هذا الرجل الذى ينال و يستحق كل تبجيل و احترام ، هو "عاموس يادلين" الرئيس السابق للاستخبارات الحربية الإسرائيلية «أمان»، الذى أدلى تصريحه بكل عزة و شموخ و فخر فى احتفالية نهاية خدمته ، و كانت من بينها تلك الكلمات المدوية «لقد أحدثنا الاختراقات السياسية والأمنية والاقتصادية والعسكرية فى أكثر من موقع، ونجحنا فى تصعيد التوتر والاحتقان الطائفى والاجتماعى، لتوليد بيئة متصارعة متوترة دائماً، ومنقسمة إلى أكثر من شطر في سبيل تعميق حالة الاهتراء داخل البنية والمجتمع والدولة المصرية، لكى يعجز أى نظام يأتى بعد حسنى مبارك في معالجة الانقسام والتخلف والوهن المتفشى في مصر».
و أظن - و كثير من الظن لا يخطئ - أن ما حدث للمصريين فى كنيسة القديسيين ليلة رأس السنة ، كان بمثابة تطبيق عملى لكلماته ، و تأكيدا لمن خلفه على قوة امكانياته و مهارته .
و بعد ما جاء رد فعل الشارع المصرع سريعا و قويا ، ملتحما مرتبا لصفه رافعا لشعار الوحدة الوطنية ، باعثا برسالة "ليادلين" أنك لم تكلل مجهودك بالنجاح بعد ، كان لذلك موقف أثر خاص فى نفوس جميع المصريين ، و كانت محاولة للم الشمل و جمع العائلة من جديد.
و بعد كل ما كتب عن المشاعر النبيلة فى المقالات و التدوينات ، اكتشفت أننا نسير على الخط الذى وُضِع لنا حتى كدنا نصل الى الوقوع فى حفرة الفتنة الطائفية عاجلا و ليس آجلا .
لقد علمنى الطب أن الجروح التى تُهمل - مهما صغر حجمها - و يُربط عليها لإخفائها ، عاجلا ما تلتهب ثم تتقيح ثم تموت الأنسجة و تحدث الغرغرينة فيموت الطرف بأكمله ويتم بتره.
و ها نحن الآن نقوم بتضميد الجرح الملتهب أصلا !! ، و نعطى الجسد (الوطن) بعض من المسكنات سريعة و قوية المفعول ، و كعادتنا لن يمض سوى بضع أيام حتى يسكن الجسد و يتوقف عن الأنين ، و سرعان ما سننسى - أو سنتناسى - فعلتنا الحمقاء فى تغطية الجرح دون علاج ، و تحدث المصيبة و نقول - لو بس كنا !! - أو نعلق المشكلة على أى أحد ، بما أننا جبناء كفاية ما لا يدع لنا طاقة لتحمل المسؤولية و مواجهة ما صنعناه بأيدينا.
إن هناك أربع أطراف هم المسؤلون عن ما حدث :
الرئيس و نظامه ، البابا شنودة و قساوسته ، شيخ الأزهر و مشايخ الأوقاف ، الشعب المصرى .
البابا شنودة و قساوسته:
منذ تولى البابا شنودة كرسي البابوية في الكاتدرائية المرقسية الكبرى بالقاهرة في ١٤ نوفمبر ١٩٧١ ، و معلوم عنه ولعه بالسياسة و الزعامة . حتى استطاع فى غضون سبع سنوات أن يرسخ فى فكر القساوسة و الكهنة فكرة إنشاء الدولة المصرية المسيحية من داخل الدولة الأم . و عمل بالفعل على مخططه ، حتى حدثت القطيعة بينه و بين الرئيس الراحل السادات ثم أحداث الزاوية . ثم جاء حكم مبارك ليترك له الحبل على الغارب ، فأصبح البابا شنودة رئيسا للشعب المسيحى المصرى ، فإذا ظل ولاء البابا للحزب الحاكم ظل ولاء شعب البابا للحزب الحاكم - بالأمر و الكهنوت - و العكس صحيح .
شيخ الأزهر و مشايخ الأوقاف :
حفنة من نموذج المصرى الأسوأ تاريخيا ، ارتضوا مع علمهم الغزير أن يكونوا بعض من الموظفين الحكومين الذين لا يفعلوا شيئا الا إذا أملى عليهم ، و لا يتفوهوا بقول إلا إذا طلب منهم ، فأصبحوا بلا قيمة ولا أهمية و لا مصداقية و لا تأثير ، اللهم الا على بعض الغلابة من الأميين .
الرئيس و نظامه :
دأب الرئيس على تطبيق المقولة الخالدة " إذا أردت أن تظل الفرد الأوحد فيجب أن يظل الناس أفرادا " ، فاستجاب لرغبة البابا فى الزعامة ما دام سيظل تحت جناحه هو و شعبه ، و جعل المؤسسة الدينية الإسلامية التى ظل فضلها على العالم قرون ، مؤسسة حكومية تأكل البيروقراطية جوانباها يوما بعد يوم . كما عمل على تجنيب فكرة الدولة المدنية ، حتى يظل الاحتقان الطائفى هو الشبح المرعب و يظل الشعب ممسكا فى أيدى النظام خشية ظهور العفريت و احتراق الوطن بأكمله .
الشعب المصرى :
هؤلاء الناس الذى نسوا و تناسوا و أنسوا أنفسهم ، طريق الوصول و النجاة ، و أثبتوا لموسى ديان مقولته " العرب لا يقرأون ، و إذا قرأوا لا يفهمون ، و إذا فهموا لا يطبقون " ، و اعتمدوا على أذانهم فى تلقى المعلومات و المفاهيم دون مراجعة و بحث و تنقيب ، و كأن زمن الأنبياء و الرسل لم ينته بعد ، فظهر لنا ( هولى أكتورز) - الممثلون المقدسون - بدلا من (هولى وود) ، و عكفنا على مشاهدتهم و ابتلاع سمومهم ليل نهار .
إذا أردتم - و الكلام للشعب فهو المخطئ و هو الحل - أن تنظفوا الجروح و تنقذوا أنفسكم ، مما نحن قادمون عليه لا محالة عاجلا و ليس آجلا ، أناشدكم بالله و أناشدكم بكل عزيز عليكم ، أن تضعوا أصابعكم فى أذانكم و توصدوا عليكم الأبواب و تعودوا لمصاحفكم و أناجيلكم ، و أن تقرأوها بتدبر و حكمة ، و بعدما تتحصنوا جيدا ، ستكونون حينها جماعات و ليس أفرادا و لا يستطيع أن يحكم الجماعات الا مؤسسات .
الا تفعلوه ، فانتظروا الفتنة التى تأكل الأخضر و اليابس إنى معكم من المنتظرين
عبدالله شلبى
٦ /١ / ٢٠١١
٤:٠٠ صباحا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق