قررت اليوم أن أترك سيارتى و أستقل أى وسيلة مواصلات، بعدما عانيت أمس من القيادة فى شوارع العاصمة و ظللت أقاتل أربع ساعات و ربع الساعة متوصلة لأصل الى وسط البلد و كان مكان اقلاعي السادس من أكتوبر.
كانت هذه المرة الأولي منذ شهور أن أستقل أي وسيلة مواصلات عامة، فغالبا حين أترك سيارتي أعتمد على قدماى كنوع من الرياضة و من السرعة أيضا.
بدأت رحلتي مقررا أن أستقل وسائل نقل جماعية، و يبدو أنني كنت مفتقد لهذا الشعب فعلا، فالشعب المصرى فى وسائل المواصلات من أكثر الشعوب اجتماعيا علي وجه الأرض، فلك أن تفتتح مع أى أحد حديث لا ينتهي الا بنزول أحد أطرافه.
صعدت الي أحد الأوتوبيسات العامة و لكن كان من نوع "المينى باص". كنت واضعا سماعات (الآى بود) فى أذناى و اكتفيت فقط بتفقد ملامح مَن حولى فى محاولة لقراءة وجوههم. كنت متأخرا جدا عن موعدى و كان الطريق لا يتحرك أصلا، فنزلت و استقللت قدماى من جديد حتى وصلت لمحطة المترو و لحقت بموعدى.
فى طريق العودة عاتبت نفسى قليلا كيف لم أستغل فرصة الزحام فى فتح حوارات و أحاديث و معرفة الى أين وصل التفكير فى الشارع المصرى، بدأت أعد نفسى لحوار مطول سأفتحه مع أول واحد سأقابله فى الأوتوبيس.
بالفعل صعدت لأول أوتوبيس قرأت عليه منطقتى و كان موديله جديد يحما رقم خط ٩٧٧، ثم ابتسمت لكل الركاب، فبدأت نظرات الاستغراب و الاستهجان تعلو وجوههم بعض الشئ، فما الذي يدعوك للابتسام ؟! طرق مقتظة ، جو ملئ بالعوادم، أوتوبيس مزدحم !!!
تمركزت فى منتصف الأوتوبيس بالضبط، ممسكا بالعمود، ثم قلت فى ثقة و صوت عالى بعض الشئ: "هانت هانت ، بكرة توحشنا الزحمة دى و تبقى ذكريات"، فوجدت حالة غريبة من الانتباه نحوى، و علامات الاستغراب و الاستهجان أضيف لهما ملامح أمل و تمنى؛ فأتبعتها بجملة أكثر وضوحا فى الصوت ناظرا فى أعين معظم من انتبهوا الىّ: "الصعب خلاص و شيلناه، و احنا حالفين لنخلى العالم كله يتمنى هو اللى يجى مصر و يتفرج على جمالها، مش احنا اللى يكون كل حلمنا نهاجرلهم". فأتى صوت من آخر الأوتوبيس يقول: "مالك واثق أوى كده من اللى بتقوله، قلتولنا اعملوا ثورة و عملنا و مفيش حاجة اتغيرت، ما ترحمونا بقى!!". عادت عيون تنظر نحوى منتظرة الرد و أخرى يئست فانطلقت تتفرج من الشبابيك. فقلت بصوت أعلى: "اللى مخليني واثق أوى كده اني واثق فيكم انتم، قلنالكم اعملوا ثورة و شيلوا الديكتاتور، عملتوها و قدرتوا مع ان زمان كان ده من رابع المستحيلات، و لما هنيجي نقولكم يلا نبنيها برضه هتبنوها مع انكم فاكرين انه من رابع المستحيلات ان احنا نقدر" .
رأيت الابتسامات تعلو بعض الوجوه، و أخرى لمحت الأعين تلمع، فضمنت أنني أسير على الدرب الصحيح، ثم أتت سيدة فى العقد الرابع من عمرها، تزاحم الوقوف حتى وصلت الى، و قالت "حلو، ما عشان نبنيها، الشباب بقى لازم تهدى عشان البلد تستقر" فنظرت لها مبتسما و قلت" لو البلد استقرت يبقى مفيش بناء خلاص عشان احنا يدوب هدمناها، فهنستقر فى مرحلة الهدم" فسألنى شيخ بجوارى "و انت فاكر المجلس هيسيبك تبنيها على كيفك" فجاوبته "طبعا لأ، عشان دى بلدنا كلنا مش بلدى أنا لوحدى، لكن المجلس ميقدرش يمنعنا ان احنا نبنيها على مزاجنا كلنا". فقام شاب و قال "مجلس ايه يا اخواننا اللي بتتكلموا عنه، هو مبارك كان هيسلمه السلطة، غير لو عارف انه هيمسك البلد زي ما هو كان عايز بالظبط، و بعدين طنطاوى ده مش صاحبه من أربعين سنة، يعني كربونة منه فى كل حاجة".
قال موظف التذاكر: "بص يا دكتور - لا تسألني من أين يعلمون مهنتي!!! - أنا مش هخبى عليك أنا أول ما قالوا فيه ثورة يوم ٢٥ قلت الشباب اتهبل، و لما سمعت عن يوم ٢٨ قلت لأ ده وباء هبل و ماشى فى الشعب، لكن لما لقيت الموضوع قالب بجد و ان الناس حالفة تاخد حقها اتشجعت و نزلت. فقاطعته "و ايه اللى نزلك" فقال " لما يبقى مرتبى ٦٨٦ جنيه و مرتب مراتي ٦٠٠ جنيه و عندى عيلين، و مضطر أخش جمعيات بتلت المرتب عشان أكمل الشهر و منشحتش، و عايشين يدوب على قد الحال جدا و أسمع ان فلوسنا العصابة نهباها كلها، يبقي لازم أنزل عشان رزق ولادى، يا دكتور لو احنا دلوقتي عايشين، عيالنا مش هيلاقوا اللي يعيشوا بيه أصلا. سَكتُ قليلا أتأمل وجوه الركاب، فوجدتها سابحة سارحة في كلام الرجل. ثم قام رجل عجوز من مقعده، و جذبني فى آخر الأوتوبيس و حاول تنظيم الناس ليقفوا جميعا فى مواجهتي.
لم أكن أفهم ماذا يريد أو ما الذى يقدم عليه بالضبط، و لكن وجدت نفسى في موقف لا أحسد عليه، عيون الركاب جميعا مصوبة نحوى حتي السائق ينظر الىّ فى المرآة، و كلهم ينتظرون أن أفتح فمي بالكلام. مررت على وجوههم لأتفحصهم سريعا من جديد، ثم انطلقت صارخا فيهم فجأة: "انتوا واثقين ان احنا نقدر نكون أحسن دولة ولا لأ ؟؟ " فوجدت الصمت يخيم عليهم و تخشبوا كأن على رؤوسهم الطير. فزعقت مرة أخرى "عايز اجابة واثقين ولا أنزل ؟!" فبدأت أسمع تمتمات "ان شاء الله ، أملنا فى ربنا كبير، آه واثقين ، يا معين .... الخ" ثم صاح واحد من أول الأوتوبيس "يا باشا قولنا نعمل ايه، احنا عاوزين حلول احنا شبعنا كلام" فقلت له في حزم "أنتم الحلول، لو فضلنا مستنين زعيم أو نبى أو واحد يأخد بايدينا هنفضل طول عمرنا زى ما احنا، ايه المشكلة ان احنا اللى نحل كل مشاكلنا و هنروح بعيد ليه احنا بقالنا تلت ساعة واقفين مكاننا متحركناش، مين فينا منفسوش تتحل أزمة المرور اللى مطلعة عينينا كل يوم، قولولى نحلها ازاى؟"
وجدت حالة غريبة و هالة أغرب على وجوههم الكل كان ينظر لبعضه البعض و يفكر في استغراب ثم نطقت بنت قائلة "أنا ممكن أخد من بيتنا لغاية الجامعة مشي و معظم مشاويري ممكن أروحها مشى، بس مفيش رصيف أمشي عليه"
و قال شاب آخر "أنا كان طول عمرى نفسى ألف شوارع مصر بالعجلة و لكن زى ما انتوا شايفين مفيش مكان أصلا أعرف أمشى فيه بيها". قالت سيدة "يعني ايه عربية الاسعاف اللي ورانا دي كل ده بتحاول توصل للعيان ده زمانه شبع موت". و قال رجل عجوز "ولاد ال *** بتوع الميكروباص لو يأخدولهم بس جنب و هم بيركّبوا أو بينزّلوا حد مكناش وقفنا لكن دول ماشيين كأنه شارع أبوهم". قال موظف التذاكر "دلوقتي حضرتك مبسوط عشان الأوتوبيس لسه جديد بس و الكراسى نضيفة، لكن تعالي شوف كمان شهرين تلاتة لما يُستخدم شوية الجلد بيتقطع من كتر الاستخدام، ليه متبقاش الكراسى كلها بلاستيك متين و خلاص ؟!" . قالت سيدة أخرى "أنا و جوزى عشنا فى السعودية فترة، الجو هناك قريب من هنا لكن كل الأوتوبيسات مكيفة، هنا الأوتوبيس بنركبه بالعافية و بيكون زحمة و حر، عذاب كل يوم لازم ندوقه، يرضي مين بس ده". تدخلت فى الحديث قائل "أنا كنت فى تركيا من شهرين، و علي فكرة هى مش فارقة كتير عن القاهرة نفس الشوارع الضيقة و العدد الكبير، لكن هناك فى ترماي واصل فى كل حتة ، و المواصلات هناك غالية شوية بس نضيفة جدا فمعظم الناس بتستغنى عن عربياتها و تركب المواصلات ، و كمان المترو و الترماى مفيش زحمة قدامهم فالوصول سريع".
اقترب مكان نزولى ، فقلت "شفتوا بقى احنا بنطلع كام حل واحنا مع بعض". فصاح أحدهم "لكن مين بيسمعنا من البهوات اللى فوق" فقلت له "معادش فيه بهوات فوق، و أى واحد فيهم مش عارف يحل مشاكلنا لازم نمشيه، احنا اللي فوق، دول مكانوش هيبقوا فوق لولانا، زى ما طلعناهم زى ما نقدر نشيلهم، دول بيشتغلوا عندنا و احنا اللي دافعين مرتباتهم من جيوبنا" فقال شاب "و الله احنا نقدر نكمل طول ما احنا بنشغل دماغنا كده، مجلس مين اللي يقدر علينا ده احنا نشيله لآخر لواء مش كفاية اللي عملينه فى جيشنا و ساكتينلهم ، فابتسمت و سألته " وانت عرفت منين" فضحك ساخرا و قال " أنا أخويا ضابط فى الجيش !!" . قام الرجل العجوز من مكانه ثانية و قال "يا ابني احنا بس محتاجين حد يعرفنا راسنا من رجلينا، حد يحسسنا ان دم الشباب دول مبيروحش هدر، فللأسف دمعت عيني و قلت له "أقسملك دمهم فى رقبتي" فزعقت السيدة بجوارى "لأ رقبتنا كلنا".
و نزلت بعدها في محطتى، بعد أن تعلمت أن أمتع شئ في الدنيا هو الالتحام مع الشعب، و أن هذا الشعب من المستحيل ان شاء الله أن تضييع ثورته.
عبدالله شلبى
الأربعاء ٥ أكتوبر ٢٠١١
٩:٣٠ مساءا
كانت هذه المرة الأولي منذ شهور أن أستقل أي وسيلة مواصلات عامة، فغالبا حين أترك سيارتي أعتمد على قدماى كنوع من الرياضة و من السرعة أيضا.
بدأت رحلتي مقررا أن أستقل وسائل نقل جماعية، و يبدو أنني كنت مفتقد لهذا الشعب فعلا، فالشعب المصرى فى وسائل المواصلات من أكثر الشعوب اجتماعيا علي وجه الأرض، فلك أن تفتتح مع أى أحد حديث لا ينتهي الا بنزول أحد أطرافه.
صعدت الي أحد الأوتوبيسات العامة و لكن كان من نوع "المينى باص". كنت واضعا سماعات (الآى بود) فى أذناى و اكتفيت فقط بتفقد ملامح مَن حولى فى محاولة لقراءة وجوههم. كنت متأخرا جدا عن موعدى و كان الطريق لا يتحرك أصلا، فنزلت و استقللت قدماى من جديد حتى وصلت لمحطة المترو و لحقت بموعدى.
فى طريق العودة عاتبت نفسى قليلا كيف لم أستغل فرصة الزحام فى فتح حوارات و أحاديث و معرفة الى أين وصل التفكير فى الشارع المصرى، بدأت أعد نفسى لحوار مطول سأفتحه مع أول واحد سأقابله فى الأوتوبيس.
بالفعل صعدت لأول أوتوبيس قرأت عليه منطقتى و كان موديله جديد يحما رقم خط ٩٧٧، ثم ابتسمت لكل الركاب، فبدأت نظرات الاستغراب و الاستهجان تعلو وجوههم بعض الشئ، فما الذي يدعوك للابتسام ؟! طرق مقتظة ، جو ملئ بالعوادم، أوتوبيس مزدحم !!!
تمركزت فى منتصف الأوتوبيس بالضبط، ممسكا بالعمود، ثم قلت فى ثقة و صوت عالى بعض الشئ: "هانت هانت ، بكرة توحشنا الزحمة دى و تبقى ذكريات"، فوجدت حالة غريبة من الانتباه نحوى، و علامات الاستغراب و الاستهجان أضيف لهما ملامح أمل و تمنى؛ فأتبعتها بجملة أكثر وضوحا فى الصوت ناظرا فى أعين معظم من انتبهوا الىّ: "الصعب خلاص و شيلناه، و احنا حالفين لنخلى العالم كله يتمنى هو اللى يجى مصر و يتفرج على جمالها، مش احنا اللى يكون كل حلمنا نهاجرلهم". فأتى صوت من آخر الأوتوبيس يقول: "مالك واثق أوى كده من اللى بتقوله، قلتولنا اعملوا ثورة و عملنا و مفيش حاجة اتغيرت، ما ترحمونا بقى!!". عادت عيون تنظر نحوى منتظرة الرد و أخرى يئست فانطلقت تتفرج من الشبابيك. فقلت بصوت أعلى: "اللى مخليني واثق أوى كده اني واثق فيكم انتم، قلنالكم اعملوا ثورة و شيلوا الديكتاتور، عملتوها و قدرتوا مع ان زمان كان ده من رابع المستحيلات، و لما هنيجي نقولكم يلا نبنيها برضه هتبنوها مع انكم فاكرين انه من رابع المستحيلات ان احنا نقدر" .
رأيت الابتسامات تعلو بعض الوجوه، و أخرى لمحت الأعين تلمع، فضمنت أنني أسير على الدرب الصحيح، ثم أتت سيدة فى العقد الرابع من عمرها، تزاحم الوقوف حتى وصلت الى، و قالت "حلو، ما عشان نبنيها، الشباب بقى لازم تهدى عشان البلد تستقر" فنظرت لها مبتسما و قلت" لو البلد استقرت يبقى مفيش بناء خلاص عشان احنا يدوب هدمناها، فهنستقر فى مرحلة الهدم" فسألنى شيخ بجوارى "و انت فاكر المجلس هيسيبك تبنيها على كيفك" فجاوبته "طبعا لأ، عشان دى بلدنا كلنا مش بلدى أنا لوحدى، لكن المجلس ميقدرش يمنعنا ان احنا نبنيها على مزاجنا كلنا". فقام شاب و قال "مجلس ايه يا اخواننا اللي بتتكلموا عنه، هو مبارك كان هيسلمه السلطة، غير لو عارف انه هيمسك البلد زي ما هو كان عايز بالظبط، و بعدين طنطاوى ده مش صاحبه من أربعين سنة، يعني كربونة منه فى كل حاجة".
قال موظف التذاكر: "بص يا دكتور - لا تسألني من أين يعلمون مهنتي!!! - أنا مش هخبى عليك أنا أول ما قالوا فيه ثورة يوم ٢٥ قلت الشباب اتهبل، و لما سمعت عن يوم ٢٨ قلت لأ ده وباء هبل و ماشى فى الشعب، لكن لما لقيت الموضوع قالب بجد و ان الناس حالفة تاخد حقها اتشجعت و نزلت. فقاطعته "و ايه اللى نزلك" فقال " لما يبقى مرتبى ٦٨٦ جنيه و مرتب مراتي ٦٠٠ جنيه و عندى عيلين، و مضطر أخش جمعيات بتلت المرتب عشان أكمل الشهر و منشحتش، و عايشين يدوب على قد الحال جدا و أسمع ان فلوسنا العصابة نهباها كلها، يبقي لازم أنزل عشان رزق ولادى، يا دكتور لو احنا دلوقتي عايشين، عيالنا مش هيلاقوا اللي يعيشوا بيه أصلا. سَكتُ قليلا أتأمل وجوه الركاب، فوجدتها سابحة سارحة في كلام الرجل. ثم قام رجل عجوز من مقعده، و جذبني فى آخر الأوتوبيس و حاول تنظيم الناس ليقفوا جميعا فى مواجهتي.
لم أكن أفهم ماذا يريد أو ما الذى يقدم عليه بالضبط، و لكن وجدت نفسى في موقف لا أحسد عليه، عيون الركاب جميعا مصوبة نحوى حتي السائق ينظر الىّ فى المرآة، و كلهم ينتظرون أن أفتح فمي بالكلام. مررت على وجوههم لأتفحصهم سريعا من جديد، ثم انطلقت صارخا فيهم فجأة: "انتوا واثقين ان احنا نقدر نكون أحسن دولة ولا لأ ؟؟ " فوجدت الصمت يخيم عليهم و تخشبوا كأن على رؤوسهم الطير. فزعقت مرة أخرى "عايز اجابة واثقين ولا أنزل ؟!" فبدأت أسمع تمتمات "ان شاء الله ، أملنا فى ربنا كبير، آه واثقين ، يا معين .... الخ" ثم صاح واحد من أول الأوتوبيس "يا باشا قولنا نعمل ايه، احنا عاوزين حلول احنا شبعنا كلام" فقلت له في حزم "أنتم الحلول، لو فضلنا مستنين زعيم أو نبى أو واحد يأخد بايدينا هنفضل طول عمرنا زى ما احنا، ايه المشكلة ان احنا اللى نحل كل مشاكلنا و هنروح بعيد ليه احنا بقالنا تلت ساعة واقفين مكاننا متحركناش، مين فينا منفسوش تتحل أزمة المرور اللى مطلعة عينينا كل يوم، قولولى نحلها ازاى؟"
وجدت حالة غريبة و هالة أغرب على وجوههم الكل كان ينظر لبعضه البعض و يفكر في استغراب ثم نطقت بنت قائلة "أنا ممكن أخد من بيتنا لغاية الجامعة مشي و معظم مشاويري ممكن أروحها مشى، بس مفيش رصيف أمشي عليه"
و قال شاب آخر "أنا كان طول عمرى نفسى ألف شوارع مصر بالعجلة و لكن زى ما انتوا شايفين مفيش مكان أصلا أعرف أمشى فيه بيها". قالت سيدة "يعني ايه عربية الاسعاف اللي ورانا دي كل ده بتحاول توصل للعيان ده زمانه شبع موت". و قال رجل عجوز "ولاد ال *** بتوع الميكروباص لو يأخدولهم بس جنب و هم بيركّبوا أو بينزّلوا حد مكناش وقفنا لكن دول ماشيين كأنه شارع أبوهم". قال موظف التذاكر "دلوقتي حضرتك مبسوط عشان الأوتوبيس لسه جديد بس و الكراسى نضيفة، لكن تعالي شوف كمان شهرين تلاتة لما يُستخدم شوية الجلد بيتقطع من كتر الاستخدام، ليه متبقاش الكراسى كلها بلاستيك متين و خلاص ؟!" . قالت سيدة أخرى "أنا و جوزى عشنا فى السعودية فترة، الجو هناك قريب من هنا لكن كل الأوتوبيسات مكيفة، هنا الأوتوبيس بنركبه بالعافية و بيكون زحمة و حر، عذاب كل يوم لازم ندوقه، يرضي مين بس ده". تدخلت فى الحديث قائل "أنا كنت فى تركيا من شهرين، و علي فكرة هى مش فارقة كتير عن القاهرة نفس الشوارع الضيقة و العدد الكبير، لكن هناك فى ترماي واصل فى كل حتة ، و المواصلات هناك غالية شوية بس نضيفة جدا فمعظم الناس بتستغنى عن عربياتها و تركب المواصلات ، و كمان المترو و الترماى مفيش زحمة قدامهم فالوصول سريع".
اقترب مكان نزولى ، فقلت "شفتوا بقى احنا بنطلع كام حل واحنا مع بعض". فصاح أحدهم "لكن مين بيسمعنا من البهوات اللى فوق" فقلت له "معادش فيه بهوات فوق، و أى واحد فيهم مش عارف يحل مشاكلنا لازم نمشيه، احنا اللي فوق، دول مكانوش هيبقوا فوق لولانا، زى ما طلعناهم زى ما نقدر نشيلهم، دول بيشتغلوا عندنا و احنا اللي دافعين مرتباتهم من جيوبنا" فقال شاب "و الله احنا نقدر نكمل طول ما احنا بنشغل دماغنا كده، مجلس مين اللي يقدر علينا ده احنا نشيله لآخر لواء مش كفاية اللي عملينه فى جيشنا و ساكتينلهم ، فابتسمت و سألته " وانت عرفت منين" فضحك ساخرا و قال " أنا أخويا ضابط فى الجيش !!" . قام الرجل العجوز من مكانه ثانية و قال "يا ابني احنا بس محتاجين حد يعرفنا راسنا من رجلينا، حد يحسسنا ان دم الشباب دول مبيروحش هدر، فللأسف دمعت عيني و قلت له "أقسملك دمهم فى رقبتي" فزعقت السيدة بجوارى "لأ رقبتنا كلنا".
و نزلت بعدها في محطتى، بعد أن تعلمت أن أمتع شئ في الدنيا هو الالتحام مع الشعب، و أن هذا الشعب من المستحيل ان شاء الله أن تضييع ثورته.
عبدالله شلبى
الأربعاء ٥ أكتوبر ٢٠١١
٩:٣٠ مساءا