"ها، و بعدين يا عم عبدالله و آخرتها؟!!" هكذا بدأت حوارى مع نفسى عقب سماع الحكم "التاريخى" على مبارك و أعوانه فى قضيتى قتل المتظاهرين و اهدار المال العام.
و كعادتى أخذت الجانب المؤيد حتى أحاول أرى ما رأى القاضى. ففى تبرئته لمساعدى المجرم حبيب العادلى لقد أخذ القاضى بمبدأ أن وزارة الداخلية تنتهج النهج العسكرى فى الأساس، و لا يُسمح لمرؤوس بمخالفة أوامر رئيسه أيا كانت و اذا فعل فالاعدام رميا بالرصاص هو الحكم عليه من قبل المحكمة العسكرية. و لكن اذا كان احتكم القاضى لشرع الله "فلا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق"، فأتوقع أن أخف حكم عليهم كان ٧ سنوات، و لاستطعنا حينها أن نقبض على باقى الضباط المتورطين في قتل الورود التى تفتحت فى ميادين مصر.
أما فى قضية اهدار المال العام و تبرئة حسين سالم و علاء مبارك و جمال مبارك؛ تذكرت فى حينها أن هناك محافظتين و هم أهم محافظتين في السياحة (شرم الشيخ و الغردقة) قد تم بيعهم بالكامل، و تخصيص كل شبر فيهم. فكيف بالله عليكم أن يخرج الجميع من تهمة بيع مصر!! و الأنكي من ذلك عندما يخرج علينا مفوض الاتحاد الأوروبى و وزير الخارجية البريطانية يفضحان السلطات المصرية أنهم لم يرسلوا أى طلبات للاستعلام عن حسابات أفراد النظام و لا لاسترداد أموالنا المنهوبة بالخارج، ثم يحكم القضاء المصرى الشامخ بتبرئة الجميع!!.
و لكن للانصاف لا نستطيع أن نلقى كل اللوم على مايسترو عرس العدالة، فالأهم منه هم العازفون على أنغام الظلم و طمث الحقائق؛ أجهزة التحريات من نيابة و مباحث، وهم مخرجو تلك المقطوعة الفريدة من الأساس. لأن القاضى فى النهاية مثله مثل المايسترو، الاثنان يتلوان ما أمامهما فى الأوراق.
عقب الحكم انهمر الناس فى عدة محافظات الى الميادين من كل فج عميق، ينددون و يشجبون، و صيحات غضب تتعالى، و مرشحون رئاسة ساقطين نزلوا ليركبوا "كعاداتهم" على أعناق الشباب. و كل ذلك و أنا فى حالة سكون و هدوء شديدين جعلانى متهم بالسلبية من أنقى و أنبل من أهدانى الميدان.
فشرحت ببساطة وجهة نظرى، و كانت كالآتى:
اننا كغثاء السيل، كثر و لكننا متشرذمين، و تشرذمنا دوما يفشلنا، ونكبتنا فى نخبتنا. كلنا يهتف يسقط يسقط ..... عام و نصف العام نطالب باسقاطات عدة و لم نستطع فى يوم واحد أن نسمى و نجتمع على بديل لمن نسقطه. نلاعب بجهلنا جهاز مخابرات يُنفق على تعليم من فيه المليارات سنويا. أفراده طوروا أنفسهم و عدلوا من أخطائهم و نحن مازلنا نكرر نفس الأخطاء بنفس الخطوات. تعلمت المخابرات فى تلك الفترة أن تواجه غضب الشارع بالاختفاء، فما من يوم ينزل الغاضبون الى الميادين حتى لا تجد شرطى مرور فى الشارع، عملا بميدأ "دعهم يهتفون، دعهم ينفثون و يخمدون"، تعلمت المخابرات أن وحدتنا فى قوتنا فلعبت على فرقتنا، و هزيمتنا بفزعنا من بعضنا البعض. فى بادئ الأمر استخدموا وسائل اعلامهم فى تهمة كل من فى الميدان أنهم أصحاب أجندات و مندسون و عملاء، فأوجز أعضاء الكنبات فى أنفسهم خيفة من كل من يطلق عليه شباب الثورة، ثم بعدها انقلبوا على التيار الليبرالى - و هم فى الأصل تربة خصبة للاختلافات و لم يحدث أن اجتمعت الأحزاب الليبرالية فى يوم علي كلمة سواء - و بدأوا تسويقهم على أنهم دعاة عراة و انفلات دينى و أخلاقى. ثم انقلبوا على التيار الاسلامى المحافظ ليسوقوهم على أنهم أذناب جهنم فى الأرض، و أن حكمهم مبدأه التزمت و المغالاة، و أنهم يروننا جميعا كفار فيما سواهم و المشنقة لمن يخالفهم.
كل هذا و لم يستطع الشباب الثورى أن يعى أن كلمة السر دوما و أبدا فى قضايا الحقوق الانسانية هى "التعاطف" فالتعاطف يتحول الى تأييد و التأييد يتحول الى دعم و الدعم يتحول الى تبني القضية و التبني يتحول الى الدفاع عنها و الموت لأجل تحقيقها. فمن دون تعاطف الشعب معك و مع قضيتك فأنت مهزوم و لن يبكى عليك أحد حتى و هو يراك تُـقـتل أمام عينيه. فمن دون موقعة الجمل ما كان سيرحل مبارك.
و هذا ما وعيه جيدا و تفهمته المخابرات، و هى كيفية التخلص من تعاطف الشعب مع الثورة. فلجأت أولا بتمثيلية الانفلات الأمنى، ثم الى فزاعات الأيدولوجيات و افتعال الأزمات (الكهرباء و البنزين) ثم تطورت جدا فباتت تخترق بالمجندين الاعتصامات السلمية، حتى اكتشفنا أن جنود الأمن المركزى هم من كانوا يقفون على بوابات الميدان فى اعتصام يوليو. ففكرة قطع الطرق و غلق الميادين و هكذا، كلها أفعال تفقدنا تعاطف الجاهل بقضيتنا معنا.
كان هناك البارحة دعوات فى الميدان لتشكيل مجلس رئاسى انتقالى و الغاء الانتخابات!! حينما سمعت تلك الدعوة أصابتنى حالة من الضحك الهيستيرى من فرط جهلنا لمدة دقيقة؛ فتذكرت نكتة قديمة تحكى أن: ذهب رجل مصرى ليتزوج من مصرية بعد أن قضى معظم حياته فى الغرب، فعندما قابل والد العروس بعد مقابلتها، قال له: لي شرط حتى أستطيع أن أشكل رأى النهائى، وهو أن أري بنت سعادتك عريانة تماما، فأتأكد أن جسدها خالى من أى ندبات أو عاهات. فرفضت العروس و والدها فى بادئ الأمر، ثم تنازل والد العروس و وافق بحجة أن هذا يمكن أن تكون العادات و التقاليد فى الغرب و أقنع ابنته. ثم بعد أن نال ما طلب خرج العريس قائلا: كله تمام لكن مناخيرها شكلها كبيرة أوي، أنا مش موافق!!!..... هذا ما فعلناه بالضبط فكيف بعد أن طالبنا بالانتخابات أولا ، و الرئيس قبل الدستور، تأتون اليوم بعد أن نلتم ما طلبتم تطالبون بتشكيل مجلس رئاسي و الغاء الانتخابات!!! كنتم تعلمون جيدا من البداية أن اللجنة العليا للانتخابات ستكون من تشكيل المجلس العسكرى كما كانت اللجنة العليا للانتخابات البرلمانية، أنتم و مرشحينكم من قبلتم شروط اللعبة، فعلى ماذا تتباكون الآن؟!!
ليس أمامنا سوى أن تجتمع نكبتنا (نخبتنا سابقا) و يتفقون و يتوافقون على تشكيل فريق رئاسى مساعد لمحمد مرسى فى الانتخابات و يستقووا بثوار مصر، حتى نستطيع أن نطمئن الجموع الخائفة من حكم المرشد لمصر، و يستطيع الناس بمختلف تياراتهم و أيدولوجياتهم أن يتعاطفوا ثانية مع فكرة التغيير أصلا. و لكن هل سيوافق على ذلك أعضاء مكتب الارشاد ؟؟؟؟ الله أعلى و أعلم، و لكن ما أتوقعه فى حالة رفضهم لذلك الاقتراح، سنبارك خامس حاكم عسكرى للجمهورية المصرية، و سيتعجب كتبة التاريخ من المصريين كيف طالبوا باسقاط حكم العسكر و انتخبوا "الفريق" شفيق..... ولكن المصرى مشهور بجبروته.
لن يعيد لمصر شبابها الا شبابها
عبدالله شلبى
الأحد ٣ يونيو ٢٠١٢
٦:٤١ مساءا