و فى تونس ، شاب جامعى بائس عزت عليه كرامته حين لطمته شرطية على وجهه بعدما صادرت بضاعته التى يتكسب منها قوت يومه ، فأضرم "محمد بو عزيزى" النار فى نفسه ، فاشتعل جسده و اشتعلت قلوب التونسيين جميعا ، و بدأت أيضا الدائرة في الاتساع حتى خرجت من "سيدى بو زيد" لتشمل جل المحافظات و القطاعات ، فخرج الشعب رافعا شعار " خبز.. ماء.. بن على لا " و سقط بن على .
و خلف هذا الشعار تكمن الفاجعة ، لقد خرج الشعب و ثار من أجل حاجته البهيمية ( من مأكل و مشرب) , و لم يخرج من أجل حاجته الانسانية (من عدالة و حرية و كرامة) . فهم يريدون وزير تموين أريبا لبيبا و ليس رئيسا عادلا و رشيدا , فحلمهم لم يرتق بعد الى نظام ديمقراطى بحق.
و الأنظمة العربية بالرغم من رفعها لشعار "لقد اتفقنا على ألا نتفق" ، وحدّتهم جميعا وصفة ضابط المخابرات الأمريكية "مايلز كوبلاند" التى جاءت فى كتابه "لعبة الأمم" ، و كانت تلك الوصفة تنص على تجميد الأحزاب السياسية لمدة عشرون عاما و من ثم سيتم القضاء على الحياة السياسية برمتها - بضم الراء - ثم أعيدوها للملعب مجددا ، حينها سيُفرَز لكم أشباه رجال و أنصاف متعلمين , و ستكون الأحزاب السياسية برمتها - بكسر أو ضم الراء - ما هى الا منابر للثرثرة و الجدال الهش.
لذا ما حدث فى تونس سيسفر عن : سيطرة الجيش على الحكم - بما أنه الجهة الوحيدة المنظمة - أو سيطرة أحد رجالات الحزب الحاكم على الحكم بما أنها الجهة الوحيدة التى لها خبرة فى إدارة البلاد ؛ كما حدث أيضا فى رومانيا و أصبح إيون إيليسكو (أحد أعضاء الحزب الشيوعى) رئيسا بالإنابة لرومانيا.
هذا الجزء من المقال تم كتابته يوم الخميس 13 يناير، و لكننى فضلت ألا أسارع فى نشره و أسبق الأحداث، و الحمد لله فقد تحققت معظم التحليلات التى وردت بالمقال .
أحزننى جدا طريقة تفاعل المنشغلين بالسياسة من الشباب فى مصر ، و شعرت للأسف بالطفولة السياسية التى تخيم على عقولنا. فمنهم من رأى أن ما حدث فى تونس هو خير مثال يحتذى به . و كأن مشكلتنا تكمن فى شخص الرئيس فقط و ليس فى النظام بأكمله بأيدولوجياته و ميثودولوجياته ، فاختزلوا حلم الديمقراطية و الحرية فى استبدال الرئيس بأخر .
و آخرون أصابونى حقا بالذهول عندما أعلنوا يوم 25 يناير يوم ثورة التغيير فى مصر ، و كأنه من المفترض أن أنبهك قبل أن أصفعك على وجهك ، و من الممكن أن تُبقى حينها وجهك عاريا دون حماية لأصفعك عليه كيفما شئت !!!
إذا أردتموها ثورة شعبية بحق ، تجنى ثمارها من ديمقراطية و عدالة و تغيير شامل للنظام ، يجب توافر القائد المحرك للشعب ، الذى يستطيع أن يقسم الشعب لفرق - و ليكن من حيث التوزيع الجغرافى - بحيث تكون هناك فرق لحماية المنشآت السياحية و الآثار ، و أخرى لحماية السجون ، و أخرى لحماية المناطق السكانية و المحال التجارية؛ ليستطيع هذا القائد أيضا أن يثبت للجيش أنه قادر على الإمساك بزمام الأمور . حتى نستطيع أن نخرج من الثورة بأعلى المكاسب و أقل الخسائر الممكنة .
و ضعوا فى حسبانكم أن حالة الفوضى و الانفلات الأمنى التى تحدث فى تونس الآن ، ستحدث فى مصر إذا لم يتوافر ذلك القائد و لكنها ستحدث بثمانية أضعاف ، فبحسبة بسيطة ، إن الشعب التونسى يبلغ تعداده 10 ملايين نسمة بينما يبلغ تعداد الشعب المصرى 80 مليون نسمة . و حينها لن نجد مفر من تسليم الدولة للجيش مجددا ، حتى إذا استطعنا أن نسقط شخص الرئيس أو لا - بما أن الجيش كله شارب شاى بالياسمين .
و حينها ستعود ريمة الى عادتها القديمة و ربما أسوأ !!!!
عبدالله شلبى
القاهرة فى 16 يناير 2011