"سافر هي قفلت ولازم اللي يلحق يخرج منها يخرج بسرعة عشان يعيش... أيوه احنا هنا أموات أو تقدر تقول زومبيز" .
كان هذا ردي عندما صارحني أخي وصديق عمري أنه قرر الهجرة الى كندا، أقل من أسبوعين كانا يفصلانا عن ميعاد طائرته عندما كنا نتحدث.
مرت الأيام سريعة وغير مفهومة، كلما باغتني الشعور أنني سأفتقده، كان كل ما في البلد يجعلني سعيدا أن أحدنا استطاع النجاة، بلى كل هذا الفشل والجهل الذي يحيط بنا كانا كفيلين أن أحمد الله لنجاته من هذا المستنقع الذي ليس له قرار!
هذه البلد التى حلمنا في يوم أن تكون هي المنافسة لدبي وكندا، وقررنا أننا سنبذل فيها قصارى جهدنا حتى نقلب الآية، وبدلا من أن نهرب منها تهرب الشعوب الأخرى اليها، هذه البلد التى نزلنا من أجلها حقا وقررنا أن نضع للفساد والجهل فيها حد وأن نقتلع نظاما ظل يُجهل شعبها حتى حوله الى قطيع من الرضع وهو أمه!
من المضحكات المبكيات أننا نفدنا من الموت بأعجوبة أكثر من مرة منذ انلاع الثورة، وما نزل فينا أحد الى مظاهرة الا وكان الآخر بجواره.
قبل السفر بيوم قضينا الليل بطوله مع كل أصدقائنا، كان كلما مر من أمامي خطفت منه حضن، كأنني أخزن الأحضان حتى لقائنا القادم الذي لا أعلم بعد متى سيحين!
ذهبنا للمطار يوم 28 نوفمبر 2014 وكانت الشوارع شبه خالية تماما بعد أن قبع الشعب في بيوته بعد دعوات الجبهة السلفية للتظاهر، كان هو وخطيبته وأخينا الأصغر في سيارة و أنا وصديقين خلفهم، كان يقود بسرعة وكنت خلفه أطلق من الزمور تهليلة الفرح، لم أرد أن يكون وداعا فقررت أن يكون فرح.
سافر الصديق والخل الوفي، ذهب بعدما احتضنته "حضن مطارات" على أكمل وجه، ذهب ليتنفس هواءا منعشا، ويعيش مع آدميين أحياء، أعلم أن أمامه الكثير والكثير حتى ينفض عن عقله وجسده تراب هذا القبر المقيمين فيه اقامة جبرية، ولكنني أعلم أنه رجل ولن يخيب ظننا فيه...
عن عمر نصرت.
عبد الله شلبي
القاهرة في 29 نوفمبر 2014