من المؤكد أنه بدأ الحديث بالنواح و الأنين على أحوالنا التى تدهورت بشكل لا نحسد عليه ، و بدأ جيل أبى و ما يصغره فى عقد المقارنات العقيمة بين هذه الأيام و أيام السبعينيات و ما قبلها . تدخلت قاطعا للحوار - حتى لا يطيلوا السرد فيما لا ينفع و لا يصلح شيئا- متسائلا : هل تريدون حقا فعل شئ من أجل أن تصلحوا من أحوالكم أم ستكتفون بالعويل و الندب ؟
كان وقع السؤال فى نفوسهم غريب بعض الشئ ، منهم من لمعت عيناه منتظرا معجزة من السماء أو كلمة السر لبوابة على بابا ، و منهم من أغمض عينتاه متكبرا و كأنه حوى الدنيا بعلمها و خبراتها و ينتظر متربصا أن أحرك شفتاى ليقول و فمه شاغرا "مفيش فائدة" ، و منهم من لم يهتم أصلا بما سأقوله لأنه محترف عويل و لطيم و اعتقاده أن الأمل معدوم يسرى فى شراينه مسرى الدم .
بدأت فى الحديث عن بيان التغيير و أن عدد الموقعين عليه شارف على مليون شخص ، و أنها خطوة ممكن أن تفعل شيئا حقا اذا زاد العدد و أصبح حرفىّ كلمة "لا" أقوى من الهراوات و العصى و أقدر من النار على تسييح القيود.
أولا التمست بريق أمل فى السكوت الذى ساد المكان ، ثم بدأت رائحة الخوف و الكسل و الخنوع تفوح من كل فم يفتح ليرد على قولى ، هل الحكومة ستهتم أصلا بهذا حتى و لو أصبح العدد ثمانون مليونا ؟ ، لم يولد فى مصر الزعيم بعد الذى نلتف حوله و أفديه بروحى ، ما قيمة أن أوقع على ورقة لن يراها الا أنت ! ، البرادعى عندما أتى الى مصر بعث فىّ الأمل من جديد و لكنه كثير الترحال و لا يهتم بنا أصلا ، .....الخ
ظللت أستمع و أتابع بعينى ملامح العجز فى وجوه مازالت تحتفظ بشبابها ، و تذكرت قول الدكتور فاروق الباز عندما نعت هذا الجيل قائلا : "جيل الفشل" . ثم دار السجال بينهم أن لو حدث تغيير ديمقراطى شعبى بغير زعيم فى مصر ، ستبدأ المعارك بين الطوائف من الاخوان و السلفيون والأقباط والليبراليون و الفاسدون و المنتفعون و المستثمرون ، لذا لننتظر الزعيم.
انفصلت عن الجلسة و أنا فى مكانى و بدأت أحدث نفسى : مصريون ينتظرون الزعيم ، و مسلمون ينتظرون المهدى ، و مسيحيون ينتظرون المسيح . و رأيت أمام عيناى كتاب "سقوط الأندلس" ، تمر صفحاته الواحدة تلو الأخرى و تعجبت من وجه الشبه بين حال الأندلسيون فى زمانهم ، و حال المصريون الآن .
و فجأة رأيت طفل يجلس بجوارى ، و رأيت شعر يداى يعتليه الشيب بعض الشئ، ثم أمعنت النظر فى وجهه فكان يشبهنى كثيرا فى طفولتى ، و كان ممسكا فى يده بخريطة العالم ، فوضعها على رجلى و بدأت أشير له على البلدان و أقول له أسماؤها ، ثم و جدتنى أشير له على خريطة دولة و أقول له : كانت هنا دولة تسمى مصر ...
و انسدلت دمعة ساخنة على خدى ، فسمعته يهمس لى فى أذنى : أجل فلتبك كالنساء مُلكا ، لم تستطع أن تدافع عنه كالرجال.
القاهرة
٢٠١٠/١٠/٢٣
٠١:٤٢ مساءا