شعب يتلذذ بالعبودية ؟!! ، هل تلك الرصاصة التى مرت بجوارى أمام قسم الأزبكية كادت أن تستقر فى جسدى من أجل أناس أسقطوا ديكتاتورا فذهبوا ليستعيروا زعيما من دولة أخرى؟! . ما أشبه اليوم بالبارحة؟ ، عندما ثار الشعب المصرى على خورشيد باشا ذلك الديكتاتور المتعجرف، ثم ذهب الأعيان و على رأسهم على مبارك ليبايعوا الألبانى محمد على باشا ليحكم مصر !!! فهل جينات العبودية نتوارثها هى الأخرى ؟!!

أرسل لى بعض الأصدقاء فى نفس اليوم - المصائب لا تأتى فرادي - أغنية تدعى "مطلوب زعيم" فاستمعت اليها أول مرة  فأعجبتنى الكلمات، ثم عدتها مرة أخرى فجن جنونى، و عندما رأيت عدد من شاهدوها و شاركوها لم أصدق تماما ... فكيف لشاب لم يبلغ من العمر ثلاثون عاما يخرج علينا ليغني طالبا زعيم!! ثم شباب من محتلف الأعمار يؤيدون الرأى و يشاركونه مطلبه !!!

أيها الشعب، عليك أن تعلم أنك الآن فى موقع يحسدك عليه كل الشعوب، أنت الآن أعلنت و تؤكد كل يوم أنك أنت الزعيم، نحن الآن أول دولة فى العالم بها ٨٠ مليون زعيم، لقد أبهرت العالم بدرجة وعيك و قوة ادراكك أن الشعب هو السيد و هو الحكم، و أن الشعب هو الفاعل و لن يكون مفعول به، فإياك أن ترتكن للراحة و الاستسهال و تُنصّب بيدك من يتحكم فى مصيرك و قوت يومك، اياك أن تطالب فى يوم بزعيم يستأسرك ليُصيّر مصالحك على هواه، و يغتر في نفسه و يعتقد أنه ملهم. كن أنت دوما فى الريادة و اجعل كل من فى الحكم يعملون وفق مخططاتك أنت و توجيهاتك لهم، فانهم فقط يديرون هذا الوطن الذي تملكه أنت، و أنهم جميعا يعملون من أجل راحتك و اسعادك، و إن لم يؤدوا واجبهم فاطردهم شر طردة غير أسفا على أى منهم.

أيها الشعب نحن الآن لا نحتاج الا لأن نرسم النظام الذى سنعيش به فى مصرنا الجديدة و لذلك مع كل احترامى لمؤلف أغنية "مطلوب زعيم" لقد أعدت كتابة الأغنية و لكن جعلت اسمها "مطلوب نظام"


مطلوب نظاملشعب طول عمره عظيم
لشعب كان فاعل زمان لكنه هانحتي إنه ثار
بإيدين كبار وإيدين صغار
مفعول بيه بيقسموه ويفرقوه
ويقطعو في عين اللي جابه واللي جاب أبوه
عشان يموتأو ينتهي
مطلوب نظاملشعب حكامه خانوه
وتوهوه وغيبوه واللي انتبه منه وفاق غموله عينه وكمموه
وسلموه في المعتقللكلاب جعانة يقطعوه
لكنه رغم القهر قام زأر وزام
وفي أسبوعين زلزل حصون الجلادين هد السجون
فوق راس جميع المفسدين
مطلوب نظاميحمي الحقوق
يعدل ما بين الناس تمام زي الفاروق
ويكون حنين علي الفقير
وعلي اللي فاسد يفتري
يهدم علي دماغه الشقوق
ويعلقوه في المشنقةأو يرفعوه علي راس خازوق
مطلوب نظامميقولش علي الخواف حكيم
ويكون كمان سمعه سليم يسمع لنبضة قلبنا
ويكون مكانه في وسطنا
ميكونش على قد القصور
والبعض منا للأسف ساكنين قبور
نشرب وناكل كلنا
و نقدر نحقق حلمنا
و ميضعش أبدا حقنا
يسمعلنا ويشور وياخد رأينا
وقت الخطر نتلم نحميه كلنا
ونضحي عشانه بعمرنا
مطلوب نظامعلي كرامتنا يكون أمين
ويكون جرئ ويكون شجاع مش إمعة وحتة بتاع
يعرف يقول للظلم لأ
 ولا يفرط يوم في حق
مطلوب نظام نقدر نحاسبه بالقانون
للاختصارمطلوب وطن
عبدالله شلبى 
٣٠ سبتمبر ٢٠١١
٩:١٢ صباحا

الجمعة، 23 سبتمبر 2011

الشعب يريد الفنكوش

قررت أن أخرج الى الشرفة؛ فالضوضاء صاخبة، و لا أحد يطيق أن يتمهل ليستمع الآخر، الكل له أفكار بديعة و لكن دون أي استعداد أن تتكامل أفكاره و تندمج مع أفكار أى أحد. أصبحنا جميعنا كالماريونيت فى يدى المجلس، الذي أثبت أنه يجهل أصلا معني كلمة السياسة و أصبح يتمرس دور الجاهل فيصيح بعلو صوته يصدر قوانين هنا و فرمانات هناك، و الشعب ينظر اليه في ضجر و لكن يلعنه فى سره (صفات ما قبل ٢٥ يناير)، و أقلية يلعنونه فى وجهه جهارا نهارا بيانا (صفات ما قبل ٢٥ يناير)، و لكن نؤمن جميعا أن القطار غادر الحطة بالفعل و هذا فى حد ذاته بشرة خير، و لكن وجد فى طريقه تفريعة طرق فتوقف حتى ينتهي الركاب من شجارهم و يوحدون قرارهم أي طريق يسلكون.

بدأت في تلك الأجواء أن أستعيد الذكريات و التحضيرات الآخيرة التى نتج عنها تلك الشحنة الهائلة. فوجدت أننا فعلا قد خونّا هذا الشعب العظيم و نستاهل الآن ما نلقاه منه. لقد بتنا منذ ٢٠٠٨ فى شحن الشعب عبر وسائل الاعلام البديلة نحو احتياجاته الشخصية فكنا فى كل فيديو جديد يُرفع على موقع اليوتيوب يتم عرض كل ما نعاني منه من (زبالة، أزمة الخبز، أزمة الأنابيب، العشوائيات، وظلم الشرطة، و فقر الصعيد، و الفساد الادارى، و التوريث، البطالة، حادثى العبارة و قطار الصعيد، و البحث العلمى، .....الخ).

ثم ابتدينا الدعاية للحشد ليوم ٢٥ يناير بنفس تلك اللقطات و لكن انتهت الفيديوهات بشعار (عيش، حرية، عدالة اجتماعية) فوصلت الرسالة بأن كل متطلبات الشعب تتمثل في تلك الثلاث كلمات. فنزل من نزل من الشباب  مرددين جميعنا تلك الكلمات. ثم بعد الاعتداء على المتظاهرين فى منتصف الليل، تسارعت انتاج الفيديوهات بشكل ملحوظ و لكن كانت تنتهى بشعار جديد (الشعب يريد اسقاط النظام)؛ فربط الناس احتياجاتهم بهذا الشعار الجديد. فتدافع مئات الآلاف يهزون الجدران بذلك الهتاف يوم ٢٨ يناير. فاستمر مؤمن أن هذا الطلب يخفى وراء تحقيقه كل أماله و أحلامه فظل متمسكا بهذا الشعار - و لو أننى أكاد أن أجزم أن معنى كلمة "نظام" ظلت و تظل مطموسة على كثير منا مثلها مثل كلمة "الفنكوش" - و بعد أحداث يوم الأربعاء الدامى تم تطوير الشعار الى (الشعب يريد اسقاط الرئيس) فنقل الحالمون أحلامهم و أمالهم الى تلك البوابة الجديدة، و كانت لكثير أوضح و أسهل، و لذلك توالت المليونيات بعد هذا اليوم بأعداد أضخم بكثير، لأن فكرة اسقاط شخص واحد جالس على صندوق الكنوز زادتنا عزيمة و اصرارا. و قام الشعب فى الجمعة المباركة عليه ليخلع اللامبارك، وفعلها.

و انتظر بعدها تحقيق أحلامه و أماله بعد أن فعل كل ما طُلب منه بحذافيره. فأدخلنا المجلس المباركى في صراع الاستفتاء، فالتفتت النخبة الي الشعب ممتعضة تقول له في حزم، لا وقت لدينا لهذه المطالب الفئوية و الدنيوية، و لا صوت يعلو فوق صوت السياسيين !! ، و بدأ تسويق متطلبات الشعب من جديد وراء كلمة نعم أو كلمة لا. فربحت كلمة نعم ، و انتظر الشعب مجددا تحقق مطالبه، و لكن بلا جدوي !!!

توالت الأيام حتى كفر الشعب بكل متحدث بلفظ يدعى "الثورة"، لأنه فعل ما عليه و لم تخدمه تلك التى تدعى "ثورة" بأى شئ اللهم الا أنها أزادت على بلوانا بلوة الانفلات الأمنى. و يحدثنا هنا المحارب العبقرى "سون تزو" في كتابه "فن الحرب" قائلا: "اذا أردت أن تكسب جيشا كبيرا فعليك أن تجره الى المعارك الصغيرة التى تستطيع أن تربحها، لأن في ذلك تحفيزا لجنودك فترتفع عزيمتهم و اصرارهم، و انهاك لأعدائك فتحطم نفيستهم".

و هذا ما كان علينا فعله بالضبط؛ يجب أن نعيد حساباتنا، لقد أخرجنا الثورة من عقولنا الى الشوارع، علينا الآن أن ندخلها فى كل البيوت حتى ينزل من فيها اذا احتجنا اليهم، يجب أن يحصل هذا الشعب الآن على أى من مطالبه التى نزل من أجلها حتي يتذوق حلاوة ما صنع، يجب أن يرى كل مصري أن للثورة مغانم ليست فقط سياسية و لكن شخصية بحتة، لقد لعبنا علي مبدأ (الأنا) طوال ٤ سنوات يجب أن نبدأ في اشباع تلك (الأنا) الآن، و لو حتى بمطلب رفع القمامة من كل شبر على أرض مصر.

إن كلمة "النظام" معناها في المعجم اللغوي الشعبي مثلها مثل كلمة "الفنكوش"، و لسوء جهل النخبة السفسطائية السياسية، ظلوا يتعاركون أمام الكاميرات و يرددون، "نحن نريده فنكوشا اسلاميا" ، لا و كلا " الفنكوش سيكون قوميا عربيا"، "الفنكوش سيكون ليبراليا و نقسم على ذلك"،   "ألم يكفيكم فقر ٦٠ ٪ من الشعب؟؟!! اشتراكية الفنكوش واجبة و ثورتنا بنيت على ذلك". و الشعب ينظر لهم و يسأل، " هو الفنكوش ده لزمته ايه يا دكتور ؟؟، هو فيه فنكوش اسلامى يا شيخنا؟ ".

من وجهة نظرى البسيطة أن أمامنا الآن هدفان أساسيان:
١- أن نعمل جميعا على مطلب واحد يأخذه الشعب الآن من تلك المطالب التى ظللنا نرددها علي مسامعه، حتى نشعر جميعا بأن للثورة مغانم و مكتسبات فنظل جميعنا نحارب صفا واحدا و لا يحيد أحد عن الصف.
٢- يجب أن يُرسم هذا النظام الذى نود أن نعيش فيه من الألف الى الياء بكل تفصيلة فيه، و يتم شرحه و التسويق له سريعا حتى يترسخ فى أذهاننا جميعا، و يكون هذا هو طريقنا مهما تغيرت الحكومات و استولت علي المجالس الأحزاب، و يصبح الشعار الجديد (الشعب يريد هذا النظام)، فاذا وضح لنا الطريق فلن يَفرق زيد عن عبيد عن نطاط الحيط،  حينها سينزل المجلس صاغرا على رغبة الشعب، لأنه لن يستطيع أن يوقف جماح هذا الشعب و يعرقل طموحاته .

دعونا نجر الفنكوش القديم الي معارك صغيرة نربحها و نعيد شعبنا الينا و نعيد ثقتنا فى أنفسنا، فنحن مازلنا و سنظل بإذن الله قادرون على ذلك ......


لن يعيد لمصر شبابها الا شبابها

عبدالله شلبى
الجمعة ٢٣ سبتمبر ٢٠١١
٥:٥٨ مساءا

السبت، 10 سبتمبر 2011

٩/٩ بين النجاح و الاجتياح

٩ سبتمبر يوم جديد سيسجل فى تاريخ الثورة رغم أنف الحاقدين و المتآمرين ، يوم كلله الله بالنجاح و لكن به بعض الوعكات التى أراها من وجهة نظرى تعسير من الله حتى يفتح لنا بعدها يسرا و خيرا كثيرا، فهو الصادق حين قال "ان مع العسر يسرا..ان مع العسر يسرا" .

بدأ الحمدلله اليوم كما تم التنسيق له بالضبط، مسيرات تحشد الناس و توقظهم من سكونهم و لنوصل الثورة بهتافنا داخل بيوت الشعب بالغصب، و حتى لا نغلق كعادتنا على أنفسنا الميدان و نصبح كسرب من الغربان ينعق و لا نسمع الا أنفسنا. انطلقت المسيرات من كل حدب و صوب حاشدة للناس و مفعمة بالأمل، حتي شعرنا أن الأسفلت تحت أقدامنا يرقص فرحانا مستعيدا ذكريات أحداث يناير العظيمة، لقد عدنا للشوارع التى أوصلتنا للميدان و عادت الشوارع لنا.

بدى الميدان فى أول اليوم كخدعة لكل الناظرين اليه، لا يوجد فيه سوى العشرات، بينما الآلاف قادمون عليه يزأرون معلنون عودة الثورة فى شرايين الأحرار، ثم بدأت المسيرات تتوافد على الميدان فى منظر مهيب جعل الميكروفونات تصمت و الكاميرات تثبت ، حتى تخيل الناس أن أرض الميدان تخفى الثوار تحتها و هاهى تنشق عنهم ليظهروا للنور و يملأوا الدنيا بالأمل.

كان اليوم من أحشد الأيام التى شهدتها الثورة، بينما غاب عن اليوم التيار السياسى المتأسلم رافضا المشاركة.
كانت المطالب واضحة و هى :
- استقلال القضاء و الغاء وزارة العدل.
- وقف المحاكمات العسكرية للمدنيين فورا و اعادة النظر فى قضايا المحكوم عليهم عسكريا أمام قاضيهم الطبيعى.
- تطهير الداخلية من جميع قيادات وزيرها السابق حبيب العادلى.

توجهنا في تمام الساعة الخامسة، فى مسيرة ضخمة الى دار القضاء العالى لنهتف طالبين باستقلال القضاء، ثم توجهنا الى السفارة الاسرائيلية فى تمام الساعة السادسة و الربع بعد أن علمنا أن هناك مسيرة أخري توجهت الى هناك بالفعل و أطلقوا عليها "مسيرة الشواكيش".
عندما وصلنا وجدنا أن المسيرة الرمزية تحولت لفعل على أرض الواقع، و قرر الثوار هدم الجدار العازل الذي أقامه المجلس العسكري لتحتمى به سفارة الصهاينة. بدأ التهليل و التكبير بعد سماع أول طرقة للشواكيش علي الجدار ثم بدأت تتحول الأحلام الى حقيقة و النفوس تمتلئ بالعزيمة عند سقوط أول جدار، كنا غير آهبين أى شئ لا عساكر الأمن المركزى و لا مدرعات الجيش و لا حتى عصى الشرطة العسكرية الكهربائية.
بعد أن تساقط معظم الجدار، رأينا ٤ شباب يحاولون التسلق على جدار السفارة الاسرائيلية علي غرار" أحمد الشحات" لينزلوا العلم الاسرائيلى من عليها.. بدأت الأنفاس تُحبس شيئا فشيئا كلما أصبحت أجسادهم معلقة فى الهواء، أثبتوا أن فى مصر وحدها المعجزات تتكرر، و أن مصر ليس بها "رجل عنكبوت" واحد و لكن بها الكثيرون منه.
وصل أحدهم الى سرية العلم، و أنزله من عليها. و رفع علم مصر مكانه ليرفرف فى سماء القاهرة،


الى هنا و كان اليوم مقدوا له بأن يكون أسطوريا بجميع المقاييس، فالمسيرات أتت بثمارها و حشدت أعداد مهولة في تنظيم لم يحدث منذ الأيام الأولى للثورة، وصلت الرسالة عالية و محددة بأوامر الشعب الثائر، أسقطنا جدار الخزى و العار، و تم انزال العلم الصهيوني فى رسالة شديدة اللهجة أننا نرفض كليا و جذريا هذا الكيان السرطانى.

بعد هذا بحوالي ثلاث ساعات و بالتحديد على الساعة العاشرة بدأت تأتى أنباء بمحاولات لاقتحام السفارة الصهيونية، و أنباء عن مناوشات خفيفة أمام سفارة "السعودية" لأن بعض الثوار قد ذهبوا يهتفون أمامها منددين بما لقاه المصريون فى رحلة عمرة رمضان الآخيرة.
ثم جاءت الأخبار بالفعل تم اقتحام مبنى السفارة الصهيونية بل و القاء الأوراق من الشباك!!! توجهت الى هناك مسرعا، لأجد أن الساحة تحولت الي ساحة قتال بالفعل، عشرات المدرعات و ناقلات الجنود تصف فى الطريق، و آلاف العساكر منتشرة في تشكيلات في كل مكان، ثم نظرت الي السماء وجدتها محجوبة بألالف الأوراق التي تتطاير كالعصافير من شباك السفارة!!
بدأ الشك ينتابني بشدة، مَن هؤلاء؟؟؟ و كيف سمح لهم بهذه السذاجة و البساطة الوصول الى داخل السفارة؟ لمصلحة من يفسد هذا اليوم الجميل الأسطورى ؟!!!
أمام عمارة السفارة الصهيونية كوبري يحدها و بينهما ممر، هذا الممر في المعتاد كان به ناقلة جنود و مجنزرة و دوريات ثابتة لتأمين السفارة، فتوجهت الي هناك، فلم أجد منهم نفر !!!! بل وجدت آلاف المواطنون يقفون بدلا منهم فى الممر !!!

لقد وصلتنى الأنباء ليلة التاسع من سبتمبر أن بالفعل تم عقد اتفاق بين أفراد من الداخلية و الشرطة العسكرية و بعض رؤوس البلطجية، و لكن ما فهمته من الكلام أن هؤلاء البلطجية سيهاجموننا نحن، و لما مر أول اليوم بسلام حمدنا الله أن خيب ظنوننا و لم يتجرأ أحد علي المساس بنا.
و لكن بعد قليل بدأت عمليات التراشق بالحجارة بين مجموعة من الأشخاص و جنود الأمن المركزى، و هؤلاء الأشخاص لم يجدى معهم أى حديث أو رجاء، فبدأ بعدها الرد على الحجارة بقنابل الغاز المسيل للدموع، ثم وجدنا حريقا قد نشب فى حديقة الأورمان، اصطحبت صديقى "عمر نصرت" بعد أن وصف الوضع بنظرة ثاقبة قائلا "أهلا بكم فى مدينة البهائم" و انصرفنا لنعود من حيث أتينا.

في الطريق الي السيارة، وجدنا أنفسنا فى صفوف الأمن المركزي نقف بينهم و بجوارهم، فكانت تلك المرة الأولى أن تقف فى هذا الموضع نرى ما يحدث في الجبهة الأخرى، الجدير بالذكر أننا اكتشفنا أن الشرطة كلها لها نظام واحد فى اعطاء الأوامر و هو يمتاز بتتخين الصوت مع الشخط في آن واحد!!! نعم ، بدأت أعطى الأوامر للعساكر بعدم القاء الحجارة علي المتمردين حتى لا يعاودوا قذفهم بها و أن يحتموا وراء دروعهم فقط ، فوجدهم يلبون التعليمات دون أن يسألوا مَن أنا !!!! ثم وجدت ضابط برتبة نقيب يوجه القنابل المسيلة للدموع كقذيفة ليصيب بها أحدهم، و بنفس الأسلوب أعطته أمر بتوجيها لأعلى حتي لا يصيب أحد .. فوجدته أيضا ينفذ الأمر!!! أخذناها كلعبة لبضع الوقت نعطى الأوامر ، يتم تنفيذها بالحرف، نكب فى أنفسنا ضاحكين.

ثم وجدنا بجوارنا نقطة اطفاء الحريق، فتوجهنا لها مسرعين لنبلغهم عن حريق حديقة الأورمان، و لكنهم رفضوا الا فى وجود قوة تحميهم، بحثت بين صفوف أفراد الشرطة عن رتبة كبيرة فوجدت عميد، فقمت بإبلاغه فاستجاب لى و لكنه ذهب دون أن يتخذ أى فعل، لمحنا رقعة النار تزداد فى الحديقة، فلم أجد غير أسلوب المجنون طريق لانقاذ حديقة الخديوى اسماعيل، فصحت بأعلى صوتى أسب فى الشرطة و كل الواقفين بمن فيهم من لواءات و عمداء ثم توجهت للواء منهم و صحت فيه كالمجنون "سأحملك المسؤلية كامله ان لم تأمر حالا بإرسال عربة الاطفاء للحديقة"، وجدت بعض الضباط يلتفون حولي و يحاولون تهدأتى، و يقولون "كل اللى انت عايزه هيحصل بس بالهداوة" فأزيد من وتيرة الجنان حتى يسرعوا، و بالفعل تحركت سيارة الاطفاء و تحركت أنا و مجموعة من الشباب معها لنساعدهم و نؤمنهم اذا واجهوا أى مشاحنات من قبل المتمردون، كسرنا الجنزير الذى وصد به باب الحديقة و الحمدلله تم انقاذها .

أخيرا و ليس آخرا ما حدث ليل التاسع من سبتمبر هو ما تم تحذيرنا منه و هى مواجهة البلطجية، و لكن اليوم كانت مواجهة من نوع خاص بأن تراشقوا معنا فى الصفوف و بدأوا في استفزاز الشرطة، بالطوب و المولوتوف ، و تطور الأمر أن أطلق أحدهم - بينما أنا واقف فى جبهة الشرطة - علينا طلقة خرطوش فأصابتنى في خدى الأيسر و أصابت جندي بجوارى في كتفه.

هذه شهادتي علي هذا اليوم ، و أدعو الثوار الأحرار أن يكملوا مسيراتهم غدا و كل يوم فى أسبوع "سيادة الشعب" ، بنفس السلمية، مبتعدين عن الفخاخ التى تنصب لثورتنا كل يوم، للأسف من الأعداء و الأصدقاء، و نثبت على مطالبنا حتى نقتنصها.

عبدالله شلبى
١٠ سبتمبر ٢٠١١
٣:١٢ صباحا