الأحد، 20 مارس 2011

أشم رائحة التاريخ !!!

خرجت علينا نتيجة الاستفتاء مفرحة لأكثرنا مؤلمة لبعضنا، و لكن غير مفاجئة لمعظمنا. ثلاثون عام من عمليات التجهيل المتواصلة و التغييب المنظمة لم تكن لتذهب هباءا الا بمعجزة من الخالق الواحد القهار.

و لكن ما خرجنا به من هذه العملية ، كان أفيد لنا من نتيجة الاستفتاء نفسها ، فلقد ظهر للقوى السياسية أعضاء جدد باتوا طوال حياتهم في عزوف عن الحياة السياسية، مكتفين بالحياة الدينية و المساحات المحدودة التى سمح لهم النظام السابق بالتحرك فيها. و ظهرت لنا أيضا الشخصية المصرية الأصيلة التى ظلت على مر العصور و الأزمان تتمتع بالايمان و التشبث بالدين و البحث عن الوحدانية، حتى تبين أن صفاء تلك الشخصية مع جهلها هو سلاح دمار شامل فى وجه التقدم ، الذى لطالما حلم به المثقفون و عملوا عليه و له مع المتعلمين و الشباب الواعدين.

بات الآن شيخ الجامع و قسيس الكنيسة أخطر من ألف نظام لمبارك و أعوانه، لأن هذان الاثنان يستطيعان بخطبتين أو ثلاثة على الأكثر، أن يحركوا أكثر من نصف الشعب نحو الأهداف التى يريدونها، فقط اذا احتوى توجيههم علي كلمات تفيد أن رضاء الله سيتحقق من وراء هذا الأمر و جنانه ذخرا وفرطا للمؤمنين المطيعين الذين لا يعصون الله و أوامر شيخهم الجليل أو قسيسهم اللبيب شيئا.

و تلك الأحداث تذكرنى بكلمات السيد اللواء "عمر سليمان" حينما قال فى تصريح له : أن الشعب المصرى غير جاهز للديموقراطية. و اذا كان يقصد فى كلماته تلك الديموقراطية التى تعتمد على الشعب و وعيه فى اتخاذ قراراته ، فقد أصاب. و أما اذا كان يقصد الديموقراطية التى يختار الناس بحرية و نزاهة طريقهم و يتقبلون النتيجة أيا كانت، فقد أخطأ لأن الشعب المصرى أثبت للعالم مدى تحضره و قبوله المبدأى بالنتيجة؛ رغم وسائل الترغيب و الترهيب التى اتبعها بعض المحسوبين على التيارات الدينية، و التى أوصلت عملية الاستفتاء الى صراع لنصرة الدين و ليس صراع لنصرة الأيدولوجيات .

ثم سآتى الى الجيش المصرى ، و أخص بالذكر المجلس العسكرى، و اسمحوا لي أن أسبق الأحداث و أبوح بما يجوب في ذهنى و أشم فيه رائحة التاريخ الذى يحاول الآن - من وجهة نظرى - أن يعيد نفسه مكررا المشهد ذاته.

١- اللجنة المخول لها تعديل الدستور - الفاقد شرعيته بالفعل و الساقط بسقوط النظام - تضم كرئيسا لها طارق البشرى و عضو فيها المستشار صبحى صالح ـ غير مشككين فى نزاهتهم أو وطنيتهم - و لكنهما محسوبان على جماعة الاخوان .
٢- خروج عبود الزمر في هذه الأوقات ، و معاملته كمانديلا التيار الاسلامي - وليس كقاتل لرئيس مصرى من أبطال حرب أكتوبر و من حائزى جائزة نوبل للسلام !! - باستضافته فى معظم البرامج الحوارية، بل و قبول المجلس العسكرى لمقابلته كرجل تنظير سياسى ؟!!؛ بل و يعلن أنه من الممكن أن يترشح لرئاسة الجمهورية.
٣- السماح و الطرمخة - ما بين الحرية و الطرمخة خيط رفيع - على أفعال التيارات الدينية باستغلال جهل الناس و استخدام المساجد و الكنائس لدعوة الشعب للتصويت بما يروق لكل تيار.
٤- احتوت ورقة الاستفتاء على اللون الأخضر (الذى يرمز للخير و النماء) للاجابة بنعم ، و اللون الأسود (شوف انت بقى يرمز لإيه؟ بس متقولش الحشمة) للاجابة بلا ، غير عابئين أو متنبهين للأغلبية الساحقة الأمية و الجاهلة التى لها حق فى التصويت؛ معلنين عدم ولادة (الست) نزيهة فى مصر أصلا و رفضها دعوة زيارتنا الى الآن !!

أخشى الآن من انقياضنا نحو الخوف من سيطرة التيار الاسلامى على المشهد السياسى، و أن يحاول (فقط محاولة) بعض الفصائل فى هذا التيار أن ينفذ ما ورد فى أحد منشوراته، برجوع عصر الخلافة و ما هو على شاكلة ذلك. فيفعل الناس كما فعلوا عام ١٩٥٤ بأن يرتموا فى أحضان المجلس العسكرى، راجيينه أن يوصلهم الى بر الآمان و أن يحميهم من أولئك المتشددون، فنكون قد أرجعنا العسكر بأيدينا الى سدانة الحكم و نحن مصفقين و مهللين شاعرين أننا المنتصرون .

فالحل الآن - من وجهة نظرى - هو توحيد الصف و أن تتراشق كل القوى الوطنية و تنخرط مع ذلك التيار الاسلامى لتكمله و تجمله، لعل بذلك يلين منطقه و يغير أسلوبه فى استثمار الدين فى صالح الغنائم، و نستطيع أن نوعى الناس و نُطمئنهم أن هذا التيار لن يحكم أو يتحكم وحده و أننا معا نتفق و لا نختلف، نسدد بالعقل، و نفكر بحكمة، و ننفذ باتقان . حتى نفوت على أى متآمر فرصته للوقيعة بيننا و أخذ ما بذلنا فيه الروح و الدم على طبق من فضة .

و الله الموفق و المستعان

عبدالله شلبى
٢٠١١/٣/٢١
١:١٠ ص

السبت، 12 مارس 2011

حتى نخرج من "العناية المركزة"

استطاع الشعب المصرى بمهارة و حنكة ، أن يجرى لمصر جراحة كانت الأدق و الأخطر فى تاريخها ، و بعد أن استئصل بمشرته الدقيق رأس النظام ، استطاع أن يضغط على نفسه و يكمل رغم تعبه باقى العملية حتى استئصل حكومة النظام السابق - رغم صراخ الكثيرون خارج الغرفة خوفا على مصر من أن تصاب بمكروه و جهلا منهم بمهارة الفريق الطبى الذى أجرى العملية.

و تم نقل مصر الآن الى غرفة العناية المركزة ، حتى تكون تحت المتابعة الدقيقة ، و إن لم تعالج بشكل صحيح لربما طالت مدة بقائها هنا .
و مع الملاحظة ، تجد أن مصر تعانى من عدة أمراض فى جلها خطير ، و ستؤدى أى مسكنات الى مضاعفات ، من الممكن - لا قدر الله - أن تؤدى الى تدهور حالتها و وضع حياتها على المحك .

هذه الأمراض هى : الترقيع الدستورى ، و الطائفية ، و حرية قيادات مجرمى النظام ، و عدم محاسبة قاتلى المتظاهريين الى الآن ، و عدم تجميد النشاط السياسى لأعضاء الحزب الوطنى ، و عدم الافراج عن المعتقلين فى ٢٥ و ٢٨ يناير أو حتى اظهار جثثهم.

و لكن الترقيع الدستورى هو مرض يأكل الآن فى قلب مصر مباشرة ؛ لأن هذا الاستفتاء الذى يدعوننا اليه، هو ما سيجعل مصر معرضة الى هبوط حاد فى عضلة القلب فى أى لحظة ، بسبب عدم وضع مواد اختصاصات الرئيس ضمن المواد المعدلة ، ما سيجعلنا ننتظر جميعا حفل تأبين لفرعون مصر القادم ، مهما قال المحللون و الكتاب أن هذا لن يحدث فى ظل مدة الرئيس التى لا تتجاوز الثمان سنوات و فى ظل معرفة الناس طريق الميدان . و الموافقة عليه ستكون بمثابة اعطاء الضوء الأخضر للمماطلة فى وضع دستور جديد ، و الألعن من ذلك أن من سيقر هذا الدستور الجديد و يوافق عليه - فى ظل هذه التعديلات - هما أعضاء الحزب الوطنى و أعضاء جماعة الاخوان المسلمين ، و بعض من الساسة و الشراذم الذين سيستطيعون الهروب الى البرلمان .

و على صعيد آخر سنجد أن هناك دواء نجاحه مضمون بنسبة كبيرة ، و لكن طريقة آخذه و مرارته يجب أن تحتمل حتى نصل الى النتيجة المرجوة ، هذا الدواء ينص على الآتى:
- أولا أن نستطيع بمجهودنا أن نوعى الشعب المصرى بأخطار هذه الترقيعات ، و ندير دفة الرأى نحو كلمة "لا" ، التى طالما حلمنا بها نتيجة و لو حتى لاستفتاء مجلس العقار .
- ثانيا نبدأ فى حشد الآراء نحو تعيين مجلس رئاسى من قبل الجيش ، بما أننا لسنا فى أجواء تسمح لنا بانتخابه و لا تسمح للمرشحين بالاعلان و التسويق عن أنفسهم ؛ و أيضا أنه يوجد شبه اجماع ببقاء المجلس العسكرى ، و لكن الرفض يأتى من قبل المجلس العسكرى نفسه.
- ثالثا انتخاب مجلس تأسيسى لوضع دستور جديد للبلاد - و هذا لن يأخذ أكثر من ثلاثة أشهر - و سيكون هذا المجلس ممثل فيه كل قوى الشعب بمختلف أطيافه و توجهاته مهما كانت ، و ستكون طريقة انتخابه كالآتى :
على كل نقابة أن ترشح اثنين لهذا المجلس و كذلك ممثلين عن الأقباط و المسلمين ، و العمال و الفلاحين ، و الأكاديميين و المهنيين ، كذلك الأدباء و الفنانين ، بمعنى أن كل أطياف الشعب تشارك فى كتابة دستور الشعب .

و بهذا سنستطيع أن ننقل مصر الى حالة الاستقرار النسبى و ننهى على مرضىّ الترقيع الدستورى و الطائفية فى آن واحد ؛ و نعلن حالة الاستقرار التام و ننقل مصر الى غرفة المتابعة العادية ، اذا استطعنا فى هذه الفترة أن نعالج باقى الأمراض الفرعية : بالقاء القبض على قيادات مجرمى النظام (حتى و لو فى ظل تطبيق قانون الطوارئ عليهم) ، و محاسبة قاتلى المتظاهريين ، و تجميد النشاط السياسى لأعضاء الحزب الوطنى لمدة ثلاث سنوات ، و الافراج عن المعتقلين فى ٢٥ و ٢٨ يناير أو حتى اظهار جثثهم .

فلا داعى لأى استعجال لأنها ليست حياة فقط دولة ، بل انها حياة أمة .

عبدالله شلبى
١٢ مارس ٢٠١١
١١:١٨ مساءا